Site icon IMLebanon

هل لبنان مطابِق للمواصفات؟

كلّ الكلام الإيجابي الذي يؤشر الى اقتراب الفرج في ملف رئاسة الجمهورية مبنيّ على محطات دولية – إقليمية مقبلة قد تنتج اتفاقات وتفاهمات شاملة، ربما تصل الى لبنان.

في الاثناء يستطيع الافرقاء الداخليون التلهي بمبادرات من هنا، وتحليلات من هناك، واشتباكات هنا وهناك، أو ترتيب الاجواء لتلقّف التحوّلات الخارجية والبناء عليها في ما يصبّ في خانة التفاهم على رئيس جديد للجمهورية وعلى شكل السلطة المقبلة.

بعد التمديد للمجلس النيابي، انطلق افرقاء سياسيون في عمليات استكشافية داخلية، تهدف الى تحريك ملف الرئاسة على الصعيد المحلي، أو لنقل تحضير المناخات لتلقّف احتمالات التفاهم الخارجية وانعكاساتها على لبنان.

هذه الحركة ليست «بلا بركة» كلياً، فقد أنتَجت حتى الآن الإعلان عن استعداد «حزب الله» وتيار «المستقبل»، الطرفين الوازنين في البلاد للحوار في شان الرئاسة، ما يعني أنّ المساعي الداخلية أثمَرت مواقف اعلامية حوارية، مع العلم أنّ الجميع ينتظر نتائج الحوار الايراني – الغربي حول الملف النووي للبناء على الشيء مقتضاه.

ثمّة رأي يعتبر التفاهم الايراني – الاميركي مقدمة لتفاهمات تشمل معظم ملفات الاقليم، ومن ضمنها لبنان. ولا شك في أنّ الاتفاق اذا ما تمّ سيترك أثراً بالغ الاهمية على المنطقة، ويدفع في الغالب الى تفاهمات وإعادة إنتاج نظام اقليمي يمنع الانهيار والفوضى المدمّرة في معظم البلدان العربية.

ويرى أصحاب هذا الرأي أنّ الطرفين الاميركي والايراني يحتاجان الآن إلى تظهير اتفاق ما، ولو بالحدّ الادنى المفضي الى تمديد مهلة التفاوض وتجديد رفع العقوبات الاميركية عن إيران بمقتضى التفاهم المبدئي السابق، وهذا بدوره سيدفع الى البحث في تخفيف الاحتقان الاقليمي لتحضير الاجواء قبل تظهير اتفاقٍ نهائي من شأنه تغيير شكل المنطقة وموازين القوى الدولية.

على هذا المسار، يبني المتفائلون رؤيتهم ويشيعون أجواء من الامل، لكن دون هذا المناخ الايجابي مصاعب كثيرة، أوّلها احتمال عدم حدوث التفاهم بين إيران ودول (5+1)، ما يعني دخول المنطقة مرحلة جديدة من الفوضى والفراغ والاستنزاف، مع ما يمكن أن ينبت الى جانب ذلك من تصاعد للعنف والارهاب، ولبنانُ نموذجيّ وجاهز لتنفيس أيّ احتقان دولي – اقليمي، او ليكون ساحة توجيه اشتباك وتفاوض وتوجيه رسائل.

ومن الاسئلة المطروحة ايضاً: كم يحتاج الاتفاق اذا حصل ليُترجم في الاقليم؟ ومن أين ستكون البداية؟ من اليمن الى البحرين فالعراق وسوريا ولبنان؟ كلّ ملف من هذه الملفات يوازي بأهميته الملف الآخر، أوليس الشرق الاوسط كله منطقة حيوية يحتاجها العالم؟

رمي الامور كلها على الخارج مسألة خاسرة بلا شك. قد لا تأتي حسابات القمح الدولي مطابقة لحسابات البيدر اللبناني، وعندها ندخل في مزيد من الفراغ والانتظارات القاتلة. لا بدّ من حراك لبناني عموماً ومسيحي خصوصاً لإخراج الجمهورية من الاهتراء والانعدام والفراغ، الى شيء من الاستقرار وإعادة تكوين السلطة وبناء وتحصين مؤسسات الدولة.

لن يستقيم شيء في البلد قبل أن تستقيم السياسة، وقبل إدراك اللبنانيين أنّ إلغاء الذات وترك كل القرار في الخارج يترك نتائج وخيمة بدأنا نلمسها أزمات اجتماعية واقتصادية وصحية وبيئية.

لبنان بأسره لم يعد بلداً مطابقاً للمواصفات. نسبة التلوّث التي اعلنت وزارة الصحة عن اكتشافها في المواد الغذائية وفي بعض المطاعم والمحال التجارية، هي رأس جبل الفساد والاهتراء والتعفن الذي يضرب البلاد من شمالها الى جنوبها، والبلد يبتعد تدريجاً عن مواصفات وطن ودولة في ظلّ الفراغ والتربص والانتظار.

وجود رئيس للجمهورية ليس المفتاح السحري لحلّ كلّ هذه المشكلات، والازمة اللبنانية اصبحت في مستوى اخطر من موضوع الرئاسة، لكن ينبغي أن نبدأ من مكان ما، فيكون انتخاب رئيس جديد للبلاد افتتاحاً لمرحلة جديدة قد تنجّي لبنان من الأتون الذي يحرق المنطقة.