Site icon IMLebanon

«الأقوى مسيحياً» يُعطِّل المركز المسيحي الأول !

الخلل الحاصل في المعادلة الوطنية يزيد الأزمات الداخلية تعقيداً، ولا سيّما أزمة الشغور الرئاسي، وتداعياتها السلبية على الشلل الحالي في السلطات الدستورية، وخاصة على مستوى حكومة تصريف الأعمال، العاجزة أصلاً عن التقدم خطوة واحدة إلى الأمام.

ad
والمشكلة الأساس تكمن في أن مواقع الخلل تتوسع يوماً بعد يوم، وتنتقل عدواها من طرف إلى آخر، والمعالجات قاصرة عن إيجاد الحلول المناسبة قبل تفاقم المضاعفات، والوصول إلى نقطة اللارجعة.
لم يعد سلاح حزب الله والشعور بفائض القوة، السبب الوحيد لحصول هذا الخلل في الداخل. فقد دخل حليف الحزب جبران باسيل والتيار العوني برمته على خط التلاعب بالمعادلات الوطنية، وأصبح يتصرّف في القضايا والملفات ذات البعد الوطني، بأسلوب يُجسّد التسلط، والعودة إلى لغة الفيتوات، ولو أدى ذلك إلى تعطيل الدولة ومؤسساتها الدستورية والوزارية، وتسبب بمزيد من الإنهيارات في مختلف القطاعات.
في السنوات التي أعقبت عودة العماد ميشال عون من فرنسا بدأت ظاهرة التعطيل تكبر، وضررها يصبح أكثر فداحة، بعدما تحوّلت شروط مشاركة التيار العوني في الحكومات المتعاقبة تخضع لشروط ومساومات حول ضرورة إشتراك «المرشح الفاشل» في الإنتخابات جبران باسيل، وإلا «عمرو ما يكون في حكومة». فتكون النتيجة تعطيل ولادة الحكومة العتيدة بضعة أشهر، ريثما تحل عقدة «الصهر» الواجب إدخاله إلى الوزارة، للتعويض عن خسارته في الإنتخابات النيابية.
وظاهرة التعطيل مع التيار العوني تكررت قبل وصول «الجنرال» إلى بعبدا، بسبب الإصرار على الإحتفاظ بوزارة الكهرباء مع وزراء التيار، وبعد الوصول إلى بعبدا عبر التفرد بحصة الأسد من الوزراء المسيحيين بحجة أن كتلة التيار هي الأكثر عدداً بين الكتل النيابية المسيحية الأخرى. فكانت النتيجة قضاء نصف ولاية العهدين الأخيرين تقريباً بلا حكومة، وإدارة السلطة التنفيذية بحكومات تصريف أعمال، لا حول لها ولا فعالية.

وكان تعطيل الإنتخابات الرئاسية سنتين ونصف، بين أيار ٢٠١٤ وتشرين الأول ٢٠١٦، لتأمين وصول العماد عون إلى رئاسة الجمهورية، هو الأكبر في تاريخ الجمهورية، والذي شكل المدماك الأساس في نعش المالية العامة، حيث كلفت الهندسات المالية لمصرف لبنان حوالي ١٢ مليار دولار، لإضطراره تأمين نفقات الدولة ورواتب الموظفين والسلع المدعومة من كهرباء ومحروقات وغيرها، طوال فترة الشغور الرئاسي.
اليوم يكاد المشهد نفسه يتكرر في مواقف التيار التي تُعطل الإنتخابات الرئاسية، بسبب  إصرار باسيل على تطيير نصاب الجلسات النيابية بعد الإقتراع المسرحي الهزلي، كما يصفه البطريرك الراعي، في الجولة الأولى، لأنه يعارض المرشحين المطروحين في صندوقة الإقتراع، ويسعى لرفع العقوبات عنه، لعل ذلك يساعده في خوض السباق الرئاسي، معتمداً على تحالفه مع الحزب، كما حصل مع عمّه عام ٢٠١٦.
في باريس التي وصلها بعد زيارة خاطفة للدوحة، لم يسمع باسيل الكلام الذي كان ينتظره بالنسبة لرفع العقوبات الأميركية عنه، أو بالنسبة لتشجيعه خوض غمار الإستحقاق الرئاسي، فكانت النتيجة إبراز ورقة الوزير السابق زياد بارود كمرشح من التيار العوني بمواجهة سليمان فرنجية المدعوم من الثنائي الشيعي، وميشال معوض مرشح المعارضة السيادية.
المفارقة أن قوة باسيل في التعطيل ليست وليدة قدراته الشخصية والحزبية، أو الإدعاء بحجم تمثيله المسيحي، لأن نواب خصومه المسيحيين أكثر عدداً، ولكنه يعتمد على أصوات الثنائي الشيعي لتطيير نصاب الجلسات الإنتخابية المتتالية لمجلس النواب.
استمرار مواقف التعطيل من التيار العوني وحلفائه يعني أن فترة الشغور الرئاسي ستطول وتطول وتطول، بانتظار وصول الوحي من الخارج، وإنجاز التسويات الدولية والإقليمية المطروحة على طاولات المفاوضات، السرية منها والعلنية، والتوافق الخارجي على اسم رئيس الجمهورية العتيد، وهذا يعني أن الطرف السياسي، الذي يعتبر نفسه الأقوى مسيحياً، هو السبب الأول والأخير في إطالة فترة الشغور في المركز المسيحي الأول في الدولة العلية.