Site icon IMLebanon

الحوثي ونصرالله.. وخطاب «السمفونية» الإيرانية

بهِندامٍ بنيّ اللون، ليتماشى مع الوان الخلفية النارية الحمراء الجديدة (الكروما)، التي كُتِبَت عليها الآية 39 من سورة الحج « أُذِنَ للّذين يقاتلون بأنّهم ظُلِلموا وإن الله على نَصْرِهِمْ لقديرٌ«، أطلّ عبد الملك الحوثي، لأول مرة منذ انطلاق «عاصفة الحزم«، في السادس والعشرين من الشهر الماضي.

في خطاب امتدّ لـ«56 دقيقة«، استنسخ «سيّد المقاومة اليمنية« بالحرف والعناوين والمصطلحات والكلمات، من خطاب «التضامن مع اليمن المظلوم« لنظيره اللبناني الامين العام لـ»حزب الله« السيّد حسن نصرالله.

ادبيات «السمفونية» نفسها التي سمعها اللبنانيون والعرب على لسان نصرالله يوم الجمعة الماضي تتكرّر. يوجّه الحوثي كلامه الى «الامة«، ليتحدّث عن «العدوان السعودي- الاميركي- الصهيوني« على اليمن:»السعودية هي جندي وخادم لأمريكا التي تهندس العمليات العسكرية وتحدّد اهداف القصف للطيران السعودي«. لكنه سرعان ما يقع في التناقض لدى حديثه عن اهداف «العدوان«. يقول الحوثي في بداية خطابه، «إن السعودية تسعى الى غزو اليمن واحتلاله وفرض سيطرتها عليه«. وبعد لحظات، وعلى وقع تجفيف عرقه بمنديل ابيض، يخرج بنظرية مختلفة:» الهدف الرئيسي للغارات الجوية هو تمكين تنظيم القاعدة من الاستيلاء على اليمن«!.

قد يكون الأمر تناقضاً، أو ربما رسالتين باتجاهين: الرسالة الاولى موجّهة الى مقاتليه ومناصريه لتكريس بوصلة مشغّلهم:»العداء يكون للسعودية التي تريد احتلالنا«. والرسالة الثانية موجّهة الى أميركا والغرب:»الغارات هذه تُضعفنا وتُسهم في تقوية تنظيم القاعدة الارهابي وعليكم اعادة حساباتكم«.

ومن ثم يمتدّ «الاستنساخ« بوجهٍ أكثر فجاجة الى استخدام مصطلحات نصرالله في دفاعه عن ايران. يعترف الحوثي، كما يفخر نصرالله دائما، بـ«علاقات جماعته (انصار الله) المميّزة مع ايران التي تقف مع الحق والمظلوم«. ومن ثمّ يطالب السعودية بـ«عدم التدخّل في الشأن اليمني«. طبعاً كل ذلك قبل أن يدين، في خطاب يبدو وكأنه مستقطع من خطاب نصرالله الاسبوع الماضي، قرار مجلس الامن الذي فرض عقوبات على الحوثيين، فـ«مجلس الامن يأتمر بأوامر الدول المتغطرسة ذات المطامع والنزعة الاستعمارية«، ليخلص، في هذا العنوان، الى خلاصة يستخدمها، ليس نصرالله فحسب، بل جميع نظرائه «الممانعين« في المنطقة:»فلسطين تعاني منذ عقود من الظلم والعدوان ولم ينصفها مجلس الامن«.

يواصل الحوثي حديثه الى «اهله« من العشائر اليمنية، الذين يقاتلهم في تعز واب ولحج وابين وغيرها من المحافظات، ليثبت لهم «مظلوميته« مقابل «ظلم السعودية«:»العدوان جاء علينا بينما كانت الاحزاب اليمنية تتحاور في صنعاء«! هنا، من الصعب احصاء عدد المرات التي انقلب فيها الحوثي على مقررات الحوار اليمني، تماماً كما فعل نصرالله في لبنان في حوارات سابقة. وكانت آخر تلك الانقلابات في الثالث من آذار الماضي، حيث رفض مشروع الاقاليم الـ6 الذي تم الاتفاق عليه، قبل ان يمعن في فرض الامر الواقع بقوة السلاح، واعلانه، فيما اسماه «التحرك الثوري«، الزحف باتجاه خليج عدن وباب المندب.

في الشكل، من الصورة والعناوين ومضمونها والاخراج التلفزيوني وقاموس المصطلحات، هناك اوجه شبه كبيرة بين الخطابين الاخيرين لـ«سيّدَي المقاومة« اللبنانية واليمنية. باستثناء بعض الفوارق، وبعض العناوين التي لم يتطرق اليها الحوثي، مكتفياً بما قاله «أخوه الاكبر« السيد نصرالله. لم يوجّه الحوثي حديثاً الى المصريين والباكستانيين، على غرار نصرالله، الذي كرّس جزءاً كبيراً من حديثه الاخير ليتحدّث عن مصر والدول التي حَمَت تاريخياً الكعبة وقبر الرسول! كما أن الحوثي لم يَعِد انصاره، في نهاية خطابه، بـ«النصر دائماً«، واكتفى بمطالبة جمهوره بـ«الاكثار من ذكر الله، لانه من العناصر الاساسية للنصر الالهي«.

أطل عبد الملك الحوثي، أولاً ليدحض كل ما قيل عن مقتله. لكن لم يُعرف من أين ظهر. ربما يطل مباشرة امام مناصريه في المستقبل، كما يفعل نصرالله بين الحين والآخر عندما تقتضي الضرورة. او ربما «تحزم« العاصفة أمرها فتخرجه من الحياة السياسية كما قال نصرالله عن الرئيس عبد ربه منصور هادي! والى حينها، يتوجب على الحوثي التزام مكانه والاكتفاء بالاستماع الى خطابات نصرالله، طالما أنه لن يأتي بجديد مختلف. فكاتب الخطابات ومُشغّل الطرفين..واحد!