شهدت الأيام الأخيرة وتحديداً في الاسبوعين الأخيرين، انهيارات أمنية عدة في العراق وفي بغداد على وجه خاص، عندما راح (داعش) يضرب بتفجيراته وعملياته الانتحارية، مناطق مكتظة بالسكان في بغداد، بل واستطاع تفجير بوابة أكبر معمل لإنتاج الغاز في العراق، معمل غاز التاجي في بغداد، ومن ثم قيام 6 انتحاريين باقتحامه، وتفجير ثلاثة خزانات للغاز فيه، قبل مصرعهم.
وقد أسفرت محاولة السيطرة على معمل الغاز هذا، من قبل التنظيم المذكور، عن سقوط (31) شخصاً بين قتيل وجريح.
وقد اعلن الناطق باسم قيادة عمليات بغداد العميد سعد معن، عن احباط محاولة داعشية لاقتحام معمل غاز التاجي، وذكر معن في بيان تلقته وسائل الإعلام، (ان القوات امنية احبطت محاولة للسيطرة على معمل غاز التاجي من قبل مجموعة إرهابية، وتمت معالجتها).
هذا وناهز عديد ضحايا التفجيرات خلال هذين الاسبوعين، الخمسمائة بين قتيل وجريح، كنتيجة لهذا الانهيار المفصلي، الذي أصاب هيكل القوات الأمنية في بغداد، الأمر الذي جعلها عاجزة عن القيام بواجباتها، وهو عجز متراكم، ساعد الإرهابيين على استباحة بغداد، كدلالة تأكيدية على انكشاف المنظومة الأمنية والاستخبارية قاطبة في العراق، لكون أهم مؤسسة أمنية، وزارة الداخلية، باتت بيد الحرس الثوري الإيراني، عبر ميليشيا (فيلق بدر)، التي حاربت الجيش العراقي الى جانب الجيش الإيراني، أبان حرب الخليج الأولى.
يُذكر ان وزير الداخلية محمد الغبان، أحد زعماء الميليشيا آنفة الذكر، كان يقود كتيبة من الحرس الثوري الإيراني حينذاك، وصوره في هذا الجانب، معروضة في مواقع التواصل الاجتماعي، حتى إن من يتسنى الوقت له حالياً، في الدخول الى وزارة الداخلية، يُصدم بمشاهدة وجوه عناصر الحرس الثوري الإيراني، وهي تجوب وتتمشى في أروقة الوزارة، التي من المفترض أن تكون وزارة عراقية!
وبمناسبة الحديث عن وزارة الداخلية، فقد كشف مصدر أمني عن حقيقة صادمة بوجود عجلات سونار لكشف المتفجرات والفحص الاشعاعي، متروكة في مخازن وزارة الداخلية منذ أشهر، ولم تستخدم رغم تكرار التفجيرات في العاصمة بغداد.
وذكر المصدر، وجود 18عجلة سونار للفحص الشعاعي متروكة بمخازن الداخلية تم استيرادها لحساب الوزارة، من أجل وضعها في مداخل بغداد، وهي مخصصة لفحص البضائع الداخلة الى العاصمة، التي عادة ما تكون منفذاً للارهابيين، بإدخال المتفجرات والسيارات الملغومة.
وأضاف، ان هذه العجلات تم استيرادها بعقد مع شركة لمقاول كردي، لكن لم يتم نصبها رغم صرف ستة مليارات دينار عليها، وادخال منتسبين وموظفين بدورات للتدريب عليها في الدنمارك، لكن لم تستخدم لحد الان!
ويبدو أن الحديث عن وزارة الداخلية يثير الشجون، خصوصاً بعدما كشف رئيس مجلس انقاذ محافظة الانبار حميد الهايس، عن وجود ضباط كبار في هذه الوزارة، هم أشقاء لقادة في (داعش)، وأن الوزارة تعتز بهم بحسب ما أفاد.
وذكر الهايس في صفحته على موقع التواصل الاجتماعي (فايسبوك)، «الحكومة عاجزة عن حماية الوطن والمواطنين، واتحدى القوات الامنية في بغداد، أن تلقي القبض على السيارات الملغومة«، وأَضاف «لدي صور لقادة داعش، وهم أخوة لقادة أمنيين على مستوى رتبة لواء، لكن وزارة الداخلية تعتز بهم، وليس لديها الاستعداد ان تخسرهم، بسبب المال الذي يدفعونه لمنتفعين في الوزارة، ومن المعيب جداً، هو أن أكثر ضباط الداخلية يعلمون بذلك« على حد قوله.
