Site icon IMLebanon

مخاطر السلاح و”المشروع الخاص”

 

 

 

من وصايا الشيخ محمد مهدي شمس الدين أنه ليس للشيعة في لبنان “مشروع خاص”، ولا حل إلا ضمن مشروع الدولة. ومن دروس التجارب في لبنان وبه قبل الاستقلال ومعه وبعده، ليس فقط فشل المشاريع الخاصة لهذه الطائفة أو تلك بل أيضًا الدخول في صراعات وحروب توظفها قوى خارجية وتؤذي كل الطوائف. لكن “حزب الله” جرى تأسيسه في إطار مشروع خاص يتخطى لبنان الى كل المنطقة بقيادة الجمهورية الإسلامية في إيران. وهو خاض حروبًا من أجل هذا المشروع الخاص المرتبط بالمشروع الإقليمي الإيراني. وكل شي يؤكد أنه مستمر في إعطاء الدروس للبنانيين بدل أن يتعلم درسًا أساسيًا مما أصابه وقاده إلى اتفاق “وقف الأعمال العدائية” من دون أن توقف إسرائيل اعتداءاتها ومن دون أن يرد على التوحش الإسرائيلي في القصف والاغتيالات.

 

ذلك أن ما تلقاه في “حرب الإسناد” من ضربات قاسية عليه مع بيئته وكل اللبنانيين لم يغير شيئًا في إصراره على الاحتفاظ بسلاح انتهى دوره، ورفض سحبه بقرار في مجلس الوزراء مدعوم من أكثرية لبنانية وعربية ودولية. وما حدث من تحولات في حرب غزة وحرب لبنان وحرب إيران وسقوط نظام الأسد لم يدفعه إلى قراءة جديدة في الهزائم التي يسميها انتصارات، ولا إلى عدم المضي في التسلح و “تجنيد” لبنان في حرب دائمة وسط عالم عربي ركب بعضه قطار السلام الأميركي منذ كامب ديفيد ووادي عربة وأوسلو واتفاقات أبراهام، وبات الجميع اليوم مع إنهاء حرب غزة في القطار الذي جدده الرئيس دونالد ترامب بدعم عربي وإسلامي.

 

ومنطق الدفاع عن سلاح “حزب الله” قائم على مروحة من المبررات باستثناء السبب الجوهري، وهو دوره في المشروع الإقليمي الإيراني وسط تنافس المسؤولين في طهران على الدفاع عنه. لكن التركيز يبدو على أمرين: أولهما أن لبنان عاجز عن الاستمرار من دون المقاومة الإسلامية وسلاحها لأن أميركا لن تسلح الجيش بما يلزمه لمواجهة إسرائيل وخطرها الدائم. وثانيهما أن “خطرًا وجوديًا” يهدد الطائفة الشيعية وما أقامه “حزب الله” من بنية تحتية وفوقية في الجنوب والبقاع والضاحية. ومعنى هذا “تأبيد” المقاومة الإسلامية في لبنان والمنطقة.

 

لكن الواقع أن هذه المقاومة لم تعد، على افتراض أنها كانت، ورقة قوة للبنان بمقدار ما صارت ورقة ضعف ومصدر خطر حروب إسرائيلية بعدما انكشفت أسطورة قوة الردع أو “توازن الردع” وخسرت قوة الحماية حتى لنفسها وقادتها وبيئتها. فضلاً عن أن بروز “الهوية الشيعية” لسلاح المقاومة يؤدي الى حساسيات وحسابات مختلفة في بلد من 18 طائفة حيث لا خطر عل الطائفة ولا بالطبع على “حزب الله”. لأن المسألة هي السلاح فقط. وليس من حق أي حزب أن يأخذ طائفته إلى الانتحار، ولا من حق أية طائفة أن تأخذ اللبنانيين جميعًا إلى جحيم حرب دائمة لا مجال لنصر حاسم فيها. ولا جدوى من قراءة موازين القوى من الذاكرة، كأن ما تبدل في الموازين بعد الحروب والتحولات المتسارعة لم يحدث.

 

وليس الكلام على عجز الدولة والدبلوماسية عن إخراج الاحتلال الإسرائيلي من الجنوب سوى محاولة لحجب الوجه الآخر للعجز: عدم قدرة السلاح على تحرير الجنوب من الاحتلال الذي عاد إليه خلال “حرب الإسناد”. والمقاومة لا تستحق اسمها حين تكون رهانًا على بيئة محددة بدل الاعتماد علی بلد وشعب. و “العجز يلجأ إلى الاعتقاد بالمعجزات والتصور أن العدو غُلب على أمره إذا تغلب عليه الخیال” کما قال مارکس.