Site icon IMLebanon

العلاقات العراقية – الإيرانية: بين حشد شعبي وممر للمتوسط

 

كانت البدايات مع وصول قوات الحشد الشعبي إلى الحدود السورية مع العراق، عندها تصاعدت حدة التصريحات المعلنة لإقامة ممر عبر الأراضي العراقية – السورية المعروف إعلامياً بـ «الكوريدور»، ما يعني أن الفرصة باتت سانحة أمام الجميع للسير قدماً في إنشاء ممر بري يصلهم بالبحر المتوسط، سيمكنهم مستقبلاً من التعاون مع الحكومة السورية أو اللبنانية وسيسهل عمليات الانتقال والتنقل.

 

 

إنه «الكوريدور»، تستطيع أن تمد طهران كما غيرها عبره لاحقاً خطوط أنابيب النفط والغاز وطرقاً برية آمنة لنقل البضائع الإيرانية إلى سورية، وأيضاً ربط إيران بالبحر المتوسط. وعملياً، يعني التعاون التجاري الفعلي مع بغداد ودمشق وبيروت، فالواقع أن الساحتين السورية والعراقية متداخلتان، فسبق وأعلن القيادي في قوات «الحشد الشعبي» في العراق أبو مهدي المهندس في 29 أيار (مايو) 2017 عن وصول هذه القوات إلى الحدود السورية مع العراق بعد استعادة عدد من القرى الإيزيدية من قبضة «داعش»، وأكد المهندس أن «الحشد» مستمر في القتال حتى تطهير كل الحدود العراقية – السورية وإنهاء وجود «داعش» في البلاد، وإن كان بعض الساسة الإيرانيين يرون أن وصول «الحشد» إلى الحدود السورية يمثل خطوة كبيرة على طريق إقامة ممر بري يصل إيران بالبحر المتوسط مروراً بالعراق وسورية.

 

عندما أصبح «الحشد» تحت إشراف وزارة الدفاع العراقية، كان من أبرز فصائله قوات «بدر» بقيادة هادي العامري المقرب من فيلق القدس، وهي قوات منظمة جيداً وتمتلك مدافع ودبابات ومدرعات، ما مكّن هذه القوات من التوجه بسرعة إلى الحدود العراقية – السورية وقطع طرق الإمداد عن مقاتلي «داعش» في عدد من القرى والسيطرة عليها بسهولة، كذلك تسيطر وحدات من المقاتلين الإيزيديين (وحدات حماية سنجار) ومقاتلون من حزب العمال الكردستاني على المنطقة الواقعة غربي جبل سنجار حتى الحدود السورية، بينما تسيطر البيشمركة الكردية على الحدود السورية العراقية الممتدة من سنوني إلى الشمال مروراً بمعبر ربيعة مع سورية حتى مثلث الحدود العراقية السورية التركية، وعلى الطرف الآخر من الحدود التي سيطر عليها «الحشد» تنتشر «وحدات حماية الشعب» التابعة لحزب الاتحاد الديموقراطي الكردي السوري، وهي تسيطر على أغلب مساحات محافظة الحسكة السورية باستثناء بعض النقاط التي توجد فيها مراكز حكومية في مدينة الحسكة، مركز المحافظة، ومدينة القامشلي التي يوجد فيها مطار القامشلي المدني الداخلي الذي تديره الحكومة حالياً.

 

الواقع أن هذه المنطقة تعيش في ظل حصار اقتصادي فعلي، ما يترك الباب مفتوحاً للمساومات بين طهران ودمشق من جهة والإدارة الكردية في سورية من جهة أخرى والتوصل إلى تفاهم ما يخدم مصالح الطرفين، وفي حال لم تتوصل طهران ودمشق والإدارة الكردية في سورية إلى اتفاق أو تفاهم في هذا المجال، فلن يبقى أمام طهران سوى التوجه جنوباً نحو منطقة القائم. وأقرب مواقع القوات الحكومية السورية إلى الحدود مع العراق تقع في مدينة دير الزور، وهذه القوات كان يحاصرها «داعش» منذ فترة بعيدة، وكانت القوات الأميركية قد قصفت رتلاً كان متجهاً من دمشق إلى المعبر الحدودي مع العراق في منطقة التنف في المثلث الحدودي الصحراوي بين سورية والأردن والعراق، وتسيطر على هذه المنطقة قوات معارضة سورية تدعمها واشنطن، وأقامت الأخيرة فيها معسكراً لقوات خاصة (أميركية وبريطانية).

