Site icon IMLebanon

البرنامج النووي الإيراني (١)

 

 

بدأ في السبعينات بتجهيز أميركي وتطوّر بعد الثورة بدعم «سوفياتي»

 

 

في الوقت الذي كان ينتظر أن يتم فيه يوم الأحد المقبل إعلان التوصل الى مبادئ عامة لإتفاق بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران بشأن الملف النووي الإيراني، بعدما أجريا 5 جولات من المباحثات بشأن برنامج طهران النووي، إنقلب المشهد رأساً على عقب، جراء تنفيذ إسرائيل لتهديداتها بقصف كثيف ومركّز في تصعيد خطير، استهدف منشآت نووية وقواعد لسلاح الطيران والمنظومات الدفاعية ومنصات الصواريخ البالستية والدقيقة وغرفة عمليات الحرس الثوري، فضلاً عن إغتيال كبار الجنرالات والعلماء، وذلك بعدما سرّعت إيران بشكل كبير من وتيرة أنشطتها النووية ونطاقها في الأعوام الأخيرة، كردّ فعل على انسحاب الولايات المتحدة في عام 2018 من الاتفاق الذي كان يُفترض أن يقيّد برنامجها ويضمن سلميته، مقابل رفع العقوبات الدولية.

فبحلول منتصف آب الماضي، كان مخزون طهران من اليورانيوم المخصب يبلغ 5751,8 كيلوغراما، أي 28 ضعف الحد الذي سمح به إتفاق 2015 المعروف رسمياً باسم «خطة العمل الشاملة المشتركة»، حسب آخر تقرير للوكالة الدولية للطاقة الذرية.

 

ومن هذا الإجمالي، كان المخزون من اليورانيوم المخصب بنسبة 60%، القريبة من نسبة 90% المطلوبة للاستخدام العسكري، تبلغ 164,7 كيلوغراماً، وهي كمية تكفي لإنتاج حوالي 4 قنابل ذرية، وفقاً لتعريف الوكالة الدولية التابعة للأمم المتحدة…

وهذ ما يدفع «اللواء» لفتح ملف البرنامج النووي الإيراني، من خلال سلسلة مقالات.

 

البرنامج النووي الإيراني هو مشروع إيراني لامتلاك الطاقة النووية، بدأ العمل فيه قبل الثورة الإيرانية ثم تصاعدت وتيرته مطلع الألفية الثالثة، مما أثار قلق الغرب الذي يتهم إيران بالسعي لحيازة السلاح النووي.

 

بدأت قصة البرنامج النووي الإيراني أواسط سبعينيات القرن العشرين، عندما دشّن الشاه السابق محمد رضا بهلوي مشروعه الطموح للطاقة النووية ليكون دعامة لإرساء ما كان يصفه بـ«الحضارة الإيرانية الكبرى»، التي تعتبر التكنولوجيا النووية أحد أركانها الأساسية.

وقررت إيران المباشرة في سلوك الخيار النووي، أي الحصول على «البلوتونيوم» الذي صنعت منه أميركا القنبلة التي ألقتها على مدينة ناغازاكي اليابانية عام 1945، وعلى «اليورانيوم العسكري» الذي صنعت منه أميركا أيضا القنبلة التي ألقتها على مدينة هيروشيما اليابانية في السنة نفسها.

وكانت الولايات المتحدة الأميركية في أوائل السبعينيات السبّاقة بالتلويح بجَزرة الطاقة الكهرونووية للشاه، بعد أن كانت وهبت بلاده مفاعلا للأبحاث تم الانتهاء من تشييده وتشغيله في جامعة طهران عام 1967.

 

إذ عرضت واشنطن على طهران بناء ما بين خمسة وسبعة مفاعلات كهرونووية، لكن الكلفة العالية للمفاعلات الأميركية جعلت الشاه يفضّل عرض الشركة الألمانية «كرافتورك يونيون سيمنس»، فكلّفها بالبدء في بناء مفاعلين كهرونوويين في مدينة بوشهر جنوبي البلاد، وبدأ العمل فيهما عام 1974.

إندلعت الثورة الإسلامية الإيرانية عام 1979 حين كان المفاعل الأول قد أنجزت نسبة 85% من بنائه، وكان من المخطط له أن يبدأ إنتاج القدرة الكهرونووية عام 1981. توقف الألمان عن إكمال بناء مفاعلي بوشهر، فتباطأ العمل فيهما بعد إستتباب الثورة الإيرانية، إلى أن تصاعدت حدّة القتال أثناء الحرب العراقية – الإيرانية فقصف العراق المفاعلين عام 1987.

بحثت إيران عن بلد يكمل لها ما بدأه الخبراء الألمان، وبما أن الثورة الإسلامية ناصبت الغرب العداء، وخاصة الولايات المتحدة وإسرائيل، فإنه لم تقبل أي دولة غربية أن تقوم بإكمال المشروع النووي الإيراني، إلّا الاتحاد السوفياتي (السابق)، الذي كان يرى في إيران حليفاً جديداً وجاهزاً يمكن أن يضيفه إلى حلفائه في العالم الثالث.

وبالرغم من أن إيران لم تفصل بشكل علني عن نيّتها بامتلاك سلاح نووي، فإن ما قامت به في التسعينيات يرجّح احتمال أن قرارها السياسي كان قد اتُّخِذ، وتحديداً بعد التدمير الشامل للمنشآت النووية العراقية بالقصف الأميركي أو بلجان التفتيش الدولية، ما طرح التساؤلات عما إذا كانت آنذاك الإدارة الأميركية قد تغاضت عن الطموحات النووية لإيران، لتوظيفها في إطار الإبتزاز السياسي والعسكري والمالي لدول الجوار، وتحديداً الخليج العربي من جهة، وكذريعة للدعم العسكري الإستراتيجي لإسرائيل!

