Site icon IMLebanon

جيش العدوّ يطمئن المستوطنين: المواجهة مع حزب الله مستبعدة!

 

أجواء التهدئة التي حرص قائد المنطقة الشمالية في جيش العدو، أوري غوردين، على بثّها خلال لقائه رؤساء السلطات المحلية في شمال فلسطين المحتلة، ليست موقفاً عابراً أو مجرد تقدير وضع مهني، بل هدفت إلى توجيه رسالة مدروسة في محاولة لطمأنة المستوطنات الشمالية بعد ارتفاع التوتر على الحدود مع لبنان.

 

موقف غوردين الذي دعا المستوطنين إلى متابعة حياتهم الروتينية «رغم الأحداث الأخيرة عند الحدود اللبنانية» يتقاطع مع موقف رئيس الاستخبارات العسكرية أهارون حليفا الذي ردّ على الخطاب الأخير للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله بأن إسرائيل «ستفعل كل ما هو مطلوب للمحافظة على الهدوء في الحدود الشمالية». ويشير ذلك إلى أن هذه المواقف تأتي ترجمة لخطاب رسمي تتبناه المنظومة الأمنية يتمحور حول التأكيد على استبعاد نشوب مواجهة عسكرية مع حزب الله.

 

لكن، على ما يبدو، لم تفلح محاولات طمأنة الجمهور الإسرائيلي بسبب غياب الثقة بالتقديرات التي ترى أن احتمالات نشوب مواجهة مع حزب الله منخفضة، وأيضاً نتيجة الحملات الإعلامية التي شنّها جيش العدو واستخباراته في الأسابيع والأشهر الماضية وانعكست سلباً على شعور المستوطنين بالأمن.

لذلك، حرص رؤساء السلطات المحلية في الشمال على الاطّلاع عن كثب على حقيقة تقديرات مستقبل الوضع من قائد المنطقة نفسه. والأخير حاول أن يجمع بين التأكيد على «الرغبة في الحفاظ على الهدوء والروتين»، وإظهار استعدادات الجيش وقيادة المنطقة الشمالية لمواجهة أي سيناريو.

مع ذلك، يبدو أن مخاوف المستوطنين وإدراك القيادة العسكرية لتداعيات تفاقم هذه المخاوف، كلّ ذلك وضع الأخيرة أمام خيارين: إما الرد على نصرالله بتهديد مضاد للحفاظ على قدر من التوازن على مستوى الصورة، أو تبنّي مواقف لطمأنة المستوطنين ولو على حساب تعميق تآكل صورة الردع، إذ يدرك قادة العدو أن تفاقم الشعور بالقلق بين جمهور المستوطنين يشدّد القيود على مؤسسة القرار السياسي والأمني، لإدراكهم بأن الجيش الإسرائيلي عاجز عن ردع حزب الله عن الرد على أي خيار عسكري يبادر إليه تحت أي عنوان. وهو ما سيضع القيادة الإسرائيلية – في حال جرى ذلك – أمام خيارين: إما الانكفاء بعدم الرد الذي سيؤدي إلى تعميق مردوعيته، أو الرد بما يدفع حزب الله إلى رد مضاد يؤدي إلى تحقيق السيناريو الذي يتعارض مع أولوية الجيش والاستخبارات.

 

على المستوى المهني تشير مواقف قائد المنطقة الشمالية، وقبله رئيس الاستخبارات العسكرية، إلى مجموعة رسائل منها:

– أن إسرائيل ليست في وارد المبادرة إلى خيار عسكري يؤدي إلى تفجير الوضع على الحدود الشمالية، وهو ما اضطر إلى التأكيد عليه تحت ضغط المستوطنين. ومن الواضح أن هذا الخيار الانكفائي ليس طوعياً أو ابتدائياً، وإنما نتيجة تقدير وضع لما ستؤول إليه الأوضاع نتيجة خيار كهذا.

 

كان نصرالله واضحاً بأن أيّ خيار عسكري سيتم الرد عليه بما يتناسب

 

 

– تقدير العدو أن حزب الله لن يُبادر إلى خيار عسكري يدفع إلى مواجهة عسكرية. على الأقل هذا ما يشي به منطوق هذه المواقف. أما احتمال أن يكون ذلك جزءاً من حملة طمأنة زائفة تهدف إلى تهدئة الجمهور فهو احتمال قائم. لكن، في المقابل، فإن إمكانية أن يفاجئ العدو المقاومة في لبنان احتمال مستبعد تماماً في ظل حالة اليقظة والجهوزية التي تأخذ في الحسبان أسوأ السيناريوهات حتى لو كانت مستبعدة.

 

الخلاصة الأهم التي تبلورت في الأيام الأخيرة، هي أن مواقف الأمين العام لحزب الله ورسائله حدَّدت المعادلات التي تحكم المشهد، وحسم من خلالها مجموعة من العناوين، وفي مقدّمها: لا إزالة لخيمة حزب الله تحت الضغط والتهويل، وبذلك يكون قد بدَّد الرهان على أيّ سيناريوهات أو أوهام في هذا المجال، كما قلَّص هامش الخطأ في التقدير أمام العدو عندما أوضح أن لدى المقاومين تعليمات للقيام بما يلزم في مواجهة أي خيار يلجأ إليه العدو. وبذلك، أصبح واضحاً لقيادة العدو أن أي خيار عسكري سيتم الرد عليه بما يتناسب.

كما قطع نصرالله بمواقفه الصريحة والواضحة الطريق على الدفع نحو سيناريو ترسيم الحدود البرية، مشيراً إلى أن المسألة هي أن هناك عدداً من النقاط لا يزال العدو يتواجد فيها وعليه إخلاؤها، من دون إغفال حقيقة أن المسؤول عن هذه المهمة هو الدولة اللبنانية. والمطلوب من الشعب أن يساعد والمقاومة تراقب وهي في جهوزية للتدخل في حال تطلّب الأمر ذلك.

ونجح حزب الله أيضاً في توظيف قضية الخيمة لتسليط الضوء على اعتداءات العدو على الحدود، وتحديداً خطوته بضمّ الجزء الشمالي من قرية الغجر، وفرض معادلة ضغط إضافي في مواجهة هذا الاعتداء، وحشر قيادة العدو التي اضطرّت على لسان قائد المنطقة الشمالية ورئيس الاستخبارات إلى اتخاذ مواقف تهدف إلى طمأنة جمهور المستوطنين، ولكنها كشفت أيضاً عمق مردوعيتهم في مواجهة حزب الله.