لقيت كلمة رئيس حركة «أمل»، رئيس مجلس النواب نبيه بري، في احتفال اربعينية الامام الصدر، في بعلبك، ارتياحا شعبياً لا بأس به، كما لدى غالبية الافرقاء السياسيين، من الذين حضروا الاحتفال..
لم تغب «الشعبوية» عن كلمة الرئيس بري – ان لجهة اصدار العفو العام وان لجهة تشريع زراعة الحشيشة لاغراض طبية وصناعية وان لجهة انشاء مجلس انماء البقاع وعكار على غرار مجلس الجنوب، وهو على طريقته «لا حلو ولا مر» «لا ابيض ولا اسود» تطرق الى مسألة تأليف الحكومة العتيدة، قائلاً إنه «متشائل» أي «متفائل ولا متشاذم» في الوقت عينه.. الأمر الذي أثار لدى عديدين، تساؤلات عديدة، حول حقيقة الأزمة الحكومية، ومصدرها وتداعياتها، وهل هي لبنانية مئة في المئة، أم خارجية مئة في المئة، أم داخلية – خارجية بالنظر الى الترابط العضوي بين العديد من أفرقاء الداخل والخارج؟! وهو في كلمته اطلق جملة مواقف ورسائل داخلية وخارجية (عربية واقليمية ودولية)؟!
ينتظر الجميع، ما ستكون عليه مواقف الرئيس بري في الايام القليلة المقبلة، وقد دخل لبنان شهر التكليف الرابع، والمسألة ما تزال تراوح عند مربعها الاول، ولا تقدم يذكر، والانظار تتجه الى ما يمكن ان تصل اليه الاتصالات واللقاءات والاستشارات التي استأنفها الرئيس المكلف سعد الحريري، والتي ستترجم في لقائه المنتظر مع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون.. وقد كان للرئيس بري دور لافت في التنسيق بين عين التينة و»بيت الوسط» والعمل المشترك، بهدف فكفكة، او تذليل ما أمكن من عقبات وعراقيل وعقدة واخراج الحكومة من عنق زجاجة «الحصص والحقائب»..
يتقاطع الرؤساء الثلاثة، ميشال عون ونبيه بري وسعد الحريري عند نقطة مركزية، عنوانها العريض، تشكيل حكومة تمثل كل قوى لبنان البرلمانية الشعبية الحية..» والجميع متفق على أنه لا يمكن للبنان الاستمرار في المراوحة هكذا، لفترة طويلة، الامر الذي يوجب على جميع المكونات الحكومية (المفترضة) تقديم التنازلات اللازمة، هذا اذا أرادوا «حكومة توافقية»؟! على ما يقول الرئيس المكلف..
العناوين الخلافية بين الافرقاء المعنيين عديدة، لكن الاولوية هي لتشكيل الحكومة، و»بعدها لكل حادث حديث»، سواء بالنسبة الى «سياسة النأي بالنفس» عما يجري في المنطقة أم بالنسبة الى «العلاقات مع سوريا» تحديداً.. وهي نقطة خلافية ليست سهلة وقد كان الرئيس بري واضحاً في موقفه من هذه المسألة مؤكد ان «لا أحد يستطيع فصل العلاقات مع سوريا وابقائها في الثلاجة، ولبنان وسوريا هما توأمان للتاريخ والجغرافيا وأيضاً المصالح المشتركة..» وقلبه هناك، وهو يراقب ويتابع المعلومات حول الحشود البحرية الاميركية والاستعدادات لتوجيه ضربة عسكرية في سوريا تحت مبررات كيماوية (ادلب) واهية ونرى ان هذا العدوان الرباعي الاسرائيلي والثلاثي الغربي سوف لن ينجح..» مشدداً على وحدة الموقف ومتانة العلاقة مع «حزب الله» وهما «الحركة والحزب عينان ورئتان في قفص لبنان الصدري ينبعان من البقاع ويصبان في الجنوب.».
في حوار مع قناة «يورونيوز» الاميركية، أظهر الرئيس الحريري انفتاحاً مع «حزب الله» حكومياً، مع ربط نزاع في ظل الحديث عن محاولات خلق فتنة مذهبية نتيجة قرارات المحكمة الدولية قائلاً: «لدينا خلافات سياسية مع «حزب الله»، وهو يعرف ذلك، هم لن يقبلوا سياستي تجاه الخليج، وأنا لم أقبل سياستهم تجاه ايران، وأشياء أخرى، لكن هذا لا يعني اننا يجب ان نمنع البلاد من العمل..».
وفي قناعة عديدين، ان «الاتفاق المبدئي» على كيفية التعامل مع العناوين الخلافية ضرورة الضرورات لضخ جرعة دعم قوية في شرايين التسوية، او المخارج السياسية لتسهيل ولادة الحكومة العتيدة، تماماً كما حصل قبيل التسوية الرئاسية التي جاءت بالعماد ميشال عون، لرئاسة الجمهورية.. وهي تسوية سلمت بأن «حزب الله» ليس في وارد الانسحاب من سوريا في المدي المنظور..
بعيداً عن الملاحظات حول العديد من مواقف الافرقاء الاساسيين المعنيين بتأليف الحكومة، فإن الرئيس المكلف لايزال على تفاؤله بأن «الامور ستتطور» قريباً على رغم الصعوبات التي تعترض سبيل تشكيل الحكومة العتيدة، واضعاً تفاؤله هذا بين حتميتين لا ثالث لهما: الاول: حتمية الوصول الى بر امان التشكيل، «لأنه لا يمكننا الاستمرار هكذا لفترة طويلة..» لاعتبارات عديدة، خارجية وداخلية، متعددة العناوين، والثانية: حتمية تقديم جميع المكونات الحكومية التنازلات اللازمة المطلوبة.. هذا «اذا كنا نريد حكومة توافقية..» وهو، أي الرئيس الحريري لايزال يشدد على أهمية احترام. التوافق بين معظم المكونات والاحزاب السياسية بسبب التنوع والتعددية في لبنان» معلناً ان «دوره كرئيس مكلف هو ان أجميع مختلف الاطراف، على الرغم من كل الخلافات السياسية التي علينا ان نضعها جانباً.. حيث لا يمكن تشكيل حكومة علي قاعدة أكثرية وأقلية، وقد جربنا هذا الأمر في الماضي ولم ننجح، لذا فالتوافق هو الحل الوحيد في البلد..»، واذا عدنا الى الماضي القريب نرى أنه عندما نضع خلافاتنا جانبا ننجح في تحقيق العديد من الانجازات التي تخدم مصلحة لبنان واللبنانيين..» قال الحريري كلمته وهو ينتظر ملاقاته سياسياً أقله في منتصف الطريق..؟!
