IMLebanon

الانتخابات الإيرانية آفاق «الفوز» وحدود «الهزيمة»

أياً تكن نتائج الانتخابات الإيرانية، التي بدت متباينة بين وكالة أنباء وأخرى، على رغم استنادها جميعاً إلى المصادر الإيرانية ذاتها، فقد شكلت في محصلتها هزيمة موصوفة و«صفعة« موجعة للأصوليين الذين كانوا يسيطرون على مجلسي الشورى (البرلمان) و«الخبراء« معاً. وخصوصاً بعد أن تمكن تحالف الإصلاحيين والمعتدلين من الفوز تقريباً بجميع مقاعد طهران للمجلسين، مع ما ترمز إليه العاصمة من ثقل ووزن نوعي، سياسياً وثقافياً ومدينياً وسكانياً، إلى جانب إقصاء عددٍ من رموز الأصوليين والمتشدّدين؛ أمثال غلام علي حداد عادل، الذي كان رئيساً للبرلمان، ويُعتبر مستشاراً لخامنئي، كما أن ابنته متزوجة من مجتبى، نجل المرشد. وكذلك رئيس مجلس الخبراء محمد يزدي، ورجل الدين المتشدّد محمد تقي مصباح يزدي، الذي يُعتبر «عرّاباً« للأصوليين، وكان بمثابة المرشد الروحي للرئيس السابق محمود أحمدي نجاد. 

أما سكرتير مجلس صيانة الدستور أحمد جنتي، الذي حمّله الإصلاحيون مسؤولية إبعاد الآلاف من مرشحيهم لهذه الانتخابات، فقد استطاع الإفلات بصعوبة بالغة من الخسارة في انتخابات مجلس الخبراء بعد أن حلّ في المركز الأخير عن طهران. يضاف إلى ذلك سقوط عددٍ من النواب، الذين كانوا من أشد المعارضين للاتفاق النووي، من بينهم مهدي كوجاك زاده الذي سبق ووصف وزير الخارجية محمد جواد ظريف بـ«الخائن«، وروح الله حسينيان الذي هدد بـ«دفن المفاوضين (في الملف النووي) تحت الإسمنت«!!

وكانت مفاجأة الانتخابات في «الاختراق« الذي حققه «ائتلاف« الإصلاحيين والمعتدلين في انتخابات «مجلس الخبراء«، بعد أن اعتبرها كثيرون، ممن يوصفون بـ«الخبراء« في الوضع الإيراني، بأنها كانت محسومة سلفاً لصالح التيار الأصولي.

لكن، وعلى رغم الفوز البيّن الذي حققه الإصلاحيون المتحالفون مع المعتدلين من أنصار الرئيس الإيراني حسن روحاني، إلا أنه يجدر التوقف عند حدود وآفاق هذا الفوز، وكذلك حدود الهزيمة التي مني بها التيار الأصولي المحافظ؟! وكان من اللافت، في هذا الصدد، التحذير الذي أطلقه حسين شريعتمداري، رئيس تحرير صحيفة «كيهان« المقربة من المرشد الأعلى، من محاولة خلق ما وصفه بـ«وهم الانتصار«! وكذلك إشارة أحد قياديي «الحرس الثوري« إلى أن الفائزين في الانتخابات «سيبذلون أقصى ما في وسعهم، لحماية كرامة إيران وقوتها واستقلالها…،(وصولاً) إلى هزيمة الاستكبار العالمي بوعيهم وحكمتهم«!

كما كان لافتاً، في المقابل، الحرص الشديد الذي أبداه الإصلاحيون، ورفضهم أي مظهر من مظاهر الاحتفال بانتصارهم، خشية أن يشكل استفزازاً للجهات المحافظة المتشدّدة، و«.. تجنّباً لتكرار أحداث قد يستغلّها الأصوليون، على غرار ما جرى عقب احتجاجات 2009»، كما جاء على لسان أحد قيادييهم. آخذين في الاعتبار، طبعاً، أنّ الجهات المعنية هي في غاية القوة، وهي المسيطرة على أغلب أدوات وأجهزة السلطة الفعلية؛ مثل وسائل الإعلام والمؤسسات العسكرية والأمنية، فضلاً عن معظم موارد الدولة المالية.

