Site icon IMLebanon

معركة “الإستقلال الثالث”

 

ليس في تاريخ لبنان حتى أيام الحرب مرحلة كالتي نحن فيها اليوم: إنسداد سياسي فوق إنهيار مالي واقتصادي تحت عاصفة إقليمية تتجمع. ولا شيء يوحي أن المافيا السياسية والمالية والميليشيوية خائفة من هذا الوضع المخيف: تكامل كل عناصر الانفجار، واستحالة الحفاظ على الستاتيكو. فهل يراهن “عراب” المافيا على الانهيار والانفجار من أجل هدف كبير يسعى اليه، أم ان الرهان هو على أمر خارج لبنان وعلى جوائز ترضية للذين يخدمونه في كل الظروف؟ هل ما نراه هو مجرد تعطيل لتشكيل الحكومة أم أنه جزء من خطة مرحلية لإعادة “تشكيل لبنان”؟ وهل المسألة هي فقط ان أميركا تعطل تأليف حكومة يسيطر عليها “حزب الله”، وايران تعطل تأليف حكومة لا يسيطر عليها “الحزب” وحلفاؤه، وفرنسا في ورطة بينهما، أم ايضاً ان اللعبة المحلية في التعطيل ليست عادية؟

 

الذكرى الـ77 للاستقلال تعيد تذكيرنا بأننا فقدنا “الاستقلال الثاني” بعد “الاستقلال الاول”. فالوطن الذي تصورنا عام 2005 اننا استعدناه من دور “الساحة” عاد “ساحة” للصراعات الاقليمية والدولية. واذا كان طموح كل صاحب “قضية” هو الانتقال منها الى “دولة” فان مسارنا صار الانتقال من “دولة” الى “قضية”. لا بل ان لبنان، بكل جوهره وتراثه ودوره كـ “بلد- رسالة”، على حد تعبير البابا يوحنا بولس الثاني، جرى تحويله “ورقة” في ملفات التفاوض والصراعات بين قوى إقليمية ودولية. فضلاً عن انه هان على حكامه والمتحكمين به الى حد أنهم صنعوا الكوارث فيه من دون ان يلتفتوا الى ما يعانيه اللبنانيون.

 

ولا أحد يجهل لماذا يتهربون من التدقيق الجنائي في حسابات مصرف لبنان. فهم يعرفون انه يكشف ما فعلته التركيبة السياسية والمالية من تلاعب بالمال العام وسطو على المال الخاص وخيانة للأمانة، بحيث يبدو واقعنا مثل أسطورة “صندوق باندورا” الذي يحتوي “كل الشرور في العالم” ولا احد ينجو بعد فتحه. حتى مطالبة الامم المتحدة والعواصم العربية والدولية لنا بما يجب ان نفعله نحن، وهو حكومة قادرة على إجراء إصلاحات هيكلية وجلب المساعدات من الخارج لإنقاذ لبنان، فانهم ردوا عليها بمعركة حياة او موت ضد الاصلاحات لانها تقضي على مصالحهم.

 

وليس صحيحاً ان ثورة 17 تشرين صارت ظاهرة عابرة. فالشباب العابر للطوائف والمناطق الذي قام بها بدأ معركة مفتوحة. وهي معركة “الاستقلال الثالث” عن القوى الخارجية التي تمسك بلبنان وعن صراعات المحاور كما عن الطائفية والمذهبية. لكن علينا جميعاً ان نتذكر قول مالك بن نبي: “لكي لا نكون مُستَعمرين، يجب ان نتخلص من القابلية للاستعمار”. والإستعمار أشكال وألوان.