Site icon IMLebanon

لا خوف على كتلة صلبة لـ «تيار المستقبل» في البرلمان… ومأزقه غياب حاضنته السياسية

 

عودة الحريري تُضفي «حيوية» على الاستحقاق الانتخابي وترفع من مؤشرات حصوله في موعده

 

 

ستُبلور عودةُ رئيس تيار «المستقبل» سعد الحريري إلى بيروت الاتجاه الذي سيسلكه وتياره حيال استحقاق الانتخابات النيابية المقرّر في 15 أيار المقبل، والذي عليه ستعمد كل الأطراف السياسية من حلفاء وخصوم إلى ترتيب أوضاعها في الدوائر حيث للصوت السُّني تأثير وازن أو داعم.

 

ثمةَ فارقٌ كبير بين أن يُعلن الحريري عدم ترشُّحه شخصياً إلى الانتخابات ويبقى حاضراً بالأصالة أو الوكالة في صلب إدارة معركة تياره في مختلف الدوائر،وبين أن يُعلن العزوف كتيار سياسي عن المشاركة في الانتخابات بما يشكله التيار من تمثيل شعبي وماكينة انتخابية وقدرة تجييريه من جهة، ومن حضورٍ لـ«الحريرية السياسية» في المعادلة السياسية التي طبعت المشهد اللبناني منذ تسعينيات القرن الماضي، من جهة ثانية.

 

الاستطلاعات تعطي «المستقبل» ما بين 35 و40 بالمئة من أصوات الشارع السني وتوقعات بأن يرفعها العامل العاطفي

 

في حالة عزوف الحريري الشخصي، ستكون حدود الانعكاسات معنوية على ناخبيه وجمهوره وبيئته في صندوقة الاقتراع التي كانت تتوجه لتقترع لشخصه في بيروت، من دون أن تترك كبير تأثير على اللائحة، بل ربما أراح غيابه كمرشح عملية توزيع الأصوات بين مرشحي اللائحة حين تغيب لعبة المتصدّر لعدد الأصوات وربطها بحجمه الشعبي والسياسي. أما في حالة عزوف التيار، فإن الفراغ والإرباك سيدخلان المشهد السياسي.

 

فاستطلاعات الرأي على اختلاف مشاربها تُظهر أن تيار «المستقبل» يستحوذ على ما نسبته 35 إلى 40 بالمئة وما يزيد من كتلة صلبة في الشارع السني، رغم كل الإخفاقات التي رافقت مسيرة رئيسه بوصفه الزعيم السُّني الأول في الطائفة. هذه النسبة لا يمكن تجاهلها ولا تجاوزها وستبقى تالياً الكتلة السنية الأكبر إذا عَـبَـرَت إلى مجلس النواب.

 

ورغم الصعوبات التي ستعترض التيار في حملته الانتخابية بفعل أزمته المالية وغياب الخدمات الاجتماعية والصحية لمؤسسات الحريري عن جمهوره في عز الضائقة، فإن «المستقبل» قادر أن يُحرِّك ماكينته الانتخابية وأن يُنتج قياداته، وأن يرفع من نسبة مؤيديه الذين قد يدفعهم البعد الطائفي التضامني مع شخص الحريري إلى التوجه إلى صناديق الاقتراع بدل الانكفاء.

 

غير أن المعضلة التي تعتري الحريري وتياره تَـكْمُن في استمرار تأزم علاقته مع المرجعية العربية وتحديداً السعودية التي استمد الرئيس رفيق الحريري قوته منها، وكانت امتداداً طبيعياً للحريري الإبن حتى تاريخ انخراطه في التسوية الرئاسية عام 2016 التي وصفها بالمغامرة السياسية وتمسَّك بها رغم موقف الرياض السلبي منها بعدما ظهرت تداعياتها ومفاعليها وإخلالها بمداميك التوازن الداخلي، وهو ما آل إلى لبنان من مظلته العربية وإلى عزلته الراهنة، إلا أن هذه المعضلة يبقى حلها رهن ما ستحمله المرحلة المقبلة من تطورات.

