Site icon IMLebanon

المؤامرة الثلاثية ولبنان الخاسر الأكبر

 

 

أعلنت القيادة المركزية الاميركية أول امس الاثنين ان نحو 15 صاروخاً اطلق من العراق على قاعدة «رميلان» الاميركية في سوريا، دون وقوع اصابات في صفوف جنودها. وحددت القوات الاميركية مواقع اطلاق الصواريخ باستخدام طائرة مسيّرة. كما طلبت من القوات العراقية التحقيق في الحادثة، وذلك بعد ان حمَّلت القيادة الاميركية السلطات العراقية مسؤولية أمن وحماية الانتشار الاميركي على اراضيها. واللافت في الامر بأن الفصائل العراقية التابعة للحرس الثوري الايراني كانت قد اعترفت في بيان باستهدافها للقاعدة الاميركية مع تأكيد اصابتها «لأهدافها بشكل مباشر».

بالترابط مع هذا الهجوم على القاعدة الاميركية، تؤكد معلومات الحوثيين من اليمن بأنه قد جرى استهداف خطوط الملاحة المدنية في باب المندب وفي جنوبي البحر الاحمر، كما ان احدى المدمرات الاميركية قد استهدفت بواسطة احدى المسيّرات والتي نجحت المدمرة في اسقاطها.

 

بالتزامن مع هذين الهجومين، اعترفت وزارة الدفاع الاميركية بتعرض القواعد الاميركية في العراق وسوريا لأكثر من 76 هجوماً مباشراً نفذتها الميليشيات التابعة لايران منذ بدء عملية «طوفان الاقصى» في 7 تشرين الاول الماضي، كما اعلنت بأنها قد ردت على هذه الهجمات بغارات جوية نفذتها المقاتلات الاميركية من قواعدها المنتشرة في المنطقة.

يؤشر الاعتراف الاميركي المباشر بما تتعرض له القوات الاميركية في العراق وسوريا والبحر الاحمر من هجمات مباشرة من قبل الميليشيات التابعة لإيران الى ان «عامل الردع» الذي سعت اليه واشنطن من اجل حماية قواتها ومصالحها وايضاً حليفتها اسرائيل بعد اندلاع الحرب في غزة، من خلال استحضار معظم اساطيلها، لم يؤت المفاعيل التي توختها، والتي بدأت باعلانها تبرئة ايران من هجوم حماس في محاولة لتخفيف الضغط على حماس في غزة. وهكذا رأينا ان تدهور أمن قواتها في المنطقة قد اجبرها على التخلي عن محاولاتها لتدعيم عامل الردع من خلال نفي وجود اي مساهمة فعلية او حتى مشاركة غير مباشرة لايران في العمليات  العسكرية في المنطقة، وذلك بالرغم من توجيه الحوثيين لبضعة صواريخ باليستية ومسيّرات ايرانية الصنع باتجاه ميناء ايلات الاسرائيلي.

 

يوضح الاعتراف الاميركي الاخير بأنه قد ضاقت بواشنطن الحيل للتغطية على مسؤولية ايران عن الهجوم في غزة، او في توسيع العمليات العسكرية لتشمل طول وعرض المنطقة، وبالتالي الدخول مع الولايات المتحدة وحليفتها اسرائيل في حرب «غير مباشرة» يمكن ان تؤدي في نهاية المطاف الى حرب اقليمية، تصيب عدداً من الدول العربية وفي رأسها لبنان وسوريا والعراق بأضرار استراتيجية، والتي سينتج عليها المزيد من الضعف والتشرذم على المستويين الحكومي والشعبي، وبما يدفعها للخضوع للهيمنة الايرانية الكاملة، والى اخضاع هذه الدول بشكل فعلي وكامل للقرار الايراني.

واللافت في الامر ان الانكفاء الاميركي لمسؤولية ايران المباشرة وكل ما تشهده المنطقة من تطورات عسكرية يتناسب مع سياسات ومصالح السلطات القائمة في بيروت ودمشق وبغداد وصنعاء، والتي تلتزم الصمت تجاه ما يجري من انتهاكات لسيادتها، وما يهدد مصالحها الاستراتيجية والحيوية. ان مجمل ما يصدر عن السلطات القائمة في العواصم الاربع، وخصوصاً من قبل حكومة تصريف الاعمال في بيروت، يساهم في شكل مباشر في التغطية على مسؤولية ايران المباشرة في جهودها لتوسيع الصراع في غزة، وبالتالي الدفع نحو حرب اقليمية واسعة ومدمرة.

