Site icon IMLebanon

سلاح حزب الله بين التسليم والإتلاف: معضلة السيادة وأوهام البدائل

 

سلاح حزب الله كان ولا يزال محور جدل مستمر في لبنان، حيث تتباين المواقف بين اعتباره ضرورة استراتيجية لمواجهة التهديدات الإسرائيلية، وبين رؤيته كعائق أمام سيادة الدولة وبسط سلطتها. ومع تصاعد المطالبات بتسليم هذا السلاح للجيش اللبناني، يبرز إشكال أكثر تعقيداً، وهو إتلافه بدلاً من دمجه ضمن ترسانة الدولة، ما يثير تساؤلات جوهرية حول قدرة الجيش على حماية البلاد في ظل تسليح محدود، وعن البدائل الممكنة لضمان توازن القوى، بما لا يترك فراغاً أمنياً يعيد إنتاج الأزمات بدلاً من حلّها.

التناقض في هذه المقاربة يبدو جليّاً عند الجمع بين المطالبة بتسليم السلاح ومنع أي إمكانية لدمجه في المؤسسة العسكرية. فكيف يمكن للجيش الدفاع عن لبنان إن كان يُمنع حتى من استخدام أسلحة كانت بيد المقاومة؟ في ظل هذا الواقع، يجد لبنان نفسه أمام خيارين أساسيين: إما تعزيز الجيش بمنظومة تسليح متطورة تمكّنه من القيام بدوره الدفاعي بفاعلية، أو الإبقاء على معادلة «الجيش والمقاومة» كعنصر ردع رئيسي، رغم تعقيداتها السياسية. أي حديث عن تسليم السلاح دون تأمين بديل عملي يبقى طرحاً نظرياً قد يعيد إنتاج الأزمة بأشكال مختلفة.

 

القانون الدولي يفتح هوامش متعددة لهذا الجدل، حيث تنص المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة على حق الدول في الدفاع عن نفسها حال وقوع اعتداء مسلّح. غير أن هذه المادة خضعت لتفسيرات متباينة، استخدمتها إسرائيل لتبرير اعتداءاتها المتكررة، مدّعيةً أنها تمارس «حقها المشروع في الدفاع عن النفس»، بينما يستند حزبالله إلى المادة نفسها لتبرير استمرار سلاحه، معتبراً أن التهديد الإسرائيلي القائم يستدعي الحفاظ على قدرته الدفاعية. هذه التأويلات تجعل المسألة أكثر تعقيداً، إذ يصبح تحديد الجهة المخوّلة بالدفاع عن لبنان خاضعاً لمعادلات القوى الإقليمية والتوازنات الدولية أكثر من كونه مسألة قانونية واضحة.

المعضلة الكبرى تكمن في ما إذا كان يمكن حصر مهمة الدفاع عن لبنان بيد الجيش وحده، في ظل ميزان قوى يميل لصالح إسرائيل، أم أن أي فراغا أمنيا قد يؤدي إلى ولادة مقاومة جديدة تفرض نفسها وفق الظروف السياسية والميدانية؟ من دون آلية واضحة تحدد كيفية تطبيق اتفاقيات وقف إطلاق النار وتفسير المادة 51 ضمن إطار الشرعية الدولية، سيبقى ملف الدفاع الوطني أداة تُستخدم وفق المصالح السياسية لكل طرف، وليس بالضرورة وفق منطق الدولة وسيادتها. فهل يمكن التعويل على الضمانات الدولية لحماية لبنان، أم أن الواقع أثبت أن الاتفاقيات لم تكن كافية يوماً لكبح الأطماع الإسرائيلية؟

 

يقول المحلل السياسي يوسف عبد النبي في حديث خاص بان التجربة التاريخية تثبت أن الرهان على الدبلوماسية لم يكن يوماً كافياً لمواجهة إسرائيل، حتى بالنسبة للدول العربية التي وقّعت معها معاهدات سلام. مصر، رغم اتفاقية كامب ديفيد، وجدت نفسها تواجه تهديداً استراتيجياً في ملف سد النهضة، بينما لم يسلم الأردن، رغم اتفاق وادي عربة، من محاولات تغيير واقع القدس والوصاية الهاشمية. أما في لبنان، فإن أي حديث عن مقاومة مستقبلية يعتمد على عدة عوامل، أبرزها مدى القدرة على امتلاك السلاح المتطور، وتأمين بيئة حاضنة قادرة على حمايتها سياسياً وعسكرياً. العمليات الفدائية قد تفرض إرباكاً على المدى القصير، لكن التجربة أثبتت أن تأثيرها يظل محدوداً إن لم تتطور إلى قوة مستدامة مدعومة بقدرات تسليحية متصاعدة.

وفي هذا الإطار، يرى المحامي والصحافي الحقوقي يوسف درويش بأن لبنان، كدولة ذات سيادة، يملك الحق في تنظيم وسائل الدفاع عن أرضه وشعبه وفق خطط واستراتيجيات مدعومة دولياً، مستندين إلى ميثاق الأمم المتحدة الذي ينص على حق الدول في الدفاع عن نفسها إلى حين اتخاذ مجلس الأمن التدابير اللازمة لحفظ السلم والأمن الدوليين. إلّا أن التساؤل يبقى حول مدى انتقال هذا الحق إلى الأفراد أو الجماعات خارج إطار الدولة، إذ يجب قانونياً أن يكون الدفاع عن لبنان محصوراً بالمؤسسات الرسمية، ما يجعل امتلاك جماعات غير خاضعة لسلطة الدولة للسلاح محل جدل قانوني، خصوصاً في ظل القرار 1701 الصادر عن مجلس الأمن عام 2006، والذي شدّد على ضرورة حصر السلاح بيد الدولة اللبنانية.

أما فيما يتعلق بسلاح حزبالله، فلا شك أن ضعف القدرات العسكرية اللبنانية يحدّ من قدرة الجيش على مواجهة التهديدات التقليدية، ما يجعل الدبلوماسية والمفاوضات خياراً أساسياً رغم ما قد يرافقها من تنازلات. في هذا الواقع، يرى جمهور الحزب في التنظيم المسلّح وسيلة لحماية الأرض، وهو ما ثبت خلال النزاعات السابقة، بغض النظر عن صوابية هذا الخيار. مع ذلك، فإن الحل الأمثل يكمن في توحيد الموقف اللبناني وتعزيز احتكار الدولة للسلاح والقرار الدفاعي، مع تمكين الجيش اللبناني من امتلاك العتاد العسكري اللازم لضمان حماية الوطن دون الحاجة إلى قوى موازية تتخذ قرارات تتجاوز الإطار الوطني العام. بين متطلبات الأمن والاعتبارات السياسية، يبقى السؤال الأكبر: هل يستطيع لبنان رسم استراتيجية دفاعية تحمي سيادته دون أن يكون رهينة تناقضاته الداخلية وواقع الصراعات الإقليمية؟