Site icon IMLebanon

إيران تصبر في أقسى مرحلة: لا حرب ومخطط ترامب سيفشل

 

علاقة جامدة مع السعودية ومقطوعة مع سورية لكن قائمة مع “الإخوان”

 

إنها المرحلة الأصعب بالنسبة الى محور ايران في المنطقة تلك الممتدة منذ سنتين حتى اليوم، كانت حافلة بالأحداث الدراماتيكية.

 

المحور الذي عاش اوجه في السنوات الماضية يمر بمنحى تراجعيا حادا فقط في الأشهر القليلة الاخيرة، منذ شن اسرائيل حربها الكبرى على لبنان.

 

والحال ان اكثر حكومات التطرف الاسرائيلي منذ نشوء الكيان العبري كدولة ذات شرعية عالمية بعد قليل على نكبة العام 1948، استغلت، وراعيتها الأميركية، اخبث واوحش استغلال، شن “حزب الله”، درة تاج المحور، “جبهة الإسناد” لـ”طوفان الأقصى” بعد يوم من اعلانها، من دون استشارة المحور، من قبل حركة “حماس” في السابع من تشرين الأول 2023.

 

فبينما كان “حزب الله” في استعداد عسكري تصاعدي منذ انتصار العام 2006، كانت اسرائيل تتحضر استخباراتيا وامنيا ولوجستيا مضيفة الذكاء الاصطناعي الى الجهوزية العسكرية، فتبدت المفاجاة الكبرى الماساوية في الفجوة بين جهوزية المحور بزعامة ايران وتلك بزعامة الولايات المتحدة الاميركية.

 

 

ديبلوماسي إيراني: ما حصل كالتعرض لحادث

 

 

لا يمكن التأريخ تحديدا متى صيغ هذا المحور فهو تبلور مع الزمن منذ الحلف الايراني السوري في عهد الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد.

 

في الثمانينيات سارع الاسد الى دعم الثورة الايرانية منذ انتصارها ضد الشاه العام 1979. وكان ذلك لصالح الطرفين في علاقة متينة شابتها عثرات لكنها استمرت مضيفة العنصر العراقي (ليس بالضرورة الرسمي) الى المحور بعد سقوط النظام البعثي العام 2003، ليضاف الى العامل الفلسطيني الممثل بحركات المقاومة التي بعثت مع “حزب الله” الروح في هذا المحور ومعناه مواجهين اسرائيل من المسافة صفر.

 

استفاد المحور من شهر عسل مع الاميركيين بعد احداث 11 أيلول 2001، ما ساهم بصعوده. حينها شنت واشنطن حربها على عدو ايران: الإسلام السني المتشدد الذي اتهمته واشنطن بتدبير 11 أيلول. ونتج عنها سقوط نظام حركة “طالبان” وتنظيم “القاعدة” المحتمي بها العام 2001. ثم، تحت عنوان الإرهاب وأسلحة الدمار الشامل، اسقطت الولايات المتحدة نظام الرئيس صدام حسين في العراق العام 2003.

 

لكن شهر العسل لم يدم طويلا، وسارعت طهران ودمشق الى دعم الحركات المسلحة ضد الاميركيين في العراق، فكان احد الردود في لبنان مع صدور القرار 1559 الذي نتج عنه انسحاب القوات السورية بعد 29 عاما، ثم شن اسرائيل عدوان نيسان العام 2006 في محاولة فاشلة لصياغة شرق اوسط جديد.

 

الكباش استمر بين المحورين لكن “جبهة المقاومة”، كما يحلو للإيرانيين تسميتها، تصاعد وهجها تدريجيا. ومنذ العام 2003 تبلور المشروع النووي الايراني في موازاة توسع جغرافي بالنوع وليس بالكم فقط.

