Site icon IMLebanon

إسرائيل المعتدية.. المرتبِكة والمرتكِبة

 

 

 

بالعودة بين حين وآخر إلى قراءة نصوص مقالات لكتَّاب ومحللين ورؤساء أحزاب إسرائيليين تنشرها صحف إسرائيل (تترجمها إلى العربية) «مؤسسة الدراسات الفلسطينية»، كما تبث محطات تلفزيونية إسرائيلية ندوات مناقشة الوضع الناشئ عن العدوان البنياميني على غزة شاملاً التدمير والتجويع وقتْل الصحافيين ومراسلي المحطات والصحف العربية والأميركية والبريطانية، إلى جانب قصْف مدارس ومستشفيات ومساجد وكنائس… بالعودة إلى تلك القراءة تتضح لنا حقائق حول إنقسام حاد بين أهل السُلطة الراهنة (حكومة نتنياهو) والطيف الأكثر إصراراً على إخلاء كل عربي، مقاوم أو مستكين لا فرق، من مدن وبلدات في الضفة الغربية وحتى من رام الله مركز «السلطة الوطنية الفلسطينية». نقرأ على سبيل المثال قول إيهود أولمرت في صحيفة «هآرتس» عدد يوم الجمعة 23 أيار 2025 «تخوض حكومة إسرائيل في هذه الأيام حرباً عديمة الجدوى، بلا هدف أو تخطيط واضح ومِن دون أي إحتمال للنجاح. فمنذ تأسيسها لم تبادر إسرائيل قط إلى شن حرب من هذا النوع، وبهذا سجلت زمرة المجرمين التي يتزعمها بنيامين نتنياهو سابقة لا مثيل لها في تاريخ الدولة…»، وقوله أيضاً: «كان يجب أن تنتهي هذه الحرب في أوائل العام 2024 وأن الجيش تصرَّف بتهور في كثير من الأحيان. ما نقوم به في غزة هو حرب إبادة وقتْل مدنيين من دون تمييز وبوحشية وإجرام. نعم إننا في ذلك وفي تجويع غزة ومنْع الدواء ووسائل الحياة الأساسية نرتكب جرائم حرب…». ثم يضيف حول ما يجري في الضفة الغربية من إنتهاكات وإعتداءات: «هناك عدد كبير من الحالات التي يتم فيها إطلاق النار بوحشية على المدنيين وتدمير للأملاك والمنازل وسرقة من داخل البيوت…».

وينتهي إلى القول: «لقد حان الوقت للتوقف قبْل أن تنبذنا عائلة الأمم المتحدة وتوجِّه إلينا دعوات للمثول أمام المحكمة الجنائية الدولية بتهمة إرتكاب جرائم حرب حيث لن تنفعنا حينها أي وسيلة دفاع…».

وفي تحليل كتبه إيال زيسر (الثلاثاء 23 نيسان 2025) جاء الآتي:

«خلال العقديْن الأخيريْن، وتحديداً منذ حرب لبنان الثانية صيف 2006 تحوَّل لبنان، وتحديداً بعد سيطرة «حزب االله» على البلد إلى التهديد، وحتى إلى تهديد وجودي لإسرائيل، وذلك بسبب القوة العسكرية التي بناها الحزب طوال سنوات، بينها نحو 180 ألف صاروخ، منها عدة آلاف من الصواريخ الدقيقة والبعيدة المدى، التي يمكنها تغطية كل الأراضي الإسرائيلية (أي أراضي فلسطين المحتلة منذ العام 1948). بالإضافة إلى ذلك يملك «حزب االله» قوة عسكرية تضم عشرات الألوف من المقاتلين بينها وحدات النخبة مثْل «وحدة الرضوان» وهدفهم إقتحام إسرائيل وإحتلال الجليل، ربما أكثر من الجليل…». وينتهي إلى القول: «حزب الله سيحاول رفْع رأسه في أقرب فرصة ويجب أن نكون مستعدين لذلك. لا أحد في لبنان يريد الدخول في مواجهة مع «حزب االله» وأن يفرض عليه التخلي عن سلاحه بالقوة. ومن الصعب معرفة إلى متى سيواصل الأميركيون ضغطهم على لبنان الذي لن يكون آخر دولة تعقد السلام معنا، لكنه لن يكون الدولة الأُولى لأنه لا يزال دولة ضعيفة وليس لديه القوة التي يمكن أن تدفع إلى مثْل هذه الخطوة إزاء إسرائيل. وهو سيضطر إلى إنتظار دولة عربية أُخرى…».

