Site icon IMLebanon

“فيدرالية” القرى ترسب بالإمتحان

 

محطات الوقود مسارح للجريمة والمشاكل

 

لا يكفي لبنان الفراغ المتتالي والانهيار المتوالي، وما يعانيه من جملة ازمات، سياسية واجتماعية وصحية ووطنية، لتترك كل ازمة آثارها السلبية الاجتماعية والمعيشية على جميع اللبنانيين من دون استثناء طائفي أو مناطقي لتنال من الجميع على حدٍ سواء، فانسحبت ازمة شح المحروقات الى تعزيز دعوة “فدرالية القرى والبلدات” وربما الأحياء نتيجة هروب هذه السلطة من تحمل مسؤوليتها، لتتمدد الأزمة على المستويات الأمنية والاجتماعية والإنتماء الوطني في الوسط الشعبي، وتهدد العيش المشترك في ما بين الناس، هذا ما سمح للعنصرية أن تعوّمها الغريزة البشرية في أتون الفوضى، فوق بضعة ليترات بنزين، بعدما تحولت محطات الوقود الى مسارح للجريمة والمشاكل، وانكشاف مدى حالة الوعي وأن لا فرق بين مجتمعات تدعي المدنية وبين مجتمعات تتحكم بها القبلية.

 

فبدلاً من أن تكون حادثة بلدتي عنقون ومغدوشة في قضاء الزهراني، درساً لدى احزاب هذه السلطة لردع أي خطاب مناطقي، والإسراع في تشكيل الحكومة ورفع الدعم وتحرير صرف الدولار وزيادة الرواتب، إذ بها كانت حافزاً سيئاً لأن يعتمد البعض تسعير الخطاب الطائفي وتعويم “الفصل والعزل الضيعوي والمناطقي، والعشائري”، ويذهب البعض في المناطق البقاعية للمطالبة بحل مشكلة الازدحام عند محطات الوقود بـ”عزل البلدات” على قاعدة “بنزينات كل ضيعة لسياراتها”، ربما هذا الطرح كان بحسن نية، أو ليس بقدر تجديد طرح “الفيدرالية” عند البعض، الا أن من لديه مصلحة وجدها “دهنة على فطيرة” كونه يرى نفسه “جاهزاً لأي نظام تريدون”، وحتى ان كان بحجة آلية تنظيم عمليات التعبئة بموجب بونات يتم الحصول عليها من البلدية محصورة فقط بأبناء البلدة، والتي تحدد الكمية والوقت، وإذ بهذه الطريقة تفرض واقعاً غير مألوف لدى اللبنانيين حتى إبان الحرب الأهلية، أما عابر السبيل و”المقطوع”، فله مافيا الغالونات ترعاه.

 

فبحسب المعلومات، عمدت إحدى البلديات في البقاع الأوسط لإسلوب تقسيم ادوار المواطنين الذين يريدون تعبئة البنزين بسياراتهم بحسب سجل النفوس. فالذين يبدأ سجلهم من 20 الى 50 يأتون الى المحطة في وقت معين ومن 51 الى ما فوق في وقت آخر. والأهم ابراز الهوية او اخراج القيد للتأكد من رقم السجل. هذه الآلية لم تدم طويلاً لما تسببت من مشاكل وفتحت ابواب جديدة لطريقة الحصول على البنزين من قبل تجار الغالونات، حتى عادت البلدية عن قرارها بعد حملة انتقادات واسعة من أبناء القرى المجاورة.

 

كذلك في البقاع الغربي حيث قامت بلدية احدى القرى بتعميم تشرح فيه كيفية الاستحصال على بون يسمح لصاحب السيارة ابن البلدة تعبئة خزان سيارته بـ200 الف ليرة، وفق التسعيرة الرسمية، محدداً له الوقت، فيقوم السائق بإبراز البون لدى الموظف الذي خصص لتنظيم دور السيارات في المحطة.

 

كما وأعلنت بلدية زحلة – معلقة وتعنايل انها توافقت مع عدد من اصحاب المحطات في المدينة، على “قرارات لم تعلن عنها مرة واحدة”، وقالت انها ستقوم بتطبيقها تدريجياً، على أن تعمم لاحقاً على مختلف المحطات الواقعة في نطاقها وفقاً للامكانيات المتوفرة.

 

وللتخفيف من تطور الإشكالات حتى أمست الفوضى تعم محيط المحطات في مختلف انحاء لبنان، منعت البلدية تعبئة الغالونات منعا باتاً تحت طائلة الغرامة المالية لكل مخالف. كما ومنعت مبيت السيارات بمحيط المحطات، على أن يُسمح لكل سيارة ان تملأ خزانها في كل عبور بـ200 الف ليرة كحد اقصى.