 

واذا اضفنا انسحاب اسرائيل من قطاع غزة العام 2005 ثم سيطرة حركة “حماس” عليه بعد الحسم العسكري العام 2007 ضد حركة “فتح” ومن ثم تربع “حماس” على عرش الشعبية الفلسطينية، الى صعود حلفاء ايران في العراق ووجود نظام الأسد في سورية و”حزب الله” في لبنان وسطوع نجم “انصار الله” الحوثيين في اليمن، يمكن اعتبار السنوات الماضية العصر الذهبي للمحور.

 

واذا كان انتصار تموز 2006 أرخ لمرحلة جديدة بالنسبة الى “حزب الله، فإن هذا الانتصار شجع الحزب والمحور على المشاركة، لبنانيا وعراقيا وايرانيا، في الحرب السورية حيث حققت انتصارات بمساعدة روسية اعتقدت معها ان الامر استقر لها..

 

لا شك ان احد العوامل التي دفعت “حزب الله” الى شن “جبهة الإسناد”، كانت معنوية. فالحزب المنتشي في لبنان وسورية وصولا الى العراق واليمن، اعتقد عن سوء تقدير انه يمكنه جلب الاسرائيلي الى معركة مضبوطة في الزمان والمكان.

 

يقر ديبلوماسي ايراني كبير بأن المحور لم يكن ينتظر ما حدث ويشبّه الامر بخوض سباق والتعرض لحادث.

 

والحال أن إيران التي لم تكن على علم بعملية “حماس” في السابع من أكتوبر، وان كان ثمة علم بالخطوط الكبرى لعملية كهذه من دون تحديد الزمان والطبيعة، وافقت مع قيادة “حزب الله”، خاصة الأمين العام الأسبق السيد حسن نصر الله، على شن “جبهة الإسناد”، تصاعديا، منذ الثامن من أكتوبر.

 

فالجبهة استُهلت في مزارع شبعا ثم عبر عمليات تسلل تحت اشراف الحزب قبل ان يسارع الاخير الى تسلم المبادرة في القتال في محاولة لردع الاسرائيلي عن عملية غزة.

 

كانت ثمة اوهاما حينها. منها ان اسرائيل لا تنخرط في معارك طويلة او على جبهات عدة. ومنها ان الولايات المتحدة الاميركية لن ترعى حروبا كهذه ثم ان الخسائر البشرية والاقتصادية والآثار على الداخل الاسرائيلي ستعجل من انهاء اية مغامرة كبرى.. وغيرها من الرهانات الخاطئة..

 

الأمر الذي برهن عن نجاح تقدير للمحور كان ان واشنطن ستمنع حربا اقليمية او كبرى، وهو امر لا يقتصر على الاميركيين بل على الايرانيين ايضا الذين وازنوا بين الرد على الضربات الاسرائيلية وعدم الانجرار الى نزاع لا يعلمون المدى الذي يمكن ان يذهب الاسرائيلي إليه، لا سيما على الصعيد الامني داخل ايران وبالنسبة الى استهداف القيادات الايرانية الكبرى.

 

مع استهدافها القائد العسكري الكبير في “حزب الله” فؤاد شكر في 30 تموز الماضي، نقلت اسرائيل المعركة مع الحزب نحو مرحلة جديدة امنيا وعسكريا تظهّرت بعدها بأسابيع بعد عملية خداع بأنها ستقبل فك الساحات كما طالب “حزب الله”.

 

بدأ ذلك في 17 و18 أيلول مع عمليتي “البايجر” و”اللاسلكي”، ثم في 23 منه عبر العملية العسكرية الجوية الكبرى، ثم في الضربة الكبرى باغتيال نصر الله في 27 وبين تلك الضربات استهداف قيادات “وحدة الرضوان” في 20 وبعد ذلك اغتيال الأمين العام الذي خلف نصر الله السيد هاشم صفي الدين في الرابع من تشرين الأول، وقبل ذلك استهلال العملية البرية في الأول من ذاك الشهر.

