IMLebanon

الحريري القابض بيديه على جمر الخلافات  

أكثر من مرة ردّد رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري، وعلى الملأ، ومن دون أي قفازات او عبارات تجميل، القول بأنه اذا لم تفلح الحكومة (التي وصفت بحكومة «استعادة الثقة» مع اللبنانيين)، في اجراء الانتخابات النيابية في موعدها، وفق قانون جديد فإنها ستكون «حكومة فاشلة».

عديدون نصحوا الرئيس الحريري بعدم تكرار هذه «اللازمة» لكنه ماض في الافصاح عن قناعاته، التي بلغت في جلسة مجلس الوزراء، أول من أمس، حدّ التلويح بالاستغناء عن هذا الموقع.. والوزراء – أفلتوا من أية ضوابط، وجعلوا من المجلس منصة لاطلاق تبايناتهم وخلافاتهم السياسية وغير السياسية.

يعض الرئيس الحريري على الجرح وهو القابض بيديه على جمر الخلافات الظاهر منها والخفي وهو يعرف أهمية وخطورة المسؤولية الملقاة على عاتقه، كما أهمية ودقة المرحلة التي تمر بها المنطقة، ولبنان لن يكون بعيداً عن تداعياتها، وقد تحمل ما لا يمكن احتماله، وهو متمسك بالنهج الذي اعتمده لضبضبة ما أمكن من تباينات وخلافات بين الافرقاء اللبنانيين، ساعياً الى التقرب من الجميع وهو أخذ على عاتقه مهمة وصل ما انقطع بين العديد من هؤلاء وتقريب وجهات النظر المتباعدة، وأحياناً المتباينة.

مواقف الرئيس الحريري، وان لم تصل بعد الى خواتيمها السعيدة، إلاّ أنها حافظت على الحد الأدنى المطلوب، ولم يقف مكتوف اليدين ازاء التباينات والخلافات، فعمل جاهداً على التقريب بين عديدين، ومن أبرزهم الرئيسان ميشال عون ونبيه بري.. وهو وإذ نجح الى حد ما، في ضبط ايقاع الخلافات والتباينات بين الرئيسين إلاّ أنه لم يتمكن من إحداث خرق حقيقي يعيد العلاقات الى طبيعتها، وأتى الخلاف بين «التيار الوطني الحر» و»القوات اللبنانية» الممثلين في الحكومة، وعلى خلفية ملف «الكهرباء» ليزيد الطين بلّة.. وصل به حدّ مصارحة الوزراء أول من أمس قائلاً: «أنا ما فيي كمّل هيك.. واننا كحكومة إن لم نستطع ان نعالج هذا الملف، فما الفائدة من هذه الحكومة؟ وأنا لا أريد حكومة كيفما كان..» حتى أنه ذهب الى أبعد من ذلك ملوحاً بالاستغناء عن رئاسة مجلس الوزراء.. على ما نقل عنه.. مع ما في هذا من مخاطر تقود الى «حكومة تصريف أعمال» ولا انتخابات نيابية؟!

قد لا يكون من المبالغة في القول ان «حكومة استعادة الثقة» الجامعة غالبية الافرقاء اللبنانيين الوازنين والمؤثرين، لم تكن على قدر المهمة الموكلة اليها، ولم تكن على قدر الثقة التي نالتها.. وقد تبين ان تغليب المصالح الفئوية لدى كل فريق يتقدم على كل ما عداه، على رغم نصائح الرئيس الحريري المتكررة بوجوب «التضحية»..

لا ينكر مقربون من الرئيس الحريري أنه في وضع صعب وبالغ الدقة والاحراج، وهو الذي استعاد عافيته العربية بعد زيارته التاريخية للسعودية على متن طائرة الملك سلمان بن عبد العزيز، وهو يرأس حكومة – كان يتطلع اليها على أنها «فرصة وطنية» قد لا تتكرر بسهولة – تجمع الافرقاء كافة في مؤسسة قيادية للدولة، ويتشاركون في الرأي وصناعة القرار، في ظل ظروف اقليمية بالغة الخطورة، ولبنان أمام استحقاقات داهمة وضاغطة، في مقدمها، او في أولوياتها اجراء الانتخابات النيابية في موعدها الدستوري وفق قانون جديد للانتخابات، بعدما أقسم الجميع على رفض اللاءات الثلاث، «لا للتمديد»، و»لا للفراغ»، ولا «لقانون الستين»..؟!

يؤكد الرئيس الحريري ان الحكومة «ليست رئيسها».. و»لا أي فريق».. فالحكومة مجتمعة هي صاحبة القرار، والتباين في الآراء والمواقف أمر مشروع وطبيعي، والتوافق مطلوب، وحين يغيب التوافق فلا بدَّ من التصويت..

القرار ليس بيد رئيس الحكومة، وهو بيد مجلس الوزراء بغالبية الثلثين.. والحكومة الحالية هي «مجلس النواب مصغرا».. والمجلس هذا، أثبت أنه عاجز عن تحقيق نقلة نوعية تخرج البلد من صيغة «التمديد» ظاهراً او مبطنا) بانجاز قانون جديد للانتخابات وقد تعددت الصيغ التي تقدم بها عديدون وتراكم فوقها الغبار في جوارير المجلس.. ما دفع عديدين الى المطالبة باستعادة إحداها، مقابل الصيغ المقدمة حديثا، وأبرزها الصيغة المقدمة من الرئيس نبيه بري وتستند الى «الطائف» والموزعة بين مجلس للنواب على أساس النسبي وغير طائفي، ومجلس الشيوخ، كما والصيغة الأخيرة المقدمة من «التيار الحر» وتعتمد «التأهيلي» وعلى أساس طائفي.

لم تلقَ الصيغ التي تقدم بها «التيار الحر» قبول الغالبية، وكان دخل على الخط الرئيس بري بمشروعه المدعوم من «حزب الله» و»التقدمي» و»القومي».. وعند التفاصيل دخلت «الشياطين»، خصوصاً وأن عديدين اعتبروا ان صيغة «التأهيلي» (التي عاد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الى تبنيها) ماتت من قبل ان تولد.. ليجد الرئيس الحريري نفسه في وضع لا يحسد عليه، والجميع أداروا الظهر لأولوية قانون الانتخاب، وانشغلوا بخلافاتهم التي تهدد التضامن الوزاري وتكافله..

ليس من شك في ان «الهوة» التي تتسع يوماً بعد يوم، بين الرئيسين عون وبري، كما وبين «القوات» و»التيار الحر»، كشفت عن «صراع مستتر» بدأ، بحسب مراقبين، يتخذ وجهاً خطيراً وقد ظهر الى العلن أول من أمس في ردّ بري مباشرة على موقف الرئيس عون في شأن «التأهيلي» قائلا: «ليس المطلوب الانتقال من سجن سيىء الى سجن أسوأ من قانون الستين الى قانون طائفي، فالتلاعب بالطائفية لا يعني ان الطوائف لعبة والوطن ملعب..».

لا يخفي مقربون من الرئيس الحريري ان الأمور وصلت الى مرحلة بالغة الدقة، ولبنان لا يحتمل «الزكزكات الصغيرة او الكبيرة..» ولا يحتمل سياسة «تقاسم الجبنة» وأن رئيس الحكومة لايزال يقدم نفسه قدوة يقتدى بها في تقديم التضحيات والتنازلات على ما تدل الوقائع وكثيرون يرددون: «كان الله بعونك يا شيخ سعد..»؟!