Site icon IMLebanon

الجنرال المفكّر: كيف أدار زامير الحرب من المقال إلى الميدان؟

في إسرائيل، لا يرتقي الجنرال إلى رأس المؤسسة العسكرية فقط لأنه بارع في العمليات، بل لأن لديه رؤية يكتبها على الورق ويقود من خلالها المعارك. الجنرال أيال زامير هو صاحب واحدة من أخطر العقائد العسكرية في تاريخ الجيش الإسرائيلي: الحرب لا تُخاض ضد من يحمل السلاح فقط، بل ضد من يوفّر له الفكرة والغطاء والشرعية.
في عام 2007، كتب زامير مقالاً صريحاً في مجلة «معراخوت» العسكرية، عرض فيه ما سمّاه «سلسلة الغذاء الإرهابية». وفقاً له، فكلّ من يدعم بيئة المقاومة، ولو بالكلمة أو بالموقف أو بالفكر، هو هدف مشروع: رجال الدين، الإعلاميون، المثقفون، وحتى المدنيون الذين لا يشاركون في القتال مباشرة. هؤلاء، بحسب زامير، أطراف فاعلة في منظومة العدو، ولا بد من ردعهم ولو بالعقاب الجماعي.

ومن هذا المبدأ، لم يعد الشعب في نظره مجرد ضحية للأنظمة، بل «شريك في الجريمة»، ويجب التعامل معه على هذا الأساس: بالحصار، بتدمير البنية التحتية، بقطع الكهرباء والماء، وبحرمانه من مقومات الحياة، حتى ينهار الدعم الداخلي للمقاومة.
وهذه ليست نظريات على ورق فقط، بل واقع يُطبّق اليوم على الأرض. في غزة، تُستهدف المدارس والمستشفيات إلى جانب المواقع العسكرية. في لبنان، يُقصف كل ما يصنَّف ضمن «بيئة حزب الله»: منازل، شوارع، مكاتب إعلام. أما في إيران، فالوضع أخطر… هناك تُخاض الحرب من تحت الأرض، ووراء الستار.
في هذا السياق، ظهرت معلومة مسرّبة تداولتها مصادر استخباراتية غربية: إسرائيل أبلغت إدارة ترامب سابقاً أنها قد تضطر للجوء إلى «عملية تسلّل بشرية سرّية» تُعرف بخيار «الكوماندوس»، لاختراق منشأة فوردو النووية الإيرانية المحصّنة بعمق الأرض. السبب؟ أن القنابل التقليدية لم تعد كافية لاختراق المنشأة المدفونة.
ووفقاً لمصادر أمنية، هناك ثلاثة سيناريوهات لنجاح العملية: إنزال جوي ليلي دقيق، تسلّل عبر عناصر بشرية مدرّبة، أو تفجير من داخل المنشأة بواسطة عملاء مزروعين. هذه ليست مجرد أفكار، بل خطط موضوعة على الطاولة منذ سنوات، وقد أصبحت واقعية حين رأت تل أبيب التهديد النووي الإيراني بات وشيكاً.
وليس بعيداً عن إيران، تعمل إسرائيل على استهداف وكلاء طهران في المنطقة. في سوريا، تم قصف مستودعات أسلحة قرب تدمر. في العراق، استُهدف موكب تابع لفصيل موالٍ لإيران. في اليمن، تم اعتراض طائرات مسيّرة في طريقها للحوثيين. وفي لبنان، وقعت عملية أمنية شديدة التعقيد، عُرفت باسم «البيجر»، كشفت شبكة تجسس مزروعة داخل البيئة الأمنية لحزب الله، كانت تسرّب معلومات حسّاسة منذ سنوات.
زامير لا يخوض هذه الحرب فقط بالسلاح، بل بالعقل، بالنفس الطويل، وبالهجمات غير المعلنة. ما تُسمّيه إسرائيل «الحرب بين الحروب» هو ترجمة دقيقة لرؤيته: عمليات صامتة، تُراكم الأثر، وتفكك الخصم من الداخل.
بل إن أخطر ما في هذه العقيدة هو أنها تستهدف الوعي. تُنشر فيديوهات موجّهة بالفارسية، تُهاجم النظام الإيراني من داخله، وتقدّم بدائل فكرية ودينية لشباب يبحث عن مخرج. تُموّل حملات رقمية تُظهِر الحرس الثوري كمنظومة فاسدة، وتبث الشك في رواية «الثورة». ومع الوقت، يتحوّل هذا الشك إلى شرخ.
اليوم، لم تعد الحرب عند زامير مجرد معركة عسكرية، بل عملية تفكيك شامل: ميداني، نفسي، معلوماتي، واقتصادي. وما بدأه كمقال في مجلة عسكرية، أصبح الآن خارطة طريق لحرب تُخاض بكل الوسائل، وعلى كل الجبهات.