Site icon IMLebanon

خيارُ الحريري الذكي…

 

مراسمُ التسليم والتسلُّم غابت عن وزارة الدولة لشؤون النازحين. لا مصافحةً ولا تسليماً ولا كلاماً مُنمّقاً أمام عدسات الكاميرات بين الوزير السابق معين المرعبي والوزير الحالي صالح الغريب، الذي سيحمل أغراضَه ويتوجّه بعد غد الإثنين إلى مكتب الوزارة ليباشرَ عمله، حاملاً خطةً ومتسلّحاً باقتناعه أنّ عودة النازحين لا يُمكن تحقيقُها بلا تنسيقٍ مع النظام السوري. أمّا المرعبي فيرفض تسليمَ «النازح» إلى حلفاءِ «نظام بشار الأسد»، فلماذا فعل رئيسُ الحكومة سعد الحريري؟

 

وزارة الدولة لشؤون النازحين مرتبطة بالسوريين مباشرة، ما يُشكِّل موضعَ حساسية للحريري الرافض «التطبيع» مع النظام السوري، وبالتالي كان بديهياً أن تكون من ضمن حصته الوزارية في الحكومة السابقة. لكنّ المفاجئ في حكومته الحالية أنّه تخلّى عنها ليس لفريقٍ حليفٍ أو يُشاركه النظرة إلى العلاقات مع سوريا، بل إلى وزير «الحزب الديموقراطي اللبناني» الحليف المباشر للنظام السوري.

 

تيار «المستقبل» يعتبر أن «لا بابَ لحلِّ الموضوع على الصعيد المحلي، فلو كان نظامُ الأسد يرغب بعودة النازحين إلى بلادهم، لأعاد الموجودين منهم في الأردن، ألدولة التي تربطها علاقة ممتازة معه».

 

وتقول مصادر «المستقبل» لـ«الجمهورية» إنّ «الحريري اتّخذ خياراً ذكياً بتسليم هذه الوزارة إلى فريقٍ قريبٍ من النظام السوري، فهو وتيّارُه وُضعا في دائرة الإتّهام لسنواتٍ عدة بأنهما ضد عودة النازحين»، وتضيف: «لنرَ كيف سيحلّ القريبون من الأسد هذا الموضوع. إذا نجحوا في تأمين عودة النازحين سيكون هذا الأمرُ عظيماً، وإذا لم يتمكّنوا من تحقيق العودة فحينها ستسقط التُهم الموجَّهة إلى الحريري بأنه يريد إبقاءَهم في لبنان، وساعتئذ ينتهي هذا الخلاف وتتوقف الاتّهامات المتبادَلة حول مَن يريد عودة النازحين ومَن لا يرغب بعودتهم».

 

وتؤكّد هذه المصادر أنّ الحريري «ليس مضطراً الى التواصل مع النظام السوري لإعادة النازحين، فكثيرون من الوزراء «يكزدرون» إلى سوريا ومَن يريد يمكنه التواصل مع «حليفه» نظام بشار الأسد. أما السياسة العامة فيقرّرُها مجلسُ الوزراء».

 

لكنّ المرعبي، الوزير الأول الذي تولّى هذه الوزارة وأثار جدلاً كبيراً منذ تسلّمها إلى حين خروجه منها ورفضه تسليمَها، كان بدوره من المتفاجئين بموافقة الحريري على تسليم هذه الوزارة إلى «حلفاء الأسد».

 

ويقول المرعبي لـ«الجمهورية»: «لم أسمع ولم أعرف بذلك قبل الإعلان عن التشكيلة الوزارية. لم أتفاجأ بل صُدمت».

 

ويرفض المرعبي حضورَ مراسم التسليم والتسلُم في الوزارة لأسباب سياسية. ففي الشكل، لا يريد أن يبدوَ وكأنه يُسلّم «النازحَ السوري لنظام القتل والإجرام والبراميل والغازات السامّة، الذي سبّب النزوحَ واللجوءَ إلى لبنان».

 

ويقول: «لا أريد تركَ انطباعٍ في أذهان الناس من خلال التسليم والتسلُّم بأنني موافق على تولّي هذا الوزير هذه الوزارة. ومَن سلّمه هذه الوزارة ليتحمّل هو المسؤولية».

 

يبدو أنّ حلفاءَ النظام السوري تلقّفوا تولّي حليفهم الوزارة سريعاً، فحتى قبل أن يتسلّم الغريب مهماته ويبدأ دوامه في الوزارة، زار مسؤولُ ملفّ النازحين في «حزب الله» النائب السابق نوار الساحلي على رأس وفد، أمس الأول، رئيسَ «الحزب الديموقراطي» النائب طلال أرسلان، في حضور وزير شؤون النازحين صالح الغريب، وتمّ عرضُ ملف النزوح.

 

ويقول الساحلي لـ«الجمهورية»: «خيرُ البِرِّ عاجلُه» وهدفُ الزيارة تشجيع الغريب ومدّه بدعم معنوي. وأكدنا له ما هو مقتنع به، أي أنّ هذا الملف لا يُحلّ من طرف واحد فقط، فهناك البلدُ الذي يستقبل النازحين وبلدُهم الأم، ولا يُمكن عدمُ التنسيق بين الدولتين، ويضحك على نفسه مَن يعتقد أنه يُمكنه إعادة النازحين إلى سوريا بلا تنسيقٍ مع الدولة السورية».

 

البعضُ يرى أنّ الحريري مقتنعٌ بأنّ هذا الملف يَصعُب حلّه من دون التنسيق مع النظام السوري، وهو يريد معالجته من دون أن يُحرج نفسَه أو يُضطّر هو أو حكومتُه الى التنسيق الرسمي الواضح والمباشر مع دمشق، لذلك لم يعارض تسلُّمَ حلفاء سوريا هذه الوزارة.

 

ويقول الساحلي إنّ «الزمن سيبرهن صحة هذا القول»، ويرى أنّ «وجودَ الوزير صالح الغريب في هذه الوزارة له مدلولالتُه السياسية. فمجرد أن يكون هذا الوزير من فريقٍ سياسيّ حليف لسوريا ولديه علاقات مع الحكومة السورية، فهذا يعني أنّه إعترافٌ مباشر بأنّ هذا الملف لا يُحلّ إلّا بموافقة الطرف السوري المعني الأساسي باستقبال أهله وعودتهم إلى بلادهم».