وتابع الهايس «أتحدى وزير الداخلية ان يواجهني بما أملكه من معلومات، عن احد قادة الوزارة مع الشهود والاعترافات«.
وعلى المنحى نفسه، شدد وزير الدفاع خالد العبيدي، على محاسبة المقصرين في التفجيرات الاخيرة التي شهدتها العاصمة بغداد ومعمل غاز التاجي ومدينة السماوة مركز محافظة المثنى.
وذكر بيان للوزارة، ان العبيدي شدد خلال ترؤسه جلسة مجلس الدفاع في مقر الوزارة، (على وجوب محاسبة المقصرين في الانتكاسات الأمنية الأخيرة في مدينة السماوة، ومدينة الثورة ومعمل غاز التاجي في بغداد، كل بحسب مسؤوليته).
ويقول خبراء في الشؤون الأمنية تعليقاً في هذا الجانب، ما نفع استعادة مدينة حدودية في أقصى غرب العراق من (داعش)، كما حصل مع مدينة الرطبة التابعة لمحافظة الأنبار (الرمادي) مؤخراً، في وقت نجد فيه العاصمة بغداد، مستباحة ومُخترقة من هذا التنظيم الإرهابي؟!
ويتساءل هؤلاء أيضاً، ما الجدوى من الحواجز (السيطرات) الأمنية، في مداخل بغداد وفي داخلها، إذا لم تستطع توقيف سيارة مفخخة واحدة، ناهيك عن فعلها السلبي في إبطاء السير وخلق الزحام في الطرقات والشوارع؟!
وبالتالي، فإن الجانب الأمني، وهو على هذا النحو، يظل ميؤوس المعالجة الحاسمة إلا في حصول معجزة، والعراق وهو على هذا الحال، لم يعد من البلدان التي تصنع المعجزات، بل إن المشهد العراقي يظل غامضاً، في ظل التردي الحاصل على كافة المستويات، وليس هناك بارقة أمل، تلوح في أفق التفاؤل!
والانكى من كل ذلك، أن نواب الأحزاب الحاكمة، توزعوا على أداء أدوار تهريجية وكيل الإتهامات التي لا تسمن ولا تغني عن جوع، فالنائب محمد المسعودي من (كتلة المواطن) حزب عمار الحكيم، طالب الأحزاب (ان تجعل كل ما حصل في الفترة السابقة خلف ظهورها، وتعقد جلسة شاملة للبرلمان، لأن هناك انهيارات امنية، ولا بد من لملمة المشهد السياسي).
بينما النائب رسول الطائي من (كتلة الأحرار) حزب مقتدى الصدر، راح يوجه الاتهام (الخروق الامنية التي شهدتها العاصمة بغداد في الاونة الاخيرة، يتحملها القائد العام للقوات المسلحة حيدر العبادي، ووزيرا الداخلية محمد الغبان، والدفاع خالد العبيدي، باعتبارهم اعلى سلطة امنية في جمهورية العراق).
لذلك، يظل التردي المتصاعد يوماً بعد آخر، وعلى كل الصعد والجوانب والمستويات، الطابع السائد لأوضاع العراق حتى هذا الوقت، ومن يدري ماذا سيكون عليه الحال في المستقبل القريب؟ لا سيما وأن الجماعات والأحزاب الحاكمة، لا تزال متشبثة بمكاسبها، التي حصلت عليها من دون وجه حق، أو عن طريق الفساد والإفساد، وقد رأينا حالة الهلع والفزع، التي انتابت وجوه ممثلي هذه الأحزاب، عندما طرح رئيس الحكومة حيدر العبادي، بعض الخطوات الترقيعية أو بالأحرى التقشفية، تحت مسميات الإصلاح، إذ أخذ هؤلاء يدافعون عن هذه المكاسب الفاسدة، الى حد تعطيل أعمال البرلمان، وإصابة العملية السياسية بالشلل والجمود.
() كاتب من العراق
