Site icon IMLebanon

“إنفراجات الإقليم” تقف عند حدود لبنان

 

سيتحفنا السياسيون وبعض الأفرقاء بالتحليلات والتكهنات حول انعكاسات نتائج القمة العربية في جدة على الأزمة السياسية الداخلية. ستدور جولة جديدة من السجالات والمماحكات بين مختلف الأفرقاء: الممانعة وحلفاؤها من جهة والمعارضة السيادية ومن معها من جهة ثانية، حول من الذي يستفيد مما شهدته القمة من وقائع ومن قرارات، ومصالحات في الداخل اللبناني. وما لا يجده هذا الفريق أو ذاك في «إعلان جدة»، قد يجده في النص الطويل للقرارات النهائية. سيجتهد كل من الجانبين في تجيير الحدث العربي المفصلي لصالحه، وهذا لسان حال محور الممانعة بشقيه الإقليمي والمحلي، الذي يعتبر التقارب السعودي – الإيراني والتطبيع العربي مع نظام بشار الأسد، تكريساً لانتصاره الإقليمي لأنّ التفاهم بين الرياض وطهران يقتصر على مسار التهدئة وولوج الحل السياسي في اليمن، فيما يترك سوريا ولبنان لميزان القوى الحالي بدليل التسليم العربي بحق المقاومة في تحرير مزارع شبعا وتلال كفرشوبا وجزء من بلدة الغجر، و»ضرورة التفريق بين الإرهاب والمقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي…».

 

أما القادة والرموز المعارضون لمحور طهران – دمشق، فسيقتبسون الوقائع والنصوص التي نتجت عن القمة وقراراتها و»إعلان جدة»، بصفتها الدليل إلى أنّ السعودية ومعظم الدول العربية لم تتخلَّ عن دعوتها إلى «رفض دعم تشكيل الجماعات والميليشيات المسلحة الخارجة عن نطاق مؤسسات الدولة»، (كما نصت القرارات) على أنه يستهدف «حزب الله» وحلفاءه، لا سيما عند تأكيد إعلان جدة «على وقف التدخلات الخارجية في الشؤون الداخلية العربية».

 

لن ينفع السجال حاجة اللبنانيين لتسريع إنهاء الفراغ الرئاسي، والذي نص عليه «إعلان جدة» أيضاً، تكراراً لكافة المواقف الدولية والإقليمية. فهو أبعد ما يكون عن همّ انتخاب الرئيس الذي أصبح المدخل الوحيد لإطلاق الحلول للأزمات الحياتية والمعيشية اليومية التي تتم إدارتها في شكل عشوائي. حتى الإدارة العشوائية لتقلبات الوضع الاقتصادي، والتي كانت تتم عبر مصرف لبنان، من شراء المحروقات والقمح والأدوية والمستلزمات الطبية… ستصبح متعذرة مع الملاحقة القانونية للحاكم رياض سلامة الذي لم يبقَ أمامه سوى شهرين لمغادرة منصبه.

 

مع صحة القول إنّه على الفرقاء اللبنانيين التأقلم مع الانفراجات الإقليمية والبراغماتية التي تتسم بها التسويات التي قامت بها السعودية، وإيران، يبقى السؤال عما إذا كان يجب أن تنطبق على الجبهتين المتخاصمتين في لبنان، أم أنّها يجب أن تدفع بإحداهما، أي الفريق السيادي الى التنازل ليقبل بالمرشح المدعوم من «حزب الله» رئيس تيار «المرده» سليمان فرنجية، بذريعة أن طهران هي التي حققت المكاسب الإقليمية، فيما اكتفت االرياض بمكسب التهدئة في اليمن وعلى الأراضي السعودية؟

 

في المشهد الواقعي يمكن تسجيل الآتي:

 

– لا صحة لما قيل أن اندفاعة فرنسا بتأييد ترشيح فرنجية قد توقفت رغم ما أشاعته أوساط معارضيه. فالجانب الفرنسي خفف من اندفاعته الإعلامية في هذا الصدد من دون التخلي عن هذا الخيار. وربما كان السبب ارتياحه إلى نجاحه في رفع الفيتو السعودي عن فرنجية من باب تأكيد الرياض أن لا فيتو لديها على أي مرشح. وهذا زاد تمسك «الثنائي الشيعي» بفرنجية.

 

– إن موسكو استمرت على وتيرة تعاطفها مع فرنجية، وساهمت مع باريس في قضية الضمانات التي قدمها كرئيس محتمل، وأطلعت الرياض عليها أسوة بما فعلته باريس. ورغم تكرار الدبلوماسية الروسية أنها لا تدخل في لعبة الأسماء، فإنّها سعت إلى اجتذاب صديق روسيا في لبنان رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط إلى هذا الخيار، من دون مطالبته بالتصويت لفرنجية أو ذكر اسمه خلال الاتصال الهاتفي الذي أجراه معه نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف قبل أسبوع.

 

فالاتصال توخى طمأنة جنبلاط إلى موقعه باعتبار «المختارة الصديقة التاريخية للاتحاد السوفياتي وبعده لروسيا التي تحرص على دور الزعامة الجنبلاطية»، داعياً إياه إلى لعب دور في تسريع انتخاب رئيس الجمهورية، والإفادة من الانفراجات الإقليمية. لم تكن التطمينات لجنبلاط تقصد خيار فرنجية فقط، (مع أن بوغدانوف لم يذكره) بل قصدت أيضاً الانفتاح العربي واللبناني على الأسد. لم يغير ذلك في موقف زعيم المختارة خلال حديثه التلفزيوني حين طالب «حزب الله» بالتفاهم على مرشح تسوية بين زعيم «المردة» والنائب ميشال معوض. وأبلغ بوغدانوف أنه حاول طرح تسوية لكن الفريق الآخر لم يستجب، فضلاً عن أنّ الخلاف بين أقطاب القوى المسيحية حال دون التفاهم على اسم.

 

– إنّ فهم الحياد السعودي حيال الرئاسة لدى بعض العواصم والأوساط هو المزاوجة بين إبداء الليونة تجاه الطلب الفرنسي عدم رفع البطاقة الحمراء إزاء هذا الخيار من جهة، وبين الرغبة في تجنب التورط في دعم أي إسم، لأنه يلزم الرياض بتقديم المساعدة له، لا الاقتصادية فحسب بل السياسية أيضاً، في حال واجه العرقلة والتعطيل، من جهة ثانية.

 

والأرجح ألا تُغيّر «جدّة» كثيراً في الانسداد اللبناني.