لم يكن الحوار سهلاً مع صديق من «حزب الله» جلست معه مطولاً قبل أيام. كان النقاش يدور حول سؤال مصيري: هل آن الأوان لتسليم سلاح الحزب للدولة اللبنانية، حتى تعود جميع المكونات إلى كنف الشرعية، ويعود لبنان إلى مكانته العربية، وتستعيد الدولة اللبنانية الثقة الدولية بقدرتها على النهوض وتحقيق الإستقرار المنشود.
بدأتُ الحديث مباشرة بلا مقدمات:
– يا صديقي، السلاح الذي تتذرعون به لحماية لبنان أصبح اليوم عبئاً على كل لبناني. الخلل الكبير الحاصل في موازين القوى مع العدو الإسرائيلي، المدعوم بلا حدود من أميركا، أفقد السلاح الكثير من أهميته وفعاليته، رغم ترسانة الصواريخ والمسيّرات الموجودة في مخازن الحزب.
.. والعدو الإسرائيلي يستغل وجود ما تبقَّى من هذا السلاح ليشن غاراته اليومية على مختلف المناطق الجنوبية والبقاعية بحجة ضرب مستودعات السلاح والذخيرة والبنية التحتية للحزب، فضلاً عن «إصطياد» الكوادر العسكرية والسياسية في منازلهم حيناً وفي الشوارع في أحيان كثيرة.
أجاب:
{ أفهم ما تقول، ونحن في الحزب ندرك خطورة ودقة الأوضاع التي أسفرت عنها الحرب الأخيرة. لكن تسليم السلاح ليس مسألة عاطفية ولا قراراً يمكن أن يُتخذ بسهولة. نحن لا نحتفظ به حباً بالقوة، بل لأنه «ضمانة حقيقية» أمام عدو لم يتوقف عن تهديد لبنان منذ عقود. أي بحث في تسليم السلاح لا بد أن يقترن بضمانات أميركية ودولية وعربية، تضمن أن إسرائيل ستنفذ التزاماتها كاملة.
– أي التزامات تقصد؟
{ الإلتزامات التي وردت في إتفاق وقف العمليات العسكرية في ٢٧ تشرين الماضي وقبله بنود القرار ١٧٠١، وكلها تنص على وقف الإعتداءات والخروقات الجوية والبحرية والأرضية، والإنسحاب من التلال الحدودية الخمس، وإطلاق الأسرى، وعدم التعرُّض لأهالي القرى الحدودية العائدين لإعادة بناء أو ترميم منازلهم.
– هذه بنود الوساطة الأميركية، و«الورقة الملبننة» التي أعلن عنها رئيس الحكومة، والتي إعتمدت سياسة «خطوة مقابل خطوة»، على أن يبدأ لبنان الخطوة الأولى في تنفيذ قرار حصرية السلاح مع الدولة اللبنانية، أو على الأقل إعلان البرنامج الزمني الذي سيحدده الجيش اللبناني لتنفيذ القرار في جلسة الحكومة المقبلة.
{ ولكن تنفيذ الخطوات من الجانب اللبناني وحده، لا يُطمئن الحزب في التعامل مع عدو غادر. ماذا لو لم ينفذ نتنياهو الإنسحابات، أو لم يتم إطلاق الأسرى. ومن يضمن أن لا يقوم العدو الإسرائيلي بعمليات كومندوس لإغتيال قادة عسكريين أو شخصيات قيادية في الحزب؟ وماذا لو لم يوقف الإسرائيلي غاراته على لبنان؟
– هذه الإحتمالات لا بد أن تكون مأخوذة بعين الإعتبار في أية صيغة نهائية يتم التوصل إليها بواسطة الجانب الأميركي، لتنفيذ الخطوات اللازمة من الجانبين اللبناني والإسرائيلي.
{ وهل تقدم واشنطن ضمانات للجانب اللبناني تكفل عدم قيام العدو الإسرائيلي بأية عملية عسكرية أو إغتيال بعد تنفيذ تلك الخطوات وتسليم سلاح الحزب؟
– أعتقد أن على ممثليكم في الحكومة طرح هذه المسألة لإيصالها إلى الوسيط الأميركي، ولكن لا بد من صدور مؤشرات تهدئة من الحزب، ووقف الحملات التخوينية والتصعيدية ضد الحكومة ورئيسها، لتأخذ الأمور مجراها الطبيعي.
{ لا أعتقد أن المسألة يمكن أن تسير بهذه السهولة، لأن عامل الثقة مفقود داخلياً وخارجياً.
– هذا يعني أن البلد سيبقى يتخبط بأزماته المالية والإقتصادية والإجتماعية، بسبب إرتباط المساعدات الخارجية بملف حصرية السلاح، وإنهاء إزدواجية القرار بين الدولة و»الدويلة»، كما أن بقية اللبنانيين ستبقى رهينة سلاح الحزب، المتهم بالعمل لأجندة محور الممانعة وقيادته الإيرانية، ولو على حساب المصلحة الوطنية للأكثرية الساحقة من اللبنانيين.
.. وأنت تعلم أن تصريحات المسؤولين الإيرانيين التي استنكرت قرار الحكومة اللبنانية بحصر السلاح بمؤسسات الدولة الشرعية، قد أثارت غضب وسخط اللبنانيين، ورئيسي الجمهورية والحكومة صارحا لاريجاني خلال زيارته لبيروت برفض لبنان التدخل بشؤونه الداخلية، وأن لا مجال لبقاء أي سلاح خارج الشرعية، وأن قرار الحرب والسلم هو من صلاحية الدولة وحدها.
{ لماذا الزج بإسم إيران في مثل هذه القضايا الشائكة والتهرُّب من المسؤولية الداخلية؟
ــ لا ضرورة للخوض في تفاصيل العلاقة العضوية بين الحزب وطهران، والتي تحدَّث عنها قادة الحزب أكثر من مرة. وثمة قناعة لبنانية بأن إيران تستخدم أذرعها الخارجية، بما فيها حزب الله، لتحقيق مصالحها الذاتية، ووقائع الحرب في غزة ولبنان أثبتت ذلك. واليوم تحاول إيران الإمساك بالورقة اللبنانية على طاولة المفاوضات المرتقبة مع الولايات المتحدة الأميركية، فيما البلد ينوء بجبال من الأزمات المتراكمة، وزادها تعقيداً حجم الدمار الذي أصاب المناطق الجنوبية والبقاعية والضاحية الجنوبية لبيروت، والتي تنتظر إطلاق ورشة إعادة الإعمار، بعد إنجاز ملف حصرية السلاح مع الدولة.
طال الحوار وتشعب..، وبقيت توترات النقاش معلقة إلى جلسة أخرى!
