Site icon IMLebanon

سلاح الصيد خيار

 

يعيش اللبنانيون انهياراً اقتصادياً لم يشهدوا مثله من قبل. ويزداد تخوّف هؤلاء من أن يفرض اشتداد الأزمة المالية انفلاتاً أمنياً وارتفاعاً كبيراً بنسب الجرائم، تحديداً جرائم السرقات والقتل. تعزّز هذه المخاوف أرقام قوى الأمن الداخلي التي تحصي عدد الجرائم المرتكبة حتى شهر آب من العام الحالي، ومقارنتها مع الفترة نفسها من العام 2019. وتكشف المقارنة ارتفاعاً بنسب كبيرة في عدد الجرائم المرتكبة، حيث تضاعفت خمس مرات جرائم القتل المرتكبة في شهر آب من العام الحالي عما كانت عليه في آب من العام الماضي. نتيجة لذلك، ولانتشار أخبار القتل والسرقات، وللتهويل بانفجار اجتماعي مقبل، فقد المواطنون شعورهم بالأمان حتى في أكثر الأماكن التي كانوا يشعرونه فيها، أي في منازلهم وأحيائهم. ويخشى هؤلاء من موجة عنف وسرقات قد تطالهم خصوصاً عند رفع الدعم عن السلع الأساسية وإمعان السلطة في إفقار الشعب.

 

بات يلاحق المواطن أينما تنقّل هاجس التعرض للسرقة، والتهديد بقوة السلاح، حتى في شوارع بيروت التي كانت تعدّ الأكثر أمناً. الكثير من الأمور تغير هناك، كثير من المارة باتوا يشعرون بأنهم معرضون للسرقة والتهديد طوال الوقت. يمشون ليلاً متلفّتين يمنةً ويسرة. وباتت أعين اللّصوص تشخص أكثر باتجاه المنازل بدل المصارف التي تكاد تفرغ من “الكاش” وخصوصاً بالدولار. وهو ما تؤكده الأخبار المستمرة عن سرقة مبالغ مالية كبيرة بالعملة الصعبة من المنازل. وتمكنت القوى الأمنية من توقيف السارقين في عدة عمليات. ما دفع مواطنين كثراً للتفكير في كيفية تأمين أعلى قدر ممكن من الحماية الشخصية في منازلهم وفي خلال تنقلاتهم. وحتى من لا يملك السلاح منهم ويخشى استخدامه بات يفكر اليوم باقتنائه. آخرون باتوا يفكرون بالانتقال للعيش مع عائلاتهم والتكتّل في مناطق أكثر أمناً.

 

القتل تضاعف والنشل تراجع

 

تظهر أرقام قوى الأمن الداخلي إرتفاعاً في أعداد الجرائم المرتكبة منذ بداية العام الحالي حتى شهر آب، مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي. المرعب أن جريمة القتل تضاعفت خمس مرات في آب من هذا العام عما كانت عليه في آب من العام الماضي، حيث بلغ العدد حينها 4 جرائم قتل، فيما ارتفع هذا العام إلى 20. وازدادت السرقات الموصوفة بنسبة تفوق الـ 100%. كما تضاعف أكثر من أربع مرات عدد السيارات المسروقة، ليبلغ 106 سيارات في آب الماضي. ما يعني سرقة أكثر من ثلاث سيارات يومياً. وتضاعف عدد السيارات المسلوبة. أما جرائم سلب الأشخاص من دون سلب سياراتهم فقد تضاعفت ثلاث مرات ونصفاً. لكنّ اللافت انخفاض جرائم النشل خلال هذا العام عما كانت عليه سابقاً. وانخفضت إلى النصف خلال شهر آب، ليبلغ مجموعها 280 عملية نشل مبلّغ عنها بينما بلغت 493 خلال المدة ذاتها من العام السابق.

 

إقتناء السلاح بحثاً عن أمان

 

هذا الواقع، جعل المواطن يفكر في الطرق الممكنة لحماية نفسه وممتلكاته، خصوصاً وأن بعض عمليات السرقة تترافق مع تهديد بالسلاح وجرائم قتل. يكثر بين مجموعة من الأشخاص الحديث عن ضرورة تأمين وسيلة للدفاع عن النفس. بعد حسابات مالية وأمنية، يقتنع هؤلاء بضرورة اقتناء سلاح صيد نظراً لسهولة شرائه وانخفاض تكلفته، إضافة إلى امكانية شرائه من دون الحصول على رخصة.

 

يعبّر كريم (اسم وهمي) لـ”نداء الوطن” عن مخاوفه. فهو ما عاد يشعر بالأمان في منزله، ويتخوّف كثيراً من المرحلة المقبلة حيث من المرجح أن يزداد الفقر والبؤس وأن تزداد معهما الجرائم. وتحسّباً لما يتوقعه، اشترى كريم سلاح صيد أوتوماتيكياً ووضعه في منزله، “الهدف من اقتناء السلاح تشكيل رادع تجاه المعتدين وإخافتهم. فهذا السلاح لا يقتل كالسلاح الحربي، ويمكن استخدامه في حال اضطر الشخص لاستعماله من دون إصابة الآخر أو في حال اضطر لإصابته إصابة غير قاتلة”. يفكر كريم بترخيص سلاحه، “فالرخصة تكلف حوالى 350 ألف ليرة وهو مبلغ زهيد، وقد اضطر لحمله في حال اشتدّت الأمور وازدادت عمليات السطو والترهيب، ولربما اغتيال الناشطين”.

