يدفع لبنان في جرود عرسال ثمن التغاضي العربي والخليجي تحديداً عن القيام بأي تحرّك طوال خمسة أعوام لحماية الشعب السوري، على الأقل في السنوات الثلاث الأولى من الثورة السورية، حتى أصبح المشهد في لبنان على ما هو عليه اليوم، وتدفع دول الخليج منذ أسابيع ثمن تغاضيها عن دعم قطر للإرهاب الإيراني ولإرهاب الإخوان المسلمين حتى غدت تهديداً جاثماً على قلوبهم، وتدفع دول الخليج والمملكة العربيّة السعوديّة ثمن التغاضي عن التغلغل الإيراني في اليمن منذ التسعينات، حتى أصبحت إيران على حدودها، كأنّ العرب مبتلون بداء التغاضي عن كلّ خطر يتهدّد الآخرين فلا ينتبهون إلا بعد فوات الأوان!!
لم يكن الخطر الإيراني ليستفحل إلى هذا الحدّ في المنطقة لو لم تتغاضى دول الخليج عن الخميني ومخططاته خوف من تمرّدات المواطنين الشيعة في بلادهم والذين كانوا طلائع المؤيدين والدّاعمين لنظام الخميني والمتعاونين معه ضد أوطانهم، في مقدمة كتابه «ثورة الخميني… الثورة البائسة» [طبعة 2007]، يقول الدكتور موسى الموسوي: «لأول مرة يحدث مثل هذا الانحدار الخطير في تاريخ الإسلام، حيث تقوم شرذمة باسم الدين لتملأ العالم فساداً ونكراً وشراً لم يحدث له نظير من قبل ولا من بعد. وإنّ أخطر ما يكمن في هذا الفساد والشرّ هو أنّ هذه العصابة حاولت بكل ما أوتيت من قوة وسلطان أن تقلب الموازين الثابتة للأخلاق وتغير الحدود الرصينة بين الخير والشرّ وبين المدنية والهمجية، ولتقضي على كل ما سجلته العصور السالفة من الصور الرائعة للفداء والتضحية في سبيل الحرية وكرامة الإنسان، ولتشوه كل ما أعطته الشرائع السماوية للبشرية من خير وسعادة ولتمحو كل ما أملته المثل الأخلاقية في سجل الأخلاق، ولتضرب بعرض الحائط كل ما أملته العقول النيرة من دليل وبرهان».
تعيش المذهبيّة الشيعيّة أيامٍ ظلاميّة كالحة السواد على مستوى تعطيل العقول وإدخالها في غيبوبة وغيبيّة «جيش المهدي»، لا فرق في ظلاميّة الفكر الداعشي والقاعدي والوهّابي وظلاميّة «المهدويّة» التي تعيث فساداً وإفساداً في الأرض بحجة التمهيد لظهور المهدي، وفي خطاب له في 11 شباط 1980 أعلن الخميني «إنّنا نصدّر ثورتنا للعالم كلّه، فثورتنا إسلاميّة، وما لم يدوِّ شعار لا إله إلاّ الله محمد رسول الله في كل أرجاء العالم، سنواصل الكفاح، وما دام الكفاح متواصلاً في أي منطقة من العالم ضد المستكبرين، فنحن موجودون.حينما نقول إن ثورتنا يجب أن تصدّر إلى كل أنحاء العالم.لا يفهم من ذلك على نحو خاطئ إنّنا نريد فتح البلدان.إنّنا نعتبر كل بلدان المسلمين منّا»…
لبنان رهينة ظلاميتيْن من جهة التنظيمات الإرهابيّة التي استوطنت جروده البقاعيّة ومن جهة إرهاب حزب الله الذي استوطن لبنان بأكمله ولن نعرف حجم قدرات هذا الحزب إلا متى أصبحنا في جحيم اندلاع النيران في بلادنا وثيابنا، وحدها دول العالم متحدّة تستطيع مواجهة هذا الحزب بعدما أصبحت ميليشياته أكبر من المنطقة، ولكن تلك المواجهة ستكلّفنا دمار لبنان بأكمله!!
وفي كتابه «ثورة الخميني…الثورة البائسة» يقول الدكتور الموسوي: «لقد وجهت إلى الخميني عبر خطاب اذاعي هذا السؤال :ماهي العبقريّات التي تريد تصديرها إلى العالم؟ الفوضى والدّمار الشّامل في كلّ شؤون البلاد. إعدام الفتيات المراهقات والشباب الذين لم يبلغوا سنّ الحلم. إعدام الشيوخ الذين تجاوزوا الثمانين أو بلغوا التسعين. إعدام النساء الحوامل. الحرب الأهلية. الحرب مع الجيران وقتل الاخوة المسلمين.قتل الشعب من أبناء القوميات المختلفة بالالاف. الانهيار الاقتصادي في كل مرافق الحياة. المحاكم الثورية التي تحكم بإعدام 100 شخص في 100 دقيقة. خمسة أنواع سجون وخمسة أنواع محاكم وخمسة أنواع قوى تنفيذية. ثلاثون ألف سجين سياسي. أربعة ملايين عاطل عن العمل. ثلاثة ملايين من منكوبي الحرب. التضخم بمعدل 400 في المائة في خلال سنتين. إغلاق الجامعات لمدة غير معلومة. إنهيار عملة البلاد إلى 500 في المائة من سعرها الرسمي… لا أعتقد أنّه توجد مقبرة من المقابر الدّرِاسة في العالم تقبل بتصدير ثورتك إليها فإنها تكدّر حتى صفوَ الأموات، فكيف بالأحياء»!!
كلّ الكلام في العالم العربي لم يعد يجدي نفعاً، نحن ندفع ثمن التغاضي الخليجي المترف الذي ظن طوال ثلاثة عقود من الزمن أنّ النار الناشبة في لبنان ستبقى تتقد فيه فقط، لم يظن للحظة أن هذه النيران التي تنفخ فيها إيران منذ العام 1982 ستنتقل لتنشب في بلاد الخليج التي ألهاها الترف عن مواجهة خطر إيران من أرضها ومن على حدودها، واعتقدت أن الأفعى الإيرانية ستبتلع لبنان فقط، ولكنّها أخطأت مرتين في التغاضي وفي التقدير!