Site icon IMLebanon

هل ستعيد الرياض النظر في سياستها؟

 

 

ليس تفصيلاً ان يتضمّن البيان الفرنسي والسعودي المشترك ثلاث ضرورات: ضرورة التصدي للأنشطة الإيرانية المزعزعة للأمن في المنطقة؛ ضرورة قيام الحكومة اللبنانية بإجراء إصلاحات شاملة؛ ضرورة حصر السلاح في لبنان في مؤسسات الدولة الشرعية.

تزامنت زيارة الرئيس إيمانويل ماكرون الخليجية مع تعثُّر الجولة السابعة من المفاوضات النووية التي استؤنفت في فيينا وتأكيد واشنطن ان طهران «لا تبدو جادة»، كما تكرار ماكرون تأكيده انه «لا يمكن معالجة المسألة النووية من دون التطرُّق إلى الاستقرار الإقليمي، ولا يمكن أن نمضي قدماً من دون إشراك جهد أصدقائنا، ومنهم السعودية، في هذه المناقشات».

فلا يمكن النظر إلى زيارة ماكرون الخليجية سوى من زاوية تمتين التحالف الفرنسي-الخليجي ومزيد من تطويق الدور الإيراني في المنطقة، وذلك في ظل إدراك دولي وإقليمي انّ رفع العقوبات عن إيران في الملف النووي يؤدي إلى تعزيز أنشطتها المزعزعة للاستقرار، وانه من الخطأ الفصل بين النووي والدور الإيرانيين، ولكن الفارق بين الاتفاق النووي لعام 2015 واليوم يكمن في التطور الذي طرأ على مستويين أساسيين:

المستوى الأول يتمثّل بتطبيع أربع دول عربية مع إسرائيل بعد مصر والأردن، ما يعني ان الدول العربية أصبحت أقرب إلى تل أبيب منها إلى طهران، وان ميزان القوى الأقوى في المنطقة هو العربي-الإسرائيلي.

المستوى الثاني ان مشروعها الإقليمي في حال تراجع وتخبُّط مستمرين، من لبنان الذي شهد انهيارا كاملا بسبب هذا المشروع بالذات، مروراً بسوريا التي خرجت من دائرة القرار والتأثير، وصولا إلى العراق الذي صوّت شعبه ضد الإدارة الإيرانية، وليس انتهاء باليمن الذي لن تستقيم أوضاعه قبل ان يخضع الحوثي لسلطة الدولة اليمنية.

كما لا يمكن النظر إلى زيارة ماكرون الخليجية خارج إطار السعي إلى توحيد الرؤية مع الرياض حيال لبنان لجهة تجنُّب انهياره الكامل على غرار سوريا فيدخل في فوضى من دون أفق زمني وانعكاسات خطيرة، وعدم تركه فريسة التدخُّل الإيراني، وتعزيز مشروع الدولة داخله بانتظار التفاهم مع طهران على مشروعها في المنطقة.

وعلى رغم انّ النصوص الدستورية والقرارات الدولية والبيانات الثنائية تبقى حبرا على ورق في ظل سياسة أمر واقع ترفض التقيُّد بالدستور والقرارات ذات الصلة، إلا ان التشديد الدائم على الثوابت اللبنانية المتعلقة بالدستور وحصر السلاح وضبط الحدود والقيام بالإصلاحات المطلوبة، مسألة في غاية الأهمية بانتظار ان تترجم هذه الثوابت على أرض الواقع.

والسؤال الأول الذي يتبادر إلى الأذهان على أثر البيان الفرنسي-السعودي المشترك: هل ستعيد الرياض النظر في سياستها حيال لبنان والانتقال من القطيعة بالحد الأقصى وتواجد «رفع العتب» الديبلوماسي بالحد الأدنى، إلى إحياء سياستها السابقة في مدّ لبنان بالمساعدات المالية وعودة الدعم السعودي إلى ما كان عليه سابقاً؟

ويمكن في هذا السياق الحديث عن 4 احتمالات:

الاحتمال الأول ان تربط الرياض اي مساعدة للبنان بتحقيق الأخير تقدماً على ثلاثة مسارات: الإصلاحات، ضبط الحدود، وضبط «حزب الله»، ما يعني ان لا مساعدات في الأفق، إنما العودة إلى علاقات ديبلوماسية كلاسيكية طبيعية ورسمية.