 

سبق وقالت صحيفة «الغارديان» البريطانية في عددها الصادر في 16 أيار (مايو) 2017، أن الحشد يمتلك أسلحة ثقيلة مثل الجيوش النظامية، بل يمكنها تعديل المسار، وأن قاسم سليماني وهادي العامري أمرا بتعديل مسار الممر أخيراً، بسبب عدم ارتياح طهران من الوجود المتزايد للقوات الأميركية في شمالي سورية، وقالت الصحيفة إن نقطة دخول الممر إلى الأراضي السورية يقع على بعد 140 ميلاً جنوب المسار السابق، مع الحفاظ على المسار الأصلي الذي يصل الحدود العراقية الإيرانية مروراً ببلدة جلولاء في محافظ ديالي متجهاً نحو الشمال الغربي إلى بلدة الشرقاط في محافظة صلاح الدين حتى الوصول إلى جنوب بلدة تلعفر غربي الموصل.

 

بعد ذلك ينحرف إلى الجنوب الغربي بموازاة الحدود مع سورية ودخول الأراضي السورية عبر المنطقة الحدودية الواقعة شمال شرق بلدة «الميادين» السورية، والتوجه منها إلى مدينة دير الزور وصولاً إلى مدينة تدمر الواقعة تحت سيطرة القوات الحكومية وسط سورية، والانطلاق منها إلى العاصمة دمشق وبعدها إلى مدينة حمص وصولاً إلى الساحل السوري على البحر المتوسط.

 

أما المسار السابق فقد كان من المقرر أن يمتد من تلعفر إلى معبر «ربيعة» الحدودي بين سورية والعراق والذي تسيطر عليه قوات البيشمركة، ومنه إلى مدينة القامشلي والاتجاه بموازاة الحدود مع تركيا مروراً بمدينة كوباني (عين العرب) وصولاً إلى مدينة عفرين الكردية، ومن ثم الاتجاه جنوباً نحو مدينة إدلب ومنها إلى حمص وسط سورية، وسبق وأعلنت مصادر في «الحشد» عن البدء بحفر خندق وبناء سواتر على الحدود بين العراق وسورية لمنع تنقل الأفراد والعتاد بين طرفي الحدود.

 

الحقيقة، إن تنفيذ هذا المخطط ووضعه موضوع التنفيذ مباشرة الآن يتوقف إلى حد بعيد على موقف أكراد سورية الذين تدعمهم الولايات المتحدة في حربها ضد «داعش» في سورية، وموقف واشنطن التي أعربت في أكثر من مناسبة عن قلقها من أي دور إيراني في المنطقة، خاصة المنطقة الكردية في سورية والتي يسيطر عليها حزب الاتحاد الديموقراطي، وتمتد من حدود إقليم كردستان العراق وصولاً إلى الغرب من مدينة منبج في محافظة حلب، وهي متصلة جغرافياً بمناطق سيطرة الحكومة في ريف حلب.

 

يبقى في النهاية أن زيارة روحاني الأولى للعراق منذ تسلمه الرئاسة عام 2013 بدأت بمهاجمته أميركا، واصفاً إياها بـ «الدول الغازية للعراق». مع السعي لتعزيز التواصل الإيراني خلال زيارته بغداد، بتشديده على أن زيارته مهمة وأن إيران تستطيع توفير الكثير من احتياجاتها عن طريق العراق، وأن لديهم خططاً مهمة لهذه الرحلة، وبالنسبة لهم، فإن مسألة العبور مهمة للغاية وهم مهتمون بتطوير طرق للتواصل بين البلدين، هكذا جاءت الخطوط العريضة للزيارة، لتبقى العلاقات العراقية – الإيرانية بين حشد شعبي وخطط نحو ممر لإيران نحو المتوسط.

 

* كاتبة مصرية.