من الناحية الفنية، تمكّنت طهران من التعاقد مع موسكو عام 1995 على تحوير المفاعلين الألمانيين المدمرين إلى النوع المعتمد في الاتحاد السوفياتي، ورأت في هذا التعاقد فرصة لإعادة الحياة إلى برنامجها النووي «السلمي».

وهكذا باشرت إيران منذ عام 1996 بناء منشأة لإنتاج الماء الثقيل في مدينة آراك (وسط إيران)، وقد بدأ إنتاجه هناك عام 2006 بعد أن كشفت المعارضة الإيرانية النقاب عنه عام 2002. كما بدأت إيران عام 2004 إنشاء مفاعل من تصميمها بقدرة 40 ميغاواتا بالقرب من هذه المنشأة يعتمد في تشغيله على الماء الثقيل واليورانيوم الطبيعي المتوفر في إيران.

وهذا النوع من المفاعلات وبهذه القدرة يصلح لإنتاج البلوتونيوم بالكميات المطلوبة للسلاح النووي، وهو من النوع نفسه الموجود في كل من مفاعل ديمونة الذي يزوّد إسرائيل بقنابلها النووية، والمفاعل الكندي الذي مكّن الهند من الحصول على سلاحها النووي، والمفاعل الباكستاني في «خوشاب».

وكانت إيران تزعم أن اختيارها لهذا النوع من المفاعلات هو لرغبتها في استخدامها للأبحاث العلمية ولإنتاج النظائر المُشعّة للأغراض الطبية والزراعية، إضافة إلى أنه يعمل باليورانيوم الطبيعي المتوفر في إيران.

وقد إستفادت إيران بذكاء من تجربة العراق القاسية، وذلك بالتصويب نحو تقنية الطرد المركزي التي لها مميزات عن باقي طرق التخصيب، وأهمها بالنسبة لإيران سهولة إخفاء منشآتها في أبنية يصعب الكشف عنها من الجو، إضافة لامتلاكها أقوى سبب لثقتها بقدرتها على الاستمرار في برنامجها النووي العسكري بأمان، ألا وهو انعدام عنصر الجواسيس في كادرها النووي.

على صعيد إستراتيجية البرنامج النووي الإيراني، يرى محللون أن إيران كانت تحلم بالنموذج الروسي القائم على إنتاج الطاقة الكهربائية من المفاعلات النووية، ومن ثم توفير النفط والغاز للتصدير الخارجي للحصول على العملات الصعبة التي تمكّنها من بناء اقتصاد ما بعد عصر النفط.

أما على صعيد الوصول إلى السلاح النووي، فقد كان الاعتقاد السائد لدى دوائر الاستخبارات الأميركية عندما تولّى الرئيس الأميركي باراك أوباما مهامه الرئاسية مطلع 2009 أن لدى إيران مخزونا من اليورانيوم المخصب يكفي لإنتاج قنبلة نووية واحدة. وفي نهاية 2011، انتهت التقديرات الأميركية إلى القول بأن في حوزة إيران من هذا اليورانيوم ما يكفي لصنع أربع قنابل نووية كحد أدنى.

وقد كشفت دراسة أعدّت عام 2015 أن إيران أصبحت تقنيا قادرة على إنتاج 25 كيلوغراما من اليورانيوم المخصب بنسبة 90%، مما يجعلها قريبة من امتلاك سلاح نووي، إذ تكفي هذه الكمية لإنتاج قنبلة نووية في فترة تقدّر بنحو 3 أشهر.

ومن الناحية الاقتصادية، تفرض الحاجة الإيرانية في مجال الطاقة إدامة البرنامج النووي، فقد أشارت دراسة لمنظمة الطاقة الذرية الإيرانية إلى أن إيران تحتاج في 2021 إلى تأمين ما يعادل 12.5% من احتياجاتها من الكهرباء بالطاقة النووية، وهو ما يجعل إدامة المشروع النووي الإيراني مسألة في غاية الحساسية من الناحية الاقتصادية، فضلا عن جوانبه السياسية.

إذ تشير التقارير الإيرانية إلى أن 60 حقلا نفطيا كبيرا في إيران صارت قديمة وأصابها التآكل، و57 حقلا تحتاج إلى صيانة، وتؤكد تقارير عدة أن 80% من الحقول النفطية الإيرانية دخلت النصف الثاني من عمرها، وأنها تفقد سنويا من 85 إلى 13% من قدرتها على توليد النفط، وتحتاج هذه العملية إلى مدى زمني يصل إلى 15 عاما، وكلفة تصل إلى 40 مليار دولار.

نشير أخيراً إلى أنه بالرغم من نفي إيران على الدوام سعيها لامتلاك سلاح نووي، وشدّدت على سلمية برنامجها، فإن جيمس كارافانو، نائب رئيس دراسات السياسة الخارجية والدفاعية في مؤسسة «هيريتيج» كان قد أشار سابقاً إلى أن إعلان إيران عن نفسها كقوة نووية سيخلق حالة من الذعر العالمي، قد يؤدي إلى رد عسكري فوري من الولايات المتحدة أو إسرائيل، وافق الفريق المتقاعد تشارلز مور من القوات الجوية الأميركية على تقييم كارافانو، مؤكداً أن إعلان إيران عن قدراتها النووية قد لا يعني بالضرورة قدرتها على استخدام سلاح نووي بشكل فعّال، وأنه من المحتمل أن تتخذ إسرائيل أو الولايات المتحدة إجراءات لمنع أي تقدّم إضافي في هذا الصدد. وهذا ما حصل بالفعل أمس الجمعة.

 

– يتبع: هيكلية البرنامج النووي