وحول خطة ننتنياهو لإحتلال غزة يكتب يواف ليمور (الأحد 10 آب 2025) تحليلاً جاء فيه الآتي:»تحفظات قادة المنظومة الأمنية تقلق نتنياهو أقل من إنتقادات وزراء اليمين. وعندما إشتبك نتنياهو في جلسة «الكابينت» مع رئيس هيئة الأركان زامير فلأن زامير قال:» إن خطة نتنياهو يمكن أن تكون فخاً مميتاً ليس للأسرى فقط ولعدد كبير من الجنود ولآلاف الفلسطينيين، بل أيضاً يمكن أن يكون مميتاً لدولة إسرائيل. ونتنياهو كعادته مقتنع بأنه سيعرف كيف يخرج من الورطة هذه المرة أيضاً. لكنه ربما يكتشف أنه ليس هاري هوديني (يقوم في السيرك بأعمال بهلوانية) وأن إسرائيل ليست ساحة «سيرك» حتى وإن كانت تتصرف أحيانا كأنها كذلك. لقد أشار كبار المسؤولين في المنظومة الأمنية إلى الخبرة التاريخية المتراكمة للأميركيين في فيتنام وأفغانستان والعراق وللروس في أفغانستان وأوكرانيا، وحتى الجيش الإسرائيلي في جنوب لبنان، ولم تنجح أي دولة في القيام بما يدَّعي الكابينت (المجلس الوزاري المصغَّر) أنه سينفِّذه الآن وخصوصاً أن وراءنا عاميْن من الحرب التي أنهكت الجيش، بينما الشعب منقسم والشرعية الدولية في أدنى مستوياتها على الإطلاق…». ويخلُص إلى القول: «على الرغم من أن إسرائيل تبدو وكأنها وضعت نفسها في موقف «الكل أو لا شيء» وإذا لم يتراجع نتنياهو ويستمع إلى مَن يسعون لمصلحة إسرائيل في الداخل والخارج، فيمكن أن يقود إسرائيل في النهاية إلى أن تبقى بلا شيء…».

وفي «هآرتس» (عدد الإثنين 23 حزيران 2025) تحليل ﻟ يوسي ميلمان حول المواجهة الصاروخية التي حدثت مع إيران جاء فيه الآتي: «أكثر من خمسمئة صاروخ بالستي ثقيل أطلقتْها إيران منذ بدء الحرب قبْل عنشرة أيام، نحو عشرين منها أصابت أهدافاً مباشرة أو تسببت بأضرار غير مباشرة جرَّاء إعتراضها، وأحدثت أضراراً جسيمة وغير مسبوقة في أنحاء البلاد. وحتى الآن تم تسجيل 25 قتيلاً وأكثر من ألفيْ جريح ونحو عشرة آلاف نازح وآلاف الشقق والمباني المتضررة، كثير منها دُمِّر بالكامل. يبدو أن نتنياهو إكتفى بالحصول على الضوء الأخضر من ترمب لبدء العملية (الجوية الصاروخية) ضد إيران ونسَّق معه في خدعة كبيرة…». يضيف التحليل حول الخسائر التي أحدثها القصف الصاروخي الإيراني لمناطق في إسرائيل:«على الرغم من الإنجازات العسكرية المذهلة التي حققتْها إسرائيل فإنها تتعرض في الوقت عينه لضربات قاسية، فقد أُغلقت مصافي النفط والصواريخ تتوجه إلى مقر وزارة الدفاع. وقد أُغلق المجال الجوي وتوقَّف مطار بن غوريون عن العمل لمدة أسبوع وتكاليف الحرب ترتفع بصورة خيالية والإقتصاد يتعثر وملايين الإسرائيليين يلازمون الملاجىء والغُرف المحصَّنة والأعصاب متوترة والقلق يتصاعد والليالي تحولت إلى كوابيس. يجب على إسرائيل ألا تنجرَّ إلى حرب إستنزاف طويلة مع إيران التي سبق لها أن خاضت حرب إستنزاف مع العراق قُتل فيها مئات الألوف من الإيرانيين…».