 

إجراءات حماية أخرى يعتمدها كريم، كإحكام إقفال البوابات الحديدية، والاستعانة بكاميرات المراقبة، والتيقّظ عند سماع أي حركة قرب المنزل. “أرى أننا متجهون للحماية الذاتية داخل الأحياء، فهذه من ضمن شبكات الأمان التي يجب خلقها، إضافة إلى التضامن والتعاضد في أمور المأكل والملبس لا الحماية فقط. لكن للأسف عادة ما تكون الحماية الذاتية في صالح قوى الأمر الواقع الأقوى. لذا يجب البحث بطريقة للتغلغل في هذه الشبكات من دون الإنغماس فيها، مع الإشارة إلى أن الزعامات أوصلت الشعب لأن يضطر لحماية نفسه بيديه”، يقول الرجل.

 

الرجال يبيعون بنادقهم نتيجة العوز

 

في البحث عن سلوك المواطنين، وسعيهم لامتلاك سلاح صيد تسأل “نداء الوطن” أحد التجار الكبار عن حركة السوق. ويبدو ان حركة السوق لا تعكس مخاوف الناس بحكم تدني سعر صرف الدولار وازدياد الفقر والعوز. يشير التاجر الى أنه وبسبب العوز بات العرض يفوق الطلب. إذ بات الكثير من المواطنين يتوجهون لبيع بنادقهم بسبب الحاجة إلى المال. “فالناس تبيع مقتنياتها لتصرف، المرأة تبيع صيغتها والرجل يبيع بندقيته”. ونتيجة لذلك تدنّت أسعار أسلحة الصيد بنسب تفوق الـ 30 في المئة، “أصبحت الأسعار أرخص من تركيا وايطاليا البلدين المصنّعين، فنحن نتخلى عن الأرباح من أجل الاستمرار في البيع لتأمين سيولة”.

 

ويؤكد التاجر أن بعض أسلحة الصيد تستخدم للحماية المنزلية كأسلحة دفاعية، “فلا يتجاوز مدى خرطوشة الصيد خمسين متراً”. ويشير التاجر الى أن موضة اقتناء الـ “بومب أكشن” قد ازداد عند بدء الحرب في سوريا، حيث نشطت حركة بيع السلاح من لبنان إلى سوريا فبدأ مواطنون ببيع أسلحتهم ومسدساتهم التي يفوق سعرها الألف دولار، واستبدلوها بالـ “بومب أكشن” الذي يتراوح سعره بين 100 و150 دولاراً. ما يجعله سلاحاً مناسباً لمحدودي الدّخل. أما الأثرياء والذين يملكون الكثير من “الكاش” فيمكنهم تأمين أفضل سبل الحماية، وأغلى الأسحلة. فضلاً عن الاستعانة بالشركات الأمنية والتقنيات الحديثة لحماية أملاكهم وأنفسهم.

 

لا خطة أمنية للمستقبل فنحن في وضع استثنائي

 

في حديث مع مصدر في قوى الأمن الداخلي، يتبيّن أن لا خطّة أمنية استباقية لمواجهة تحدّيات الفترة المقبلة والتي يرجح بأن تكون أشدّ. إذ يشير المصدر إلى “أننا أصلاً في وضع استثنائي. نحن بالمرصاد وبجهوزية قصوى على الرغم من الأوضاع الصعبة بسبب “كورونا” والوضع الإقتصادي والبطالة وعدم الاستقرار”. ويرى أن قوى الأمن الداخلي، وعلى الرغم من ازدياد الجريمة هذا العام عما كانت عليه في العام السابق، غير أنها تنجح في ردع المجرمين، وتوقيف السارقين رغم النقص في عديدها وتنوّع مهامها. “تعوّض التّقنيّات المستخدمة والخبرة في التحقيق عن هذا النّقص”. ويرجع المصدر سبب التأخر في توقيف بعض العصابات أو السارقين إلى الخبرة التي يمتلكها هؤلاء. لا ينظر رجل الأمن إلى الفقر باعتباره سبباً في ازدياد الجريمة، لكنه يرى أن الوضع الاقتصادي السيئ أحد العوامل التي تساهم في دفع “من لديهم ميول جرمية وعصابات الأشرار” للسرقة، ويشير إلى أن معظمهم من المدمنين على المخدرات. “بعضهم يسرق لتأمين ملذاته. وعند مفاصل معينة يعتقد أصحاب السوابق بأن الدولة مشغولة، فيزداد نشاطهم”.

 

وعن اتجاه بعض المواطنين للتسلّح خوفاً من انفلات أمني قد يرافق رفع الدعم عن السلع الأساسية واشتداد الفقر، يجيب المصدر بأن السلاح موجود أصلاً بكثرة مع المواطنين نتيجة الحرب. “لكننا نحن الدولة والأمن والضمانة، فوجود السلاح بين المواطنين يزيد المشاكل”. وإلى جانب عمل القوى الأمنية، يدعو رجل الأمن المواطنين لاتخاذ احتياطاتهم والحذر المستمر وألا يأمنوا للآخرين. “سرقات عدة كشفت التحقيقات أنّ منفذها قريب من الضحية. ففي إحدى الحالات هناك امرأة سرقت جارتها”.

 

وتظهر متطلّبات المرحلة أنه بات على اللبناني الذي اعتاد لسنوات على التفاخر بممتلكاته ومقتنياته أن يحدّ اليوم من هذا التفاخر. وأن يتعامل بحرص وحذر طوال الوقت، خشية أن يغافله السارق. كما تظهر أيضاً تفاوتاً في قدرة المواطنين على تأمين سبل الحماية.