 

اذا كانت هجمات اذرعة ايران العسكرية في كل من العراق وسوريا واليمن باتت تهدد بشكل متصاعد الوجود الاميركي في المنطقة فإن العمليات التي ينفذها حزب الله عبر الخط الازرق هي موجهة بشكل اساسي نحو المواقع العسكرية والمستعمرات الاسرائيلية المنتشرة في الشمال. وترى الاوساط الاسرائيلية الاعلامية والعسكرية بأن حزب الله يلتزم بانضباطية كاملة بتطور العمليات الاسرائيلية في قطاع غزة.

ورأت هذه الاوساط بأن حزب الله قد التزم «بكلمته» اثناء الهدنة مع حماس، كما عاود اطلاق عملياته ضد اسرائيل بعد انتهائها. وتسببت سلوكية حزب الله هذه باحباط لدى المجتمع المدني الاسرائيلي في الشمال، حيث جرى توجيه اللائمة للجيش الاسرائيلي على طبيعة عملياته في الشمال والتي تؤشر الى اية محاولة جدية لايجاد حل للازمة الامنية التي يواجهها سكان المناطق الشمالية، حيث يبقى ما يقارب 70 ألفاً من السكان مشتتين، وفق ما اشار اليه رئيس منتدى مستوطنات خط المواجهة موشيه دافيد ونبتش، دون وجود اية اجابات واضحة حول مستقبلهم من قبل حكومة نتنياهو.

مع استئناف الحرب على غزة وتوسيعها الى مدينة خان يونس مع تأكيد جديد للقيادة الاسرائيلية بانها ماضية في الحرب الى حين تحقيق كامل اهدافها، بالقضاء على حماس، فمن المتوقع والظاهر للعيان بأن الاوضاع على الجبهات الاقليمية الاخرى ستتجه نحو مزيد من التصعيد، مع استمرار غياب اي موقف اميركي واضح وجاد لايجاد مخرج دبلوماسي للازمة التي باتت تهدد بحرب اقليمية واسعة سيدفع الشعب الفلسطيني، ودول الجوار اثمانها الباهظة من امنها الوطني واستقرارها في غياب غموض الموقف الاميركي من الحرب الظالمة، التي تخوضها اسرائيل داخل غزة، ومن التوصل الى موقف دبلوماسي واعلامي يدين ايران ويحملها مسؤولية التصعيد العسكري الذي تقوده اذرعتها العسكرية في العراق وسوريا ولبنان واليمن، فإن الامور ستتبع السيناريو الاسوأ والذي سيؤدي الى مزيد من الدمار والقتل، ويؤدي بالتالي الى حالة من عدم الاستقرار الاقليمي، والتي ستصب دون شك في صالح اسرائيل وايران، وبمظلة اميركية عسكرية ودبلوماسية واقية.

سينتج في رأينا عن هذه «المؤامرة الثلاثية» على غزة وعلى دول الجوار تهجير جزء لا يستهان به من سكان غزة باتجاه سيناء، وذلك بالرغم من حالة الرفض والحصار التي تفرضها مصر على حدودها، وسيتحمل الاردن ايضاً جزءًا من اعباء التهجير الفلسطيني الجديد. اما لبنان فسيكون نصيبه عودة العمل الفلسطيني المسلح، والمحتمي بعباءة حزب الله وايران، وبما يفتح الباب من جديد لحالة من الخلل في موازين القوى بين المكونات اللبنانية، ويشكل بالتالي سبباً لنشوء نزاعات داخلية، تذكر بالحرب الاهلية، التي واجهها اللبنانيون لفترة عقد ونصف نتيجة خلافاتهم حول اتفاق القاهرة والعمل العسكري الفلسطيني من لبنان. ويبدو اننا نقف على ابواب تجدد تلك الحالة في لبنان.

في رأينا لا يمكن للحرب الجارية الآن ان تستمر بالضراوة والقدرات النارية الراهنة، ومن المتوقع ان تخف حدة العمليات تدريجياً، وان تأخذ منحى منخفضاً من العنف، ولكن مع غياب كلي للحلول والتسويات اللازمة لإنهاء الصراع الدائر، والذي بات يشمل عدة مسارح عمليات كما سبق واشرنا.

في ظل هذه الحالة العسكرية المنظورة، وفي ظل غياب اي مسعى دبلوماسي لانهاء الصراع وايجاد حل للقضية الفلسطينية، فإنه من المتوقع ان لا تنجح اسرائيل في تدمير حماس، ولكنها ستصاب بخسائر كبيرة، وستتحمل حكومة نتنياهو واحزاب اليمين الاسرائيلي النتائج السياسية المترتبة على الفشل. في ظل هذا الدعم الاميركي السافر غير المحدود لاسرائيل، وهذه المحاباة التي تعتمدها واشنطن للتغطية على حقيقة الدور الايراني فإن لبنان في ظل ازمته وضعف حكومته الراهنة بات مرشحاً ليكون الخاسر الاكبر من هذه الحرب.