Site icon IMLebanon

عن مسرح العجائب اللبناني.. والخيارات المسدودة

 

‏هل يكون كلام باريس عن خطر المنظومة على البلد مؤشراً لتفعيل مبادرتها؟

 

لم تمرّ سوى أيام عدة على اجتماع بعبدا السياسي – الأمني- المالي برئاسة العماد ميشال عون، الذي أعلن «مقرراته» الصحّاف الجديد، وخصوصاً تلك المتعلقة بالمنصّات التي تتلاعب بالنقد الوطني، حتى قفز سعر صرف الدولار مقابل الليرة اللبنانية بشكل جنوني، وتعدى في يوم واحد نسبة الـ 20 بالمئة!

 

لا يستقيم هنا، الحديث عن مخالفات دستورية، والقول بأنّ الأولى من عقد إجتماعات لا صفة قانونية أو دستوريّة لها، تشكيل حكومة مهمّة تتولى مسؤولية معالجة الأزمة، وفي حال فشلها تحاسب على ذلك.. فنحن أمام حالة إنكار مَرَضيّة، وأمام إصرار على التلاعب بالنظام اللبناني لأكثر من غاية وهدف، ولو على بقايا النظام والمؤسسات، وما تبقى من شعب لم تسعفه الظروف من الهجرة.

 

بين باريس وموسكو

 

إنه السيرك اللبناني الكبير، يَعتليه من يشاء، ليهلوس بما يشتهي وفق إرادة المرشد ومصالحه وحساباته، والعاقلُ من يعتبر؛

 

أحدهم يريد منح لقاحات كورونا مكافأة لهذا وذاك!

 

والثاني يريد رشوة الجيش والأجهزة الأمنية من ورق بات بلا قيمة يجري طبعه ورميه في الأسواق.

 

وآخر يفترض أنه مسؤول عن الأمن، يبشّر بانهيار الأمن وسيطرة الفوضى وعجز الأجهزة!

 

أما وزير الطاقة، وبعد اجتماع في بعبدا حَضَرته وزيرة الطاقة السابقة (على اعتبار أن هذه الوزارة ملكٌ عائلي للصهر والحاشية)، فيحذّر من العتمة، في حال لم يتم إقرار سلفة الـ 1500 مليار لشركة الكهرباء، لإبعاد شبح العتمة شهرين أو أكثر!

 

وختام الأسبوع كان مع جبران باسيل، الوزير السابق المعاقب أميركياً بسبب الفساد، محاضراً بالعفّة ومكافحة الفساد!!

 

إلى أين؟ طبعاً، إلى عقر جهنم التي بشّر بها رئيس جمهورية… وقد فعل حيث باتت أخبار التدافع والشجار والصدامات على الزيت والرز والسكر المدعوم شبه يوميّة وتملأ فضاءات الإعلام العربي والعالمي، ووسائل التواصل في ظل العهد القوي، لكن النحس.

 

على أن المهّم في أحداث الأسبوع، هو كلام وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان بعد اجتماعه مع نظرائه من مصر والاردن وألمانيا حيث قال: «تتجاذبني مشاعر الحزن والغضب والأسى، إذ لا يمكننا أن نكون بدلاء للقوى السياسية اللبنانية التي لغاية اليوم هي مسؤولة عن عدم اسعاف البلاد وهي في خطر»، وقوله «لا يزال يوجد وقت للفعل»، وهذا الموقف بالرغم من لغته التحذيرية يندرج في إطار سلسلة مواقف فرنسيّة تصب في إطار استمرار الاهتمام الفرنسي بمساعدة لبنان وشعبه، والمعبّر عنه بالمبادرة التي كان أطلقها الرئيس ايمانويل ماكرون خلال زيارته بيروت في أيلول الماضي كخارطة طريق للخروج من المأزق، لكن أطراف المنظومة أفشلتها من دون أن يرف لها جفن.  لكن هل بقي لفرنسا شيء تفعله؟

 

الجديد بحسب المعلومات أن باريس زادت من مستوى تنسيقها في الملف اللبناني مع كل من إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن ومع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، إلى جانب التنسيق مع عدد من العواصم العربية المهتمّة بالمسألة اللبنانيّة، وفق قاسم مشترك وهو تأييد المطالب التي يرفعها الشعب اللبناني منذ أكثر من سنة والمتمثلة بمحاربة الفساد وإنجاز الإصلاحات، والعمل على محاسبة ناهبي المال العام ومعرفة حقيقة تفجير مرفأ بيروت، والعمل على تغيير سياسي يتمتع بالشرعية الشعبية والدستورية الكاملة، والسؤال هنا هل ستعمل باريس بالشراكة مع اللاعبين الدوليين والعرب على تفعيل مبادرتها لإنجاز حل، خصوصاً بعدما باتت تدرك عقد الرهان على حسّ المسؤولية لدى الأطراف اللبنانية الداخلية؟ وهل من دلالة أو رابط لزيارة وفد من «حزب الله» إلى موسكو بهذه الأجواء المستجدة، وبالتالي تحويل اهتمام الحزب إلى مراعاة الانهيار الداخلي على حساب الانحياز المطلق لخيارات طهران؟

 

تتحدث أوساط متابعة عن أن كل الخيارات مفتوحة أمام محاسبة من بات يعتبرهم المجتمع الدولي «يرفضون مساعدة بلدهم»، أي أطراف المنظومة المتحكّمة الممعنين بعرقلة تشكيل حكومة مهمّة تعمل على تطبيق خطة الإنقاذ.

 

المغامرة المستحيلة

 

في المقابل، يبدو الخروج من المأزق الراهن شبهَ مستحيل، خصوصاً إذا استمرت المنظومة ذاتها ممسكة بناصية القرار، وهي المسؤولة أصلاً عن الانهيار غير المسبوق الذي ضربَ كلّ مقومات الحياة، والدولة، والاقتصاد، والأمن، والصناعة، والسياحة، والإدارة، والتعليم، والطبابة، والخدمات، وعلاقات لبنان بالخارج. وتصرّ، برغم كلّ الفظاعات التي تورّطت، على المحاضرة بالعفّة وعلى مساومة المجتمع الدولي في إطار المقامرة بما تبقى من البلد في سوق المحاور والحسابات.

 

بهذا المعنى على اللبنانيين تحضير أنفسهم لمزيد من البؤس والجوع وفلتان الأسعار وانهيار قيمة العملة، وكلّ ذلك يرتّب على القوى المجتمعيّة الحيّة المزيد من التنبه لما يمكن أن تقدم عليه المنظومة لاستيعاب غضب الشعب أو إدخال الثورة في زواريب العسكرة أو الفوضى أو العنف، وبالتالي الانتقال بالاعتراض إلى أشكال وصيغ جديدة، أكثر واقعيةً وعلميّةً وتشبيكيةً، داخلياً وخارجياً. كان من الممكن تفادي كل الانهيار الحاصل قبل عام لو أقدمت السلطة على معالجات جديّة، في الدين العام، والقطاع المصرفي، والإصلاحات، لكنها تعلم جيداً أن الذهاب في ملف فساد واحد حتى النهاية سيكون بمثابة جحر الدومينو الذي سيجرّ كل المنظومة إلى دائرة المحاسبة وكشف الفضائح.

 

الانهيار الدراماتيكي في المشهد اللبناني ما عاد يحتملُ المزيدَ من الكلام والتشخيص والتحليل، بل يتطلّب مزيداً من الإصرار، والنَفَس الطويل، والابتكار في ديناميات الرفض والضغط والإقناع، فلبنان الجديد يستحق