أخذت منظمة حماس الفلسطينية دوراً مهماً في مسار الاحداث التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط في الأسابيع الماضية. فقد قامت بدور خطير وربّما الدور الوحيد، في إطلاق الصواريخ على اسرائيل، سواءً من قطاع غزة ام من الاراضي اللبنانية، الأمر الذي نتج عنه استنفار اسرائيلي عسكري وسياسي وذلك لمواجهة مرحلة جديدة من مراحل الصراع العربي الاسرائيلي. والملفت في هذا الصراع أنّه يأتي غداة التوصّل بين ايران والسعودية وبمسعى من الصين، الى وثيقة تفاهم بين الجانبين، يجري العمل حالياً على تظهيرها لإرساء أسس للتعاون.
فما هو دور حماس في ما يحدث الآن، ليس فقط على صعيد المسألة الفلسطينية. بل على صعيد المنطقة ككلّ؟ وما هي المخاطر الكبرى التي يمكن أن تنتج عنه وكلّ هذا اللعب على حدود الخطر الدائم؟
أولًا: مأزق الانتماء.
1 – تشكّل منظمة حماس فصيلاً من فصائل الشعب الفلسطيني. وهو شعب مؤلف في غالبيته الساحقة من اثنية عربية ومن مذهب سنّي. مع وجود بعض أقلّيات مسيحية محدودة. والملفت عدم وجود أقلّية شيعية شأن بقية بلدان المشرق العربي. وهو ما يشكّل صعوبة امام ايران للتدخّل في تركيبة وسياسة دول الشرق بالاستناد الى الوجود الشيعي فيها. وبما أنّ الاستراتيجية الايرانية تهدف الى استغلال القضية الفلسطينية، فمن المنطقي أن يكون لديها جماعة داخل الشعب الفلسطيني تعتمد عليها وتساعدها على تحقيق أهدافها. من هنا ضرورة تبنّي جهة فلسطينية غير شيعية، وهو ما حصل مع حماس.
2 – إنّ اختيار حماس كجماعة برو- ايرانية داخل المنظّمات الفلسطينية يعود الى أربعة أسباب:
أولها: أنّها منظّمة تتمتّع بتمثيل شعبي فلسطيني لا بأس به.
ثانيها: أنّها تمثّل المعارضة الفلسطينية في وجه فتح، وبالتالي هي في وضع يسمح لها بالمواجهة وبتبنّي موقف مختلف عن القيادة.
ثالثها: أنّها تعتمد سياسة المنفعة لا سياسة المبدأ.
رابعها: أنّها بحاجة لقوى تساعدها وتدعمها سياسياً وعسكرياً بالسلاح ومادياً بالتمويل… وهو ما فعلته ايران وقبلت به حماس.
في ازاء كلّ ذلك تمظهر مأزق الانتماء لدى حماس وهو الخروج من قاعدة الانتماء العربي السنّي الى قاعدة مستورة عنوانها الانتماء السياسي الى المعسكر الايراني. ذلك أنّ ما تريده ايران كأقلية داخل العالم الاسلامي، تريده حماس كأقلّية داخل الكيان الفلسطيني وهو: اعتماد الصوت العالي والطروحات المتطرّفة والمواقف الراديكالية بعيداً عن أي تفاهم ممكن مع القوى الداخلية والقوى الخارجية على حدّ سواء. ومثل هذه المواقف العالية النبرة والمطالب تجعلها أقرب الى مشاعر الاكثرية الفلسطينية- العربية- الاسلامية التي تتأثر بالطروحات ذات البعد الديني ولا سيما الرموز الدينية وفي مقدمها المسجد الاقصى.
ثانيًا: مخاطر المواجهة على الخط الاحمر.
1- في الوقت الذي تشهد فيه منطقة الشرق الأوسط أجواء تسوية بين دولها: السعودية وايران، تركيا ومصر، سوريا والسعودية، سوريا وتركيا، تشهد الساحة اللبنانية مزيداً من الاضطراب والقلق بنتيجة أعمال العنف، ومن مظاهرها اطلاق صواريخ غراد وكاتيوشيا من قلقيليا في الجنوب على شمال اسرائيل واستنفار اسرائيل لقواتها، وما يمدّ هذه الحادثة من تهديدات اسرائيلية للبنان.
فالرئيس الاسرائيلي بنيامين نتنياهو حذّر «حزب الله» من جعل لبنان ساحة للصواريخ المصوبة ضدّ اسرائيل على يد منظّمة حماس، ووزير الدفاع الاسرائيلي السابق بيغي غانتس رأى «أنّ اعداء اسرائيل يهدّدونها من الخارج ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو يقوّض النظام الأمني من الداخل».
2- بالاضافة الى أعمال العنف داخل المستوطنات في الضفّة الغربية، شهدت الساعات الأخيرة اطلاق قذائف صاروخية من قطاع غزة على اسرائيل، ومن الجانب السوري في الجولان باتجاه الدولة العبرية فتقابلها جميعاً غارات اسرائيلية على مختلف الجبهات. وهكذا وجدت اسرائيل نفسها تواجه ضربات متعدّدة الجبهات تشارك فيها ايران و»حزب الله» وحركة حماس. وطبقاً لما ذكرته صحيفة «هاآرتس» الاسرائيلية، فإنّ ما يحصل الآن هو صورة عن الاستراتيجية التي يعتمدها «حزب الله» ومنظمة حماس والهادفة الى انهاك اسرائيل من خلال عمليات الاستنزاف.
3- بالمقابل، تمرّ اسرائيل بمرحلة دقيقة حيث يسعى المتطرّفون اليهود اليمينيون للسيطرة على السلطة ويبرز الصراع في أقصى تجلّياته بين رئيس الوزراء ووزير الدفاع الذي أقاله من منصبه ثم عاد فجمّد قرار الإقالة. مع تسجيل سوابق سياسية لعلّ أبرزها قيام وزراء بقيادة التظاهرات في شوارع الضفّة، وفي كلّ ذلك يبرز الشرخ داخل المجتمع الاسرائيلي بما يؤدّي الى مغامرات عسكرية غير محسوبة العواقب أو الى قرارات سياسية غير متّزنة. وفي الحالتين تكون اسرائيل على وشك القيام بأعمال عسكرية مؤذية على الخطّ الأحمر للصراع العربي ـ الاسرائيلي، وربما تجنّباً للوصول الى مثل هذه الفوضى السياسية العسكرية قرّرت الولايات المتحدة إرسال إحدى أهمّ حاملاتها العسكرية النووية الى منطقة الشرق الأوسط حفاظاً على اسرائيل وردعاً لإيران.
في الخلاصة، إنَّ ما يحصل الآن في منطقة الشرق الأوسط على مختلف الصعد، وبين مختلف القوى المتصارعة: العربية واليهودية والفارسية يمكن اختصاره بعنوان واحد وهو: الحروب المصيرية، إذ إنّها تطرح في الوقت عينه مصير حماس، ومصير منظّمة التحرير، ومصير ايران، ومصير اسرائيل وبالتأكيد مصير لبنان الدولة والكيان.
وفي الحروب المصيرية تسقط كلّ الاعتبارات الشكلية وتذهب المواقف الى حدّها الأقصى: عمقاً وعنفاً لأنّها تعبّر عن البقاء في وجه الفناء!
هذا هو موقف حماس في وجه الإنتماء الفلسطيني.
وهذا هو موقف اسرائيل في وجه الاكثرية العربية السنّية.
إنه الصراع التاريخّي:
صراع الأقلية في مواجهة الأكثرية!