Site icon IMLebanon

كيف تنهار الدول؟

 

 

“السّاعة” وتوقيتها الصّيفي والشّتوي نجمة الأحاديث عن عصفوريّة لبنان الآخذة في تكريس صورة مستقبل البلد القاتمة “التّقسيم” واقعٌ لا محالة سواءً عاجلاٌ أم آجلاً، المشهد خلال اليومين الماضيين بقدر ما هو مخجلٌ جدّاً لكنّة حقيقي جدّاً لأنّ الجميع انفجرت في وجوههم صرخة ماجدة الرّومي في قصيدة “سقط القناع” (عن قصيدة محمود درويش مديح الظلّ العالي”فقد تجلّى العيش اللبناني المشترك في أقبح صوره وهي صورته الحقيقيّة وما تضمره النّفوس خرج إلى العلن كحالة تقيّؤٍ مقزّزة من صدور حقيقتها التكاذب والخداع، وعندما تنفضح الوجوه يعود الجميع إلى الألعوبة المفضّلة وهي “الحوار”، الأيّام المقبلة ستسمعون فيها كلمة الحوار كثيراً لأنّ الجميع يريد أن يُلمّع قبح صورته، وتذكّروا جيّداً أنّنا ذاهبون باتجاه الانهيار الذي حذّر منه البنك وهو واقع لا محالة وهو الأرضيّة الممّهدة للتقسيم بصرف النّظر عن شكله الذي سيكون عليه، ومن الأفضل ألف مرّة أن نكون جيران وأصحاب وأحباب بدل أن نكون شركاء أعداء متربّصين ببعضهم بعضاً!

 

ظُهر الأحد الماضي وفي جلسة ـ معتادة كلّ أحد ـ في دارة الحبيبة الدكتورة والأخت الحبيبة سعاد الحكيم ـ شافاها وعافاها الله سبحانه ـ والصديق الدكتور حسن شرف الدّين حضرها بعض الأقارب والأصدقاء دار حديثٌ عمّا يحدث كأنّها جردة استعاد الحديث فيها ذاكرة اليوميّات اللبنانيّة منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري، استوقف الحوار الدكتور حسن ليروي لنا سؤال جدّي طرحه السّلطان سُليمان القانوني (سلطان العالم في عصره حاكم الأقاليم السبعة والقارّات الثلاث)، أصغى الجميع منصتين لسؤال سُليمان خان: متى تنهار الدّول؟ وهو قصّة تاريخية تروي أنّه أرسل هذا السّؤال العالم الجليل “يحيى أفندي” (وهو أخوه بالرّضاعة من السيّدة عفيفة هانم والدة سليمان بالرّضاعة ومديرة الحرملك في زمن سلطنته)، فأيّ جواب حصل عليه السّلطان العظيم من أخيه “يحيى أفندي؟

 

كان هذا العالم يقيم في تكية في منطقة “بَشِكتاش” في إسطنبول. كتب إليه يقول بعد الديباجة الاعتيادية: “أنتم ملمون بمعرفة العديد من الأسرار، لذا نرجو منكم أن تتلطفوا علينا وتُعلمونا متى تنهدم الدول؟ وما عاقبة الدولة العثمانية ومصيرها؟”

 

كان جواب يحيى أفندي جوابا قصيرا ومحيِّرا في الوقت نفسه. قال في جوابه: “ما لي ولهذا أيها السلطان؟ ما لي أنا؟” تعجب السلطان سليمان من هذا الجواب وتحيّر. أيوجد في هذا الجواب معنى سرّيّ لم يفهمه؟ ولم يجد حلاًّ سوى الذهاب بنفسه إلى يحيى أفندي في تكيّته. وهناك كرر السؤال نفسه وأضاف في لهجة يشوبها العتاب: “أرجو منك يا أخي أن تجيب على سؤالي وأن تعد الموضوع جديا وخبرني ماذا قصدتَ من جوابك؟”

 

قال يحيى أفندي: “أيها السلطان، إذا انتشر الظلم في بلد وشاع فيه الفساد وقال كل من سمع وشاهد هذا الظلم والفساد “ما لي ولهذا؟” وانشغل بنفسه فحسب.. وإذا كان الرعاة هم الذين يفترسون الغنم، وسكت من سمع بهذا وعرفه.. وإذا ارتفع صراخ الفقراء والمحتاجين والمساكين وبكاؤهم إلى السماء، ولم يسمعه سوى الشجر والمدر… عند ذاك ستلوح نهاية الدولة. وفي مثل هذه الحال تفرغ خزينة الدولة، وتهتزّ ثقة الشعب واحترامهم للدولة، ويتقلص شعور الطاعة لها، وهكذا يكون الاضمحلال قدَرا مكتوبا على الدولة لا مفر منه أبدا”.. عندما أنهى الصديق د. حسن شرف الدّين قراءة قصّة السّلطان تمنيت عليه أن يُرسلها، لم يخطر ببالي حينها أنّها ستكون مقالتي في هامش اليوم…

 

للمناسبة، هذا السّلطان العظيم ظلّت كنائس أوروبا تقرع أجراسها احتفالاً بموته، مع أنّ العيش المشترك عاش أزهى عصوره بين النّصارى واليهود والمسلمين في زمانه وكان هذا الرّجل العظيم يعتبر هذه التعدّدية في دولته كتنوّع ألوان زهرة التوليب رمز السلطنة وزهرتها المفضّلة!