خرج علي صبري حمادة قبل أيّام محذراً من التداعيات الأمنية لمخيم لـ«النازحين السوريين» في الهرمل، قبل أن يتبين أن المخيم يُقام لإيواء لبنانيين من عائلات من المنطقة تركت سوريا خشية ارتكاب مجازر طائفية بحقها!
مع انهيار النظام السوري السابق في الثامن من كانون الأول الماضي، غرقت مدينة الهرمل وقراها في البقاع الشمالي تحت وطأة سيل من عشرات آلاف النازحين السوريين واللبنانيين.
في الأسابيع الأولى، وصل عدد النازحين من مدينة حمص السورية وقرى ريفها الغربي، ومن القرى اللبنانية الواقعة على المقلب الآخر من الحدود، إلى أكثر من 62 ألفاً، بما يفوق عدد السكان اللبنانيين البالغ نحو 55 ألفاً، في غياب تام للدولة وأجهزتها الأمنية والإغاثية والصحية، ما وضع مدينة الهرمل وقرى قضائها أمام كارثة إنسانية تهدّد بانفجار اجتماعي وصحي وأمني، خصوصاً أن غالبية النازحين الجدد أقاموا في المساجد والحسينيات والقاعات العامة، وافترش الآلاف منهم جوانب الطرق والساحات العامة.
منذ ذلك الحين، عملت بلدية الهرمل وحزب الله وجمعيات ومنظمات دولية، بالإمكانات المتاحة، على استيعاب موجة النزوح، قبل أن يبدأ توزع النازحين على مناطق أخرى.
طوال تلك المدة، لم يُسجّل لرئيس «حركة قرار بعلبك الهرمل» علي حمادة، نجل رئيس مجلس النواب الراحل صبري حمادة، أي نشاط في مواجهة هذه الأزمة التي عصفت بمسقط رأسه.
فهو على عادته منذ سنوات بالاهتمام الموسمي بالهرمل عند كل استحقاق انتخابي، نيابي أو بلدي، أطل في الانتخابات البلدية الأخيرة في أيار الماضي، داعماً للائحة ترشحت في مواجهة لائحة الثنائي، قبل أن يختفي مجدداً كما عقب كل استحقاق.
إلا أن حمادة، على غير عادته هذه المرة، قرّر العودة سريعاً من باب النازحين السوريين. فأطل عبر منصة إعلامية معادية للمقاومة، زاعماً أنّ «حزب الله يُنشئ مخيماً للاجئين سوريين غالبيتهم من الطائفة الشيعية، وبعض العلويين، في مدينة الهرمل، على بُعد خمسة كيلومترات من الحدود السورية».
ولمزيد من التشويق، حذّر من التداعيات الأمنية المترتبة على هذا المخيّم والإشكالات التي قد تقع بين السوريين الذين يقطنون المخيم من جهة والسوريين الموجودين في الدّاخل السوري وأبناء الهرمل ومحيطها، من جهة ثانية، مطالباً الدولة بـ«التحرّك وأخذ دورها، لأن تنظيم وجود هؤلاء النازحين ليس مسؤولية الحزب والبلديات التابعة له».
المرجعية الشيعية تموّل بناء مخيم
لإيواء 500 عائلة لبنانية نازحة من سوريا
ما غاب عن حمادة أن غالبية النازحين الذين لا يزالون في الهرمل، والذين سيقطن بعضهم المخيم، هم لبنانيون يتمتعون بجميع حقوقهم المدنية، ولهم الحق في السكن والطبابة والتعلّم والانتخاب في لبنان، ومعظمهم من عائلات هرملانية. والمفارقة أن بينهم نحو 700 أسرة من آل حمادة أنفسهم، إضافة إلى عائلات زعيتر وناصر الدين!
وقد نزح هؤلاء من قرى ريف القصير السورية المحاذية للحدود اللبنانية حيث عاشوا وتملكوا لعقودٍ من الزمن، خشية وقوعهم ضحية أعمال طائفيّة انتقامية بعد تسلّم الرئيس أحمد الشرع الحكم دفعتهم للعودة إلى مسقط رأسهم.
وبعدما أدّت موجة النزوح إلى عبء اجتماعي على المدينة بسبب توزّع النازحين في منازل الأقارب والمساجد والحُسينيات وعلى الطرقات، وفاقت تداعياتها قدرة بلدية الهرمل على الاستيعاب من دون أن تجد مناشدات البلدية ونواب المنطقة آذاناً صاغية لدى الوزارات المعنية، لم يجد المعنيون سبيلاً سوى إنشاء مخيم مؤقت تعهّدت بإقامته مؤسسة «طريق الإيمان الخيرية»، بإشراف من مكتب المرجع الديني السيد علي السيستاني، وإدارة وكيله السيد محمد تقي اختياري، وبالتنسيق مع بلدية الهرمل.
ويقع المخيم الذي لا يزال قيد الإنشاء على مساحة 20 دونماً من أصل 300 دونم ضمن العقار 394 العائدة ملكيته إلى بلدية الهرمل، ويتّسع لـ500 أُسرة من أصل أربعة آلاف (نحو 20 ألف نسمة)، بمعدل غرفة ومنتفعاتها لكل عائلة.
ووقعت المؤسسة اتفاقاً رسمياً مع البلدية التي تعهّدت بعدم تقاضي أي بدل أو رسوم مالية لقاء تأمين قطعة الأرض، على أن تكون مدة العقد سنة واحدة قابلة للتجديد.
وبخلاف المزاعم عن وقوع المخيم على مسافة 5 كيلومترات من الحدود، فإنه يقع في منطقة بين رأس بعلبك والهرمل، بمحاذاة «مستشفى الهرمل الحكومي»، ويبعد عن الحدود 13 كيلومتراً على الأقل.
كذلك أكّدت مصادر أمنية أن التنسيق تام مع الأجهزة الأمنية، وخصوصاً مخابرات الجيش، للإشراف أمنياً على المخيم، ومواجهة بعض الآفات الاجتماعية التي انتشرت أخيراً بين النازحين. إذ إن الأجهزة ستكون أكثر حرية في الحركة لمتابعة النازحين عما هو عليه الأمر حين يقطنون في دور عبادة يصعب مداهمتها لدى الارتياب بوجود أمر ما.