يتنافس المسعيان الروسي والفرنسي في الاستحقاق الرئاسي. إذ فيما بادرَ الفرنسيون إلى إرسال موفد وفق مهمّة محدّدة، لا يزال الروس يراقبون من بعيد، على رغم إيفادهم نائبَ وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف إلى بيروت.
ما رشَح عن الموقف الروسي يدلّ إلى محاولةٍ للتضييق على المبادرة الفرنسية، عبر نفض الأمل من نجاحها، وتوقّع الفشل. ويبدو الروس مقتنعين بأنّ إيران لن تسهّل المبادرة الفرنسية، ولن تعطيَ مجّاناً أيّ تقدّم في التفاوض على التسوية الرئاسية المفترضة، من دون العودة إليهم، لمعرفة طهران أنّ تسهيل انتخاب الرئيس في لبنان، له أثمان يجب أن ينالها لاعبون أساسيون، روسيا في طليعتهم.
يريد الروس ثمناً من السعودية لتسهيل انتخاب الرئيس، يريدون مزيداً من الانفتاح على مصر على شكل حصص في مخصّصات التسليح للجيش المصري تُموّلها السعودية. يريدون تخفيف الضغط الذي تمارسه السعودية، عبر رفع إنتاج النفط، وهم لم ينتظروا فشلَ المبادرة الفرنسية لنَعيها، فبدأوا منذ الآن الترويج لفشل المسعى الفرنسي، ليشاركوا في الحلّ وقبض الثمن.
على وقع هذا التنافس، تستمرّ فرنسا في مبادرتها، وما بات معلوماً أنّ الفرنسيين تحرّكوا كما يقولون بعد تلقّيهم إشارات إيرانية مباشرة، وهم مستمرّون في مبادرتهم وسيزورون الرياض وطهران لهذه الغاية، وسط ترقّب لِما سيحصلون عليه من الإيرانيين، باعتبار أنّ مفتاح الرئيس التوافقي بات في يد طهران التي تمسّكت طوال الأشهر الماضية بصَدّ كلّ محاولات التوافق، وإحالة المساعي الى «حزب الله»، فالرابية، عِلماً أنّ الحزب ألزمَ نفسَه عملياً عدمَ تجاوز العماد ميشال عون، عندما رشّحَه رسمياً للرئاسة، لكنّ السؤال: هل سيبقى موقف ايران على حاله، ولماذا فتحَت ثغرةً في الجدار عندما شجّعَت فرنسا على العودة الى لبنان بمبادرتها؟
في انتظار الردّ الايراني الذي لا يتوقّع أن يذهب الى حد البحث الجدّي في إسم الرئيس التوافقي، بادرَت السعودية الى ترتيب البيت الداخلي للحلفاء، وفي هذا الإطار أتت دعوة رئيس «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع الى الرياض، التي استبقت قدوم الموفد الفرنسي، بدعوةٍ التشاور، في حال حصول طارئ توافقي قد يأتي من طهران.
وفي المعلومات التي رشحت عن زيارة الرياض أنّ أيّ بحث في الأسماء لم يحصل، بمعنى التوافق على ترشيح أو أكثر، إذا ما نجحت المبادرة الفرنسية في إحداث اختراق، على اعتبار أنّ أيّ اختراق، سيفرض على قوى «14 آذار»، الانتقال الى المرحلة الثالثة من مبادرتها، وهي التوافق على اسمٍ واحد لإيصاله الى بعبدا، يكون مقبولاً من «حزب الله» وحلفائه.
كرّست زيارة الرياض، جعجع معبَراً إلى التوافق، إذ حرصَ السعوديون على سماع رأيه في نوعية المرشّحين المقبولين وغير المقبولين. فبعض الأسماء لا يقبل جعجع بعناد أن تكون أسماء توافقية مطروحة من «14 آذار». وبعض المرشّحين سوّقَ نفسَه جيّداً، واستعدّ ليومه الرئاسي كأنّه توافقيّ أبداً، فنال دعماً من شخصيات مؤثرة في «14 آذار» (ليس من الصف الأوّل) ومن الوسطيين ومن بعض «8 آذار»، لكنّ كلّ ذلك لم يُزِل العقبات من أمامه.
وربّما يكون فيتو جعجع هو أبرز ما سيعوق التوافق على هذا الاسم أو ذاك، خصوصاً أنّ نقاشاً حول الأسماء واستعراضها واحداً واحداً، سيبدأ في وقت قريب، هذا إذا لم يكن قد طرح بالتفصيل بين الرئيس سعد الحريري وجعجع في الرياض، في سياق توحيد الرؤية والخيارات، احتياطاً لإمكان بدء التفاوض حول الاسم التوافقي.
تركت السعودية للحريري وجعجع وقوى «14 آذار» التفاهم على المقبول وغير المقبول من الأسماء التوافقية، لكن من المبكر الجزم بقدرة «14 آذار» مجتمعةً على تخطّي لغم الانتقال الى البحث في رئيس توافقي، في سيناريو يفترض أن لا يؤدّي كما في تأليف الحكومة إلى تعارض قد تدفع «14 آذار» ثمنَه مجدّداً.