 

وبعد سقوط نظام الرئيس السوري بشار الاسد نتيجة الحرب نفسها، وسورية تعتبر “الحلقة الذهبية في محور المقاومة”، يقر الايرانيون بأن المحور تلقى ضربة كبيرة سيستغرق وقتا لتجاوزها. هم يعملون على ترميم القدرات شرط عدم تلقيهم ضربات جديدة سواء في لبنان او في ايران حيث يستبعدون ان يلجأ الرئيس الاميركي الحالي دونالد ترامب الى ذلك نظرا الى انه لا يريد تصعيد الامور مثلما يهدف الى تصفير المشكلات، كما ان الامر ليس منوطا به بل بالدولة العميقة التي تعلم تماما ان الرد سيكون ضد مصالحها المباشرة في الخليج وضد الدول الحليفة لها..

 

في ترميم القوة ما زالت ايران تعمل، بتقية، على مد اذرعها صونا لأمنها القومي، واستمرار محاصرة اسرائيل بدوائر النار في فلسطين ولبنان واليمن والى حد ما العراق. ولكن لا وهم بأن المحور ما زال كالسابق وهو في الاصل، وكما اثبتته الاحداث، كان مكونات لا تشبه بعضها البعض في الطبيعة والنشأة والظروف وبعض العقيدة والمصالح، لكنها تُجمع على محاربة اسرائيل والهدف المطلق في تدميرها.. ولو بعد حين.

 

 

الرياض لحل شامل

 

 

اليوم تعتمد ايران الصبر سياسة عامة.

 

تظهر هذه السياسة مثلا في سوريا في انتظار ان ينهار الحكم الجديد وسط صعابه او ان يعترف بنفوذ طهران. ويظهر مع الدول الكبيرة مثل السعودية حيث العلاقة جامدة وترى الرياض حلا برزمة شاملة تريد طهران تجزأته، لكن مع اميركا لا يرى الايرانيون ان ترامب سيذهب الى النهاية في كل ما يقوله خاصة حول التهجير.

 

ويجيب الديبلوماسي الايراني الذي التقه “اللواء” قبل ايام وسألته عن الموضوع مشيرا الى ان انتقال مئات الاف الفلسطينيين من انصار “حماس” الى سيناء سيجعل منها ملجأ لهم ومركزا سائلا: ماذا لو اقام هؤلاء مطار يحيى السنوار هناك؟!

 

هو سؤال له دلالاته فتهجير هذا العدد من غزة الى سيناء لا يهدد الامن المصري فقط، بل يجعل من من المنطقة منطلقا لأعمال مقاومة ضد الاحتلال وتصبح الحدود مكانا لتبادل القتال. ثم قبل اي أمر فإن “حماس”، هي فرع “الإخوان المسلمون” في فلسطين، الحركة التي تعتبرها القاهرة المهدد الأكبر لها عبر تاريخها منذ “ثورة يوليو”..

 

في كل الاحوال عودة الى ايران، سوف تشتري الوقت متعاطية مع الامور من منظارها كدولة وطنية قومية تبني محددات واضحة في الإقليم لدعم هذا الأمن بمفهوم الهوية الوطنية.

 

وبما ان الظرف الايراني صعب للغاية، ووسط واقع شعبي دقيق دفع الى وصول رئيس اصلاحي شكل خيارا وحيدا بالنسبة الى الناخبين فهمه القائمون على الحكم تماما، ستتعاطى ايران بواقعية واستيعاب مع التطورات خلال السنوات المقبلة وسيدفعها ذلك الى التراجع وربما الانكفاء وتغيير شكل ومضمون تموضعها في الشرق الأوسط المستجد.

 

سيحدث ذلك وسط استعداد ايراني لأية حرب ومضي في برنامج نووي متفاهم عليه مع الاميركيين شرط ضمانات بعدم استهداف ايران من قبل اسرائيل، وبذلك تبدو التسوية غير مستبعدة مع واشنطن.

 

لكن يبقى السؤال: هل ستقبل إيران بمخطط السلام والتطبيع في المنطقة الذي لن يضعفها جيو سياسيا فقط، بل إقتصاديا إلى حد التهميش ويضيع روح ثورتها؟