 

لا شك أن معالم الطريق التي سيسلكها «المستقبل» سترسمها التحالفات التي سينسجها، وكذلك السقف السياسي الذي سيخوض الاستحقاق على أساسه وما إذا كان سيلاقي فيه الحالة الداخلية المتنامية في مطالبتها رفع «الاحتلال الإيراني» عن لبنان والتي تنخرط فيها رموز سنية خرجت من رحم «البيت الحريري» ومن فلك 14 اذار، أم أنها ستأتي فضفاضة رمادية.

 

ففي الشارع السني، هناك عمل استنهاضي على خوض المعركة الانتخابية بشعار سياسي واضح عالي السقف في مواجهة «حزب الله» يصل لدى بعضهم إلى حيِّز «رفع الاحتلال الإيراني»، وهو جزء من حراك عابر للطوائف والمناطق يتشكل ويتبلور، ويتوقع أن تتسع رقعته أكثر فأكثر مع الاقتراب من الاستحقاق، لكن لا أوهام بأنه سيتحول إلى حالة شعبية شبيهة بتلك التي شهدها لبنان في يوم الرابع عشر من اذار 2005، والتي طالبت بخروج الجيش السوري. فظروف اليوم مختلفة إقليمياً، والقوى السياسية التي انضوت في جبهة 14 آذار لا تضع العنوان السيادي كأولوية بوصفه مدخلاً لانتظام الحياة السياسية واستعادة الدولة لمقوماتها، بل تقفز فوقه لأسباب متعددة.

 

سيحاول «سنة الممانعة» أن يأكلوا من صحن الأصوات الخارجة من «المستقبل». وسيكون «حزب الله» الأكثر قدرة على استقطاب الأصوات المبعثرة في مناطق حضوره، حتى أنه آخذ في مد يده إلى مناطق معروفة بثقلها السني بقاعاً وشمالاً من خلال حلفائه في «المحور»، وإنْ كان البعض في المقلب الآخر، وتحديداً «القوات اللبنانية» يراهن على الاستحواذ على جزء من تلك الأصوات، حيث لديها لوائح من أجل رفع حواصلها الانتخابية أو تأمينها.

 

ويلفت بعض المراقبين في إطار «حصد الأصوات المبعثرة» على القوة التجييرية لبعض الجماعات مثل «الأحباش» القادرة على أن تصب أصواتها كتلة واحدة في اتجاه لائحة محددة رافعة من حواصلها. كما أن الحسابات تذهب إلى ما يشكله صوت «العشائر العربية».

 

على أن قانون الانتخاب الذي يفتح الباب أمام لوائح غير مكتملة، وهو ما يطرح سؤالاً حول مدى قدرة الحالة الاعتراضية السنية لهيمنة «حزب الله» من الوصول إلى قبة البرلمان وتشكيل كتلة سياسية وازنة تحمل مشروعاً يُعَبّر عن نبض البيئة السنية ويخرج من رحمها. ثمة رهان في هذا المجال، لكنه غير قابل للتحقق إلا إذا كان هناك مَنْ يُدير مثل هكذا مشروع ويحتضنه. حتى الساعة، لا يبدو ظاهراً للعيان، ولا تشي التحضيرات والمعطيات بوجود ملموس وحتمي له.

 

من شأن عودة الحريري إلى بيروت أن تضفي حيوية على الاستحقاق الانتخابي، كما عوامل جديدة عليه في ضوء الاتجاهات التي ستحْكم قراره على مستوى شخصه وتياره وتحالفاته وبرنامجه. ولعل أبرز ما حملته عودة زعيم «المستقبل» ارتفاع منسوب المؤشرات بأن الانتخابات النيابية ستحصل في موعدها، رغم الاقتناع بأن ظروف إجرائها غير متوافرة في ظل استفحال الازمات الاقتصادية والمالية، وما قد يكون لها من انعكاسات أمنية وحتى لوجستية، وفي ظل عدم القدرة على تأمين نزاهتها.