وفي كل الأحوال، من الواضح أن الفائز الأول في هذه الانتخابات هو خيار «الاتفاق النووي«، الذي أصرّت إيران على المضيّ به طوال السنوات الماضية. وهذا يرجّح أن السياسة الإيرانية ستكون أكثر انفتاحاً، وسيكون البرلمان المقبل أكثر «اعتدالاً وتجانساً«، وسيعطي بالتالي دفعة قوية للرئيس روحاني في سعيه إلى تطبيق سياساته الاقتصادية في الداخل، والمضي في انفتاحه على العالم الغربي. 

وعليه، فقد يكون هذا هو خيار المرجعية الدينية والسياسية العليا في البلاد للمرحلة المقبلة، بغرض إعادة التوازنات السياسية الداخلية وفق مقتضيات مرحلة ما بعد الاتفاق الموقع، بانتظار ما ستفرزه هذه المرحلة من نتائج وإنجازات، ستكون محل دراسة «المرجعية العليا« في السنوات القادمة.

يترافق ذلك مع بروز أولويات جديدة باتت تتحكم في تصويت الإيرانيين، منها القضايا المعيشية والسكن وهموم الفقراء والمهمشين في ضواحي طهران والأقاليم البعيدة عن العاصمة، إلى جانب اهتمام قطاع رجال الأعمال و«البازار« بفتح السوق الإيرانية أمام الاستثمارات الخارجية والشركات العالمية.

وفي ضوء ذلك، قد يتمكن الإصلاحيون والمعتدلون في المرحلة القادمة من تحقيق بعض المكاسب على الصعيدين الاجتماعي والاقتصادي، لكن لا يمكن الحديث، أقله في المدى المنظور، عن «تغيير جوهري« يمكن أن يحصل ويمسّ صلب النظم السياسي القائم، إضافة إلى الشأن المتصل بمستوى ومدى الحريات العامة أو الفردية المتاحة، ناهيكم عن السياسات المتصلة بالقضايا الاستراتيجية الكبرى، التي يتحكم بها أصلاً المرشد الأعلى علي خامنئي، والمؤسسات العسكرية النافذة مثل الحرس الثوري.

يجدر بالذكر أن «الحرس الثوري« يعتبر أكبر قوة عسكرية واقتصادية وبشرية مؤيّدة للمرشد، وهو مستعدّ لقمع أيّة معارضة أو احتجاجات تهدف أو تطمح للقيام بتغيير في النظام القائم، وقوة هذا «الحرس« لم تعد مقتصرة على الداخل الإيراني فحسب، بل أصبح لها امتدادات وأذرع في العديد من دول المنطقة.

يذكر في هذا الصدد أيضاً، أن الرئيس حسن روحاني، وقبله الرئيس خاتمي، لطالما وجدا نفسيهما مجبرين على تنفيذ سياسات الأصوليين والمتشددين، وعدم الاصطدام بها، ليس في القضايا الخارجية وحسب، بل حتى في العديد من القضايا الداخلية المتصلة بالحريات ودور الأجهزة الأمنية. وعلى سبيل المثال لا الحصر، هل تمكن روحاني من اطلاق مير حسين موسوي أو مهدي كروبي بعد وصوله إلى منصب الرئيس؟! وهل تمكن خاتمي من قبل في تخفيف قبضة الأجهزة الأمنية وملاحقتها للطلبة والناشطين السياسيين في عهده؟!

خلاصة القول، إن سيطرة الأصوليين والمتشددين على النظام السياسي المزدوج (الديني والجمهوري) المعتمد في إيران، ستبقى ولن تتعرض إلى أية تغييرات جوهرية، وأغلب الظن أن تتغير السياسة الإيرانية المتصلة بتدفق الاستثمارات وتحريك الاقتصاد الراكد بعد الغاء العقوبات المفروضة، ولكن من المستبعد أن يمتد هذا التغيير ليصل إلى السياسة الخارجية، وخاصة السياسة الإقليمية المتعلقة بدول المنطقة العربية، وفي الساحات الساخنة التي تشهد حروباً ونزاعات، على وجه الخصوص، مثل العراق وسوريا واليمن ولبنان.

() كاتب من سوريا