تحلى الوزير اشرف ريفي بذروة الصدقية والانسجام مع الذات باستقالته المعللة ولو ان خطوته تفاقم الخشية على واقع يقترب اكثر من اي وقت سابق من انفلات دومينو الانهيارات التي تذكر بمطالع الازمات المصيرية الكبرى. والحال ان المخاوف الواسعة التي أثارها القرار السعودي من امكان عزل لبنان خليجيا في هذا التوقيت يعيد استحضار تجارب في الاستحقاقات الرئاسية كانت تعتمل فيها المعارك الانتخابية على وقع تطورات خارجية ضاغطة. وهو من هذه الناحية لا يشكل سابقة الا من حيث تبدل اللاعبين الاقليميين وارتباط قوى داخلية بهم ولكن مبعث الخطورة الراهنة تتمثل في ان “صديقا” عريقا للبنان انبرى الى مفاجأة الجميع بسياسات لم تعد متسامحة مع التفلت الخطر الذي يجسده اندفاع “حزب الله” في الصراع مع السعودية في الساحات الاقليمية المفتوحة وفي لبنان. لن يكون غريبا ابدا بعد القرار السعودي ان ترتسم امام القوى اللبنانية حقيقة غابت عن بالها جميعا وهي ان تداعيات الصراع الاقليمي تجاوزت المعركة الرئاسية الى الأبعد المتصل بأي لبنان “سينشأ” على نار هذا الصراع. ولذا بدا من السذاجة ان يزج بعضهم القرار السعودي في متاهات التنافس الرئاسي ولو صح ان تأثيراته الجانبية ستكون حتمية على الجهات المناوئة للسعودية. ولكن بيت القصيد ليس هنا، ولا حتما في التقليل الخيالي الذي تعامل عبره “حزب الله” مع القرار وهو اول العارفين معنى خروج الخارجية اللبنانية عن الاجماعات العربية بفعل هيمنته الآسرة على القرار الديبلوماسي الرسمي. فليس غائبا عن احد ان الصراع الاقليمي ذاهب نحو احتدام اشد اتساعا وخطورة من كل مراحل الحرب السورية المدمرة بما يستحيل معه الركون الى توقعات ثابتة في شأن انهاء الفراغ الرئاسي. واذا كان لعبرة حقيقية ان تبرز مجددا في حمأة هذا المعترك فهي من النوع الذي يثير عصبية مفرطة لدى بعضهم لدى تذكيرهم بـ”اعلان بعبدا” الذي احبطوا تنفيذه فيما لا تزال أدبياته تندرج في خطاب المجتمع الدولي والعربي حتى الآن. هي حقيقة يصعب دحضها ان اسقاط الحد الادنى من عدم التورط في الحرب السورية قاد الى اسقاط لبنان برمته في حفرة الأثمان القاتلة المهددة بعزله ومحاصرته وافقاره. لا نعيش سابقة في هذا النوع من الاهوال ولكن الفارق الان ان لبنان فقد كل ما يمكن ان يعينه على تجنب الانهيارات. ومع ان رئيس الجمهورية لا يتمتع بقوة خارقة تخوله تماما ان يحمي البلد من الانزلاقات القاتلة فلا يمكننا ان نسلم لسذاجة الاعتقاد ان استدراج الازمات بهذا الشكل مع المضي في التحجير على الانتخابات الرئاسية هي مجرد دعابة كتلك التي أسقطت اعلان بعبدا وشرعة التزام لبنان الاجماع العربي.