الاحتمال الثاني ان تحيي الرياض المعادلة الدولية وان تتمترس خلفها: لا مساعدات من دون إصلاحات، خصوصاً ان تجربة السنوات الأخيرة أظهرت ان الفريق الحاكم ليس في وارد القيام بأي إصلاحات، فضلاً عن انه من المستبعد ان تشهد الفترة الفاصلة عن الانتخابات أية إصلاحات تذكر، وبالتالي بعد الانتخابات وما يمكن ان تنتجه من أكثرية جديدة يكون لكل حادث حديث.

الاحتمال الثالث ان تجمِّد خطواتها التصعيدية وان تعيد العلاقة إلى ما كانت عليه قبل نشوب أزمة وزير الإعلام المستقيل جورج قرداحي، وان تكتفي بهذا القدر في ظل غياب اي توجه او نية لدعم سلطة ممسوكة من قبل «حزب الله».

الاحتمال الرابع ان تدعم على غرار واشنطن كل ما يعزِّز الاستقرار، من الجيش اللبناني الذي أظهر ويُظهر قدرة فائقة على ضبط الوضع الأمني وغير خاضع لأي تأثير خارجي او داخلي يحول دون تنفيذ أجندته اللبنانية الوحيدة، إلى الجسم القضائي الذي أظهر استقلالية وجرأة ولا يتأثر بترهيب وترغيب، وما بينهما ما يمكن ان تُقدم عليه الحكومة من خطوات إصلاحية.

فالرغبة الدولية واضحة في إبقاء لبنان مستقراً بانتظار التسوية النهائية مع طهران، وتعتبر ان الوضع على مساوئه يبقى أفضل بكثير من انزلاق البلد إلى الفوضى ودخوله في متاهة لا يمكن ضبط حركيتها ونتائجها، كما تعتبر انه على رغم ان الفوضى تُفقد «حزب الله» غطاء الدولة، إلا انه يبقى الطرف الأقوى في هذه الفوضى، وترى ان الجهود يجب ان تتركّز على ثلاثة مسارات أساسية:

المسار الأول: إرساء تفاهم مثلث بين المجتمع الدولي من جهة، والمجتمع الإقليمي من جهة ثانية، والدول التي تخضع لتأثير الدور الإيراني من جهة ثالثة، وذلك من أجل توحيد الجهود المثلثة للحدّ من الدور الإيراني.

المسار الثاني: مواصلة تطويق المشروع الإيراني في المنطقة ومواجهته في كل الدول والساحات من دون اي استثناء، والانسحاب من اي مواجهة معه تقوّيه ولا تضعفه وتجعله يتفرّغ للمواجهات في الساحات الأخرى، وبالتالي يجب ان تُخاض المواجهة معه تبعاً لأوضاع وخصوصية كل دولة يتدخّل في شؤونها.

المسار الثالث: تقوية وتعزيز ثلاثة مكونات في الدول التي يتدخّل في شؤونها: الجسم السياسي الرسمي الداعم لخط الدولة، الجيش والقضاء، خصوصا ان الرأي العام في كل الدول الخاضعة للنفوذ الإيراني وصل إلى قناعة ان هذا المشروع مُرادف للفقر والعزلة وعدم الاستقرار، وانه يستحيل ان يحيا المواطن حياة طبيعية قبل وضع حدّ للتدخُّل الإيراني التعطيلي لقيام دولة ودستور وقانون، وهذا الشعور لدى الرأي العام يجب مساعدته وتقويته لا التخلي عنه.

وهناك قناعة دولية ان المواجهة مع طهران لن تحقِّق أهدافها سوى عن طريق القضم والجولات في ظل صعوبة خيار الضربة القاضية، خصوصاً ان السنوات الأخيرة أثبتت جدوى هذه المواجهة، إن من خلال نشوء محور متماسك دولي وإقليمي في مواجهة الدور الإيراني، او بسبب ظهور المشروع الإيراني بأنه قوة تعطيل لا تنتج دولا ولا استقرارا، وان جلّ ما هو مطلوب المزيد من تطويق هذا المشروع نووياً أولا، ودوراً على مستوى المنطقة ثانيا، ونفوذاً في كل الدول التي تمارس فيها طهران التعطيل.