وينتهي التحليل إلى القول:«بعد عشرين شهراً من الحرب في قطاع غزة التي بدأت تُنسى وتغرق في الظلال، لم يعد هناك مَن يتأمل في أكاذيب نتنياهو ووزرائه والمراوغات والإنفصال عن الواقع والغرور…».

ويخلص تحليل ﻠ آفي اشكينازي في صحيفة «معاريف» عدد الإثنين 28 نيسان 2025 إلى الآتي: «لقد خاضت إسرائيل قتالاً ضارياً ودقيقاً في لبنان وركزت هجماتها الشديدة ضد «حزب االله» من دون تدفيع سائر سكان البلد الثمن، لكن الوضع مختلف في غزة. صحيح أن إسرائيل قضت على أحياء وشوارع وحتى رفح وأجزاء أُخرى من مُدن القطاع، بحيث يمكن أن تستغرق عملية إعادة بناء غزة عقداً أو عقديْن من الزمن إذا أمكن أصلاً، لكن إسرائيل لم تنجح في ترسيخ حقيقة أنها حسمت المعركة وإنتصرت على «حماس» وسائر التنظيمات «الإرهابية» في غزة…».

ونختم هذه الإضاءة على ما حدث يوم السابع من تشرين الأول 2023 وكيف أنه لولا واقعة الأسر التي نفَّذها مقاومون شجعان ما كان العالم بجناحيْه الدولي والعربي والمسلم سيرى على مدى سنتين كيف أن الصراع العربي – الإسرائيلي أخذ مساراً أكثر جدية من قبْل. وعلى رغم أن عملية الأسْر يوم السابع من تشرين الأول 2023 دفعت بحكومة نتنياهو وشريكاه الأشد يمينية وكراهية للعرب وللشعب الفلسطيني وللمقدسات الإسلامية والمسيحية على أرض فلسطين، إلى إرتكاب العدوان على الغزاويين قصفاً وتدميراً وتجويعاً وتهجيراً، وكما لا يشابه عدوانية حدثت في بعض دول العالم. لقد دفعت غزة البشر والحجر الثمن لكن «حماس» أحدثت تشققات في المجتمع الإسرائيلي فضلاً عن خسائر. وهذه التشققات عكستْها مضامين بعض الكتابات التي أوجزناها في سطور سابقة والتي نختمها بكلام لرئيس الحكومة السابق إيهود باراك عبْر قناة N12  الذي قال: «لا يمكن ترهيب «حماس» بقتل مزيد من الأبرياء في غزة.. نتنياهو يهرب من وصمة العار التي إلتصقت به في 7 أكتوبر. إن نتنياهو يواصل تعميق الدمار الذي أصاب التضامن من الداخل في المجتمع الإسرائيلي نتيجة جنونه. إن الضرر الذي لحق بمكانة إسرائيل في العالم سيستغرق إصلاحه جيلاً أو جيليْن…».

أعان الله أهل غزة ورحمة الله على 245 صحافياً أدوا الواجب الوطني كما تأدية «أبو عبيدة» الذي كان رمزاً لمسيرة سنتيْن من الجهاد بدت فيها مشاعر الرأي العام في كل قطر عربي وإسلامي أكثر تعاطفاً وحدباً من الأنظمة.