 

من جهته رئيس اتحاد بلديات البقاع الأوسط محمد البسط، أكد لـ”نداء الوطن” أننا “في الوسط الشعبي نسمع دعوات للبلديات لأن تحل ازمة الازدحام أمام المحطات، وللاسف هذه الدعوات وصلت لمستوى خطير من العنصرية الضيعوية، وليس فقط الطائفية، والمناطقية”، وأضاف ان مترتبات حل المشكلة بهذه الآليات كبيرة على البلديات، “لأن مشكلتنا من الازدحام مرحلية وآنية وخطرها ليس بقدر خطر نتائج فيدرالية المحطات على الهوية الوطنية”، وتابع البسط، “ليس باستطاعة البلديات ان تحل هذه الازمة، طالما هناك دعم وقته محدود، سنبقى نشهد احتكار وتهريب المحروقات وعطش السوق اللبناني لها، وقال إن الحل الوحيد عند هذه السلطة، والتي ندعوها كبلديات لأن تسارع الى تشكيل حكومة، والا كل بلدة وكل حي تعيش فوق صفيح من نار ومشاكل وتوترات تبدأ فردية ولا تنتهي الا بالخراب”.

 

بدوره رئيس بلدية مجدل عنجر ومنسق عام “تيار المستقبل” في البقاع الاوسط سعيد ياسين، أكد لـ”نداء الوطن” أن الأصوات الداعية لحصر بيع المحروقات لأبناء القرية او البلدة التي تقع في نطاقها المحطة، من ابشع ما سُمع من طروحات، وقال: “ازمة المحروقات لبنانية، على اللبنانيين والسوريين والفلسطينيين وكل المقيمين في البلدة، نرفض أي تمييز وللمقيمين حق كما الجميع”.

 

أولاً يجب أن نقر ونعترف أن الأزمة هي أزمة تأخر تشكيل الحكومة، وعدم وضع حد للتهريب والاحتكار، واي تمييز له تبعات غير منطقية. وقال ياسين: “نحن بلدة حدودية تعاني من هذه الازمة، أكثر من أي قرية اخرى، اولاً لموقعها الجغرافي والتداخل السوري اللبناني. والثاني، كون عدد السكان يصل الى 50 ألف نسمة، منهم نحو 25 ألف نازح سوري، صحيح ان ذلك يشكل معاناة كبيرة، ولكن لم ولن نصل لنأخذ قراراً بأن نمنع حصول السوري على المحروقات، كما يدعو البعض”. وأوضح ياسين: “سعينا مع بعض الموزعين لان يرفعوا من نسبة الكميات، واتفقنا مع بعض المحطات المقفلة لأن تعود للعمل لتخفيف الازدحام”. ليردف: “لا يمكن ان تأخذنا هذه الازمة الى ازمة العنصرية، وخطر الفيدرالية”، متمنياً ألا تكون ازمة المحروقات باباً مشرعاً أمامها.

 

وختم ياسين: “نحن رفضنا هذا الاسلوب وقوننّا العمل حالياً وباشرت البلدية تنظيم الطوابير وغير ذلك يصبح فذلكة، ولن نكون جسر عبور لأي تقطيع في أواصر وطننا وبلداتنا. نحن ندعو لتمتين الانتماء الوطني من بابه الواسع والابتعاد عن الانتماء الطائفي او المناطقي الضيق”.

 

بدوره صاحب ومدير سلسلة محطات في البقاع سمير صادر شرح لـ” نداء الوطن” أن شركات النفط تستطيع مراقبة المحطات ولديها القدرة على معرفة الكميات المسلمة والكميات المباعة، وأوضح أن المشكلة الحالية هي بالبنزين المدعوم لكل مواطن لبناني، وليس لفئة دون الاخرى، “لا يعقل ان نسأل الشخص الذي يصل الى المحطة عن طائفته ومنطقته، هذا بدلاً من تسهيل أمور الناس يؤدي الى عرقلتها، من هنا اخذنا عهداً ألا ننجر الى بعض التصرفات العاطفية والغرائزية”.

 

وطالب صادر البلديات ان تترفع عن طروحات مناطقية لأنها ليست حلاً ولا يمكن ان تنجح في حل المشكلة.

 

وقال المشكلة بالكميات القليلة التي يتم تسليمها للمحطات، يجب على الدولة ان تراقب كل من هو مسجل قانونياً، والقانوني الذي يبيع وفق السعر الرسمي يسلمونه بضاعة.

 

وأعرب أن الحل عند الشركات، القادرة على مراقبة المحطات والموزعين وتمنى على الاجهزة الامنية القيام بدوريات دائمة، ودعا جميع المحطات المقفلة لأن تفتح أبوابها “لتخفيف العبء عن المحطات المحدودة حالياً”.