المحادثات التي أجراها الوزيران ياسين جابر وعامر البساط مع المسؤولين في البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، تبقى مشجعة، قياساً على الزيارات التي كان يقوم بها وزراء الحكومة السابقة، والتي كانت فارغة من أي مضمون ذات قيمة في المعالجات المطروحة.
لقد شعر الوفد اللبناني إهتماماً وجدّية من قبل المسؤولين في المؤسستين بما يحملانه من أفكار ومشاريع حلول، على خلفية الإنجازات التي حققتها الحكومة السلامية في إقرار مشروعي رفع السرية المصرفية، وإعادة هيكلة المصارف، وما تعمل على إنجازه بالنسبة للفجوة المالية وحقوق المودعين في المصارف.
الأجواء الإيجابية التي أحاطت بالإجتماعات، والإهتمام اللائق الذي لقياه الوزيران جابر والبساط، على خلفية رصيدهما المعروف بالشفافية والمهنية العالية، لا يعني أن طريق الإتفاق والمساعدات مع صندوق النقد الدولي أصبحت سالكة، وأن التوقيع على الإتفاقات المتوقعة بات بين ليلة وضحاها.
مشاريع القوانين الإصلاحية التي توليها الحكومة الأولوية اللازمة، لا تكفي وحدها إذا لم ترافقها خطوات عملية على الأرض، في الإصلاحات الإدارية، وملء المراكز الشاغرة بالكفاءات القادرة على تحقيق النقلة النوعية في الإنتاجية المفقودة اليوم، فضلاً عن السير قدماً في تنفيذ برامج الحكومة الألكترونية، كخطوة متقدمة وإساسية لمكافحة الفساد الإداري، وتحديث الإدارات العامة الغارقة في غياهب التسيُّب والإهمال والمحسوبية.
لا نذيع سراً أن الرهان العربي والدولي على النهوض اللبناني، ونجاح المرحلة الجديدة في لبنان في إخراج البلد من دوامة أزماته المتفاقمة، يقومان أساساً على التعاون والإنسجام بين رئيسي الجمهورية والحكومة، كسلطة تنفيذية من جهة، وعلى الدور الذي يقوم به رئيس مجلس النواب كسلطة تشريعية، لا بد أن تمرّ القوانين الإصلاحية عبرها إلى التنفيذ، بالسرعة التي يحتاج لها البلد لإستعادة الثقة المفقودة داخلياً وخارجياً.
يبقى النص الدستوري هو الفيصل والحَكَم في التباينات التي قد تحصل بين أطراف السلطة، ولكن روح الدستور والأبعاد التي يهدف لها المشرّع، يبقى لها إعتبارها في تقريب المواقف، ولكن دون أن يترتب على ذلك أعرافٌ تشكل مع الممارسات المتكررة خروجاً عن الدستور.
لم يعد خافياً أن ثمة من يحاول أن يصطاد في المياه العكرة، لإحداث شرخ ما في العلاقة بين رئيسي الجمهورية والحكومة بالذات، على خلفية التصويت الذي حصل في مجلس الوزراء حول تعيين الحاكم الجديد للبنك المركزي، في حين أن الرئيسين حرصا على تجاوز هذه الواقعة الدستورية، والتي نص عليها دستور الطائف، وقضى بالتصويت في حال عدم التوافق على مشاريع القرارات المطروحة.
ويدرك الرئيسان عون وسلام حجم الإنعكاسات السلبية على لبنان عامة، وعلى سمعة العهد، ورصيد الحكومة في المحافل الدولية والعواصم المعنية، في حال حدوث أي شرخ في مواقع القرار في قمة السلطة، والذي غالباً ما كلّف لبنان باهظاً في العهود السابقة، منذ أيام الرئيسين أميل لحود ورفيق الحريري، وصولاً إلى العهد السابق بعد إنفجار الخلاف بين الرئيس ميشال عون وصهره جبران باسيل من جهة، والرئيس سعد الحريري، عشية إندلاع ثورة ١٧ تشرين الأول ٢٠١٩، فضلاً عن العداء المستحكم بين الرئاستين الأولى والثانية، إلى حد إتهام الرئيس ميشال عون الرئيس نبيه بري بأنه السبب الرئيسي لإفشال عهده، وإسقاطه في جحيم الأزمات المتناسلة، إقتصادياً وإجتماعياً ومالياً، وإنمائياً.
أهم ما يُميِّز العهد الحالي عن أسلافه، أن رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة جاءا من خارج التركيبة السياسية الفاسدة، والتي تسببت ممارستها السيئة بسقوط البلد في دوامة الأزمات والإفلاس، وبقيت المنظومة الحاكمة عاجزة عن وضع قانون واحد يعالج بعض جوانب الأزمة، أو على الأقل يُخفف من تداعياتها الكارثية على الأكثرية الساحقة من اللبنانيين.
ولعل الدعم العربي والأميركي غير المسبوق للرئيسين يعود إلى خلفية مسيرتهما الشخصية والمهنية، والقائمة على الشفافية ونظافة الكف والحوكمة، وإبتعادهما عن المحسوبية والزبائنية، وقناعاتهما بضرورة تحقيق الإصلاح سبيلاً أساسياً لسلوك طريق الإنقاذ.
وأي تهاون من الرئيسين، أو من البطانة حولهما، في حماية هذه السمعة الطيبة، والحفاظ على رصيد المصداقية والثقة الخارجية، من شأنه أن يعرض مسيرة العهد للإجهاض، ويؤدي إلى وقف الدعم الخارجي، وإحداث صدمة موجعة وخيبات مريرة في الداخل.
حذارِ يا أهل البطانة من اللعب بنار المصالح الشخصية، أو التلاعب بالحساسيات الكيدية!
