Site icon IMLebanon

مرحبا كرامة

 

وأخيرا إستوت الصفقة، وأعلن وزير الإعلام جورج قرداحي إستقالته ليطوي صفحة “المعالي”، ويراقب غيره يتلو مقررات مجلس الوزراء، إذا ما عاد إلى الإنعقاد، وربما ليشمت في داخله، إذا بقيت الأمور تراوح مكانها.

 

ومكرهٌ القرداحي لا بطل، وصل في النهاية إلى مرحلة الخروج من الصورة خالي الوفاض في لعبة لم يكن له فيها أي دور فعلي. إذ يتبين أن الإصرار على البقاء في منصبه أو مغادرته لم يكن قراره. هو تبلغ فقط ما يجب أن يحصل.

 

لعله في فراغ وقته المرتقب بعد تلاوة فعل الإستقالة، سيتحرى عن المحرِّك لشريط المقابلة بغية تداولها، وعن المحرِّض الذي إستغل التداول ليصطاد في المياه العكرة بين لبنان والمملكة السعودية ويفتح عليه باب الجحيم الذي حرمه نعمة الكرسي الحكومي.

 

وهو كغيره، ممن جاؤوا ورحلوا ليس لحيثية تتعلق بشخصهم، ولكن لتأدية دورهم ومن ثم تشميع الخيط عندما تتطلب الأجندة، التي إستحضرتهم من العدم، ذلك. لا ننسى أن كثيرين كان قد تم إستخدامهم، نهلوا، مرغمين، من هذه الكأس المرة. بعضهم حظي بجوائز ترضية، والبعض الآخر كان مصيره أشبه بمصير المحارم الورقية بعد الإستخدام مرة واحدة، ليصير نسياً منسياً.

 

ومن باب التفاؤل وبث الروح الإيجابية، لعل القرداحي يحلم بأن الإستقالة لن تكون خاتمة الأفراح، ذلك أن الانتخابات النيابية على الأبواب، بالتالي فإن إستبدال صفة “المعالي” بـ”صاحب السعادة” أضمن. إستمراريتها مضمونة لأربع سنوات. ومن ثم فإن مفاعيلها تبقى مدى الحياة مع الراتب التقاعدي، وحصانتها أقوى..

 

المهم حفظ ماء الوجه من خلال إخراج مشهد الإستقالة التي يجب أن تغلِّب المصلحة الوطنية العليا، من جهة، والتي يجب أن تعكس تعفف صاحبها وزهده في منصب بالكاد تذوق حلاوته بعد طول إنتظار، وبعد أمل غابر بنيابة في مرحلة سابقة، لم تؤت ثمارها، ما إضطره إلى تغيير المشغِّل وصولاً إلى “تيار المردة” الذي يمون عليه مشغِّله الأكبر.

 

كل شيء جائز، وبعد أن صرح الأمين العام لـ”حزب الله” بأنه يرفض إستقالة القرداحي، داعياً اللبنانيين إلى الصبر والحفاظ على السيادة الوطنية والهدوء، وبعدما إعتبر أن هذه الإستقالة أو الإقالة تعني أن الدولة اللبنانية أصبحت بلا سيادة ولا كرامة، وبعد تباري نواب الحزب ومسؤوليه في رسم الخطوط الحمر المرتبطة بالكرامة لمنع مثل هذا التنازل المشين والمذل.. ها هو نائب الأمين العام الشيخ نعيم قاسم يعلن “ان هذه الاستقالة مرتبطة بما يقدّره قرداحي والمعطيات التي قد تحصل”.

 

وهنا بيت القصيد. السر كله في “المعطيات التي قد تحصل”. ولا لزوم ليسأل القرداحي عن هذه المعطيات في مرحلة ما بعد الإستقالة وعن الضمانات والكرامة و”هيهات منا الذلة”… ليس شغله بعد اليوم بقاء الحكومة “ماشية” ومجلس الوزراء معطلاً، اللهم إذا كانت صفقة الإستقالة قد تضمنت بنداً سرياً داخلياً يقايضها بتفاعلات قضية المحقق العدلي في جريمة تفجير المرفأ القاضي طارق البيطار، وليس بتعزيز الورقة اللبنانية ضمن أوراق الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى السعودية.

 

المسألة ليست لدى القرداحي.. المسألة تكمن في هذه “المعطيات التي قد تحصل” وتمسح كل تجييش وتحريض بشأن كل الكلام من وزن “لا نقبل أن يذلنا أحد”.. أو الدعوة إلى “شد الأحزمة وعدم الخضوع للابتزاز”.. ومرحبا كرامة..