Site icon IMLebanon

باسيل الصاعد على بساط قطريّ: الإطاحة بفرنجية لصالح جوزف عون؟

 

منذ بدء النصف الثاني من ولاية رئيس الجمهورية ميشال عون، تحديداً منذ 17 تشرين الأول 2019، ورئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل يعتمد سياسة شراء الوقت محتفظا لنفسه بموقع الدفاع أمام هجمة واسعة، محلية وإقليمية ودولية، حسب العونيين، متحيّنا الفرصة لهجوم معاكس اختار له توقيت اقتراب ولاية عون من الاختتام.

 

شكّلت تلك معالم سياسته مع الرئيس عون في العلاقة مع أخصامهما السياسيين على مختلف الصعد وفي مختلف الملاعب، الحكومية منها أو المجلسية أو حتى في الشارع حيث كان العونيون يعدّون الدقائق ليعودوا إليه بعد فشلهم في الحكم ومحاربة منظومة الحكم لهم منذ الساعات الأولى للعماد عون في قصر بعبدا.

لا يعود الفشل في الحكم فقط إلى تجاوزات العونيين وانخراطهم في لعبة التحاصص السلطوي وهم ليسوا بأرباب فيها في وجه من هم أكثر تمرّساً وقدرة، بل أيضا الى تراكم الظروف والأزمات والحظ العاثر الذي جلب على لبنان أكبر كارثة اقتصادية منذ ما قبل تأسيسه قبل نيّف و100 عام مرافقة بمأساة المرفأ ووباء كورونا اللذين يحلّان ربما مرة فقط في كل قرن!

والحال ان العهد توصل الى بعض الانجازات في النصف الأول من ولاية عون، لا سيما في السنتين الأوليين، منها على سبيل المثال الاستقرار الأمني الداخلي ودحر الإرهاب، ومنها في موضوع التمثيل الشعبي، لا سيما للمسيحيين عبر قانون الانتخاب الذي مكّنهم من جلب غالبية ممثليهم الى البرلمان.

على أن عبارة «ما خلّونا» التي كانت لسان حال العونيين لكن لم يجهر بها عون يوماً، شكّلت سمة العهد والحجة التي اختبأ وراءها التيار، بينما كان عون يعلم تماما ان صلاحيات رئيس الجمهورية باتت محدودة مقارنة بالماضي قبل اتفاق الطائف حين كان حاكما في نظام شبه رئاسي، حتى أنه لم يستخدم كل صلاحياته التي وفّرها له دستور ما قبل الطائف.

في المرحلة الثانية من العهد حاول العونيون استلام زمام المبادرة من دون جدوى حتى مع النزول الى الشارع لمواجهة أخصامهم، الأمر الذي اقتصر على مناسبات زمنية محددة لم تفعل في صدّ الهجمة الشعبية عليهم التي دفعوا ثمنها تقلصا واضحا في كتلتهم النيابية.

يجادل هؤلاء بأن ما تمخضت عنه الانتخابات كان أفضل الممكن وهم يؤكدون، مع علمهم بعدم صحة الأمر، أنهم يتزعمون الشارع المسيحي بينما الواقع أن الصدارة انتقلت الى خصمهم الأشرس، «القوات اللبنانية»، التي برهنت عن أداء أكثر ذكاء وحتى خبثاً في الحكم ولم تتورط بوحل السلطة وسوئها كما فعل العونيون.

كل ذلك لم يمنع العونيين من الخروج باحتفال شعبي من السلطة موجهين رسالة الى كل من يعنيهم الأمر بأنهم انتقلوا من مرحلة الدفاع والتقية أحيانا، الى الهجوم المرتد والمؤذي للأخصام – الأعداء.

هذا ما يؤكد عليه العونيون في مجالسهم الخاصة ولا يخفون نيّتهم الانتقام من كل من حاربهم مُقرّين بفشلهم في السلطة وحتى في الحكم إذا ما أخذنا في عين الاعتبار أيضاً أدائهم النيابي.

والواقع ان العونيين استهلوا هجومهم المعاكس هذا انطلاقا من استحقاق الانتخابات في 15 أيار الماضي. وسرعان ما بدأت تصريحات مسؤوليهم بالتصاعد تجاه منظومة الحكم التي يحلّ رئيس المجلس النيابي نبيه بري في صدارتها ومعه الزعيم الإشتراكي وليد جنبلاط ومعهما حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وكل من اشترك في الحكم خلال العهد الذهبي للمنظومة خلال تسعينيات القرن الماضي حتى العام 2005.

تحييد فرنجية ثم الإنقضاض عليه

في الليلة نفسها لصدور النتائج وبعد اجتماع «مصالحة» جمعه مع زعيم «تيار المردة» سليمان فرنجية برعاية الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله، أشاد باسيل بفرنجية.

أراد تحييده مؤقتا في وجه القوات المنتشية بالفوز ولتوجيه رسالة بأن محوره خرج منتصراً. بعدها بدأت نغمة معارضة وصول فرنجية الى الرئاسة بالورود على لسان مسؤولي «التيار الحر» وصولا الى الهجوم على فرنجية ووصفه بكونه امتدادا للمنظومة، وهو وصف غير بعيد عن الدقة في كل حال ولا ينفيه فرنجية أصلا.

ad

ليس التسريب الباسيلي الأخير من باريس سوى محطة على طريق توجيه ضربة كبرى لمشروع فرنجية الرئاسي طالما ان الفيتو الذي يضعه باسيل، فعليا وليس دستوريا، يقضي على أي مرشح طامح للرئاسة.

جاء ذلك رغم كل التسريب لدى المحور الذي يتزعمه «حزب الله» بأن فرنجية هو المرشح وتلميح نصر الله شخصيا لباسيل بذلك خلال اجتماعهما الأخير بأن باسيل وفرنجية هما مرشحا الحزب. وبما ان باسيل الخاضع للعقوبات والفاتح للجبهات مع الجميع تقريبا باستثناء الحزب، ليس مثاليا بالنسبة الى الحزب، فإن فرنجية هو المرشح.

بهذا دحض باسيل وعون كل ما قيل عن خضوعهما في النهاية لرأي الحزب في الرئاسة دافعين في اتجاه الاتفاق على مرشح، في المرحلة الحالية، هذا في حال لم يطل الفراغ إذ حينها، وربما في الربيع المقبل، سيكون لباسيل رأيا آخر مع عمله الدؤوب على رفع العقوبات متسلحا بدعم قطري كبير وعمق فرنسي وسيط مع الأميركيين.

الدوحة تؤيّد قائد الجيش

وإذا كانت زيارته القطرية الأخيرة حملت عناوين شتى منها النفطي والرئاسي والعقوبات، فإن متابعين للسياسة القطرية يؤكدون أن الدوحة اليوم ومعها دول خليجية وحتى الغرب وعلى رأسه واشنطن، يعملون على خط قائد الجيش جوزف عون رئيسا.

هنا حسب المسعى الباسيلي، تبدو قطر محل تقاطع بين الأميركيين والإيرانيين وهي التي ستحتفظ بدور كبير في المستقبل انطلاقا من الملف الغازي اللبناني، لكن ليس لاستبدال الدور السعودي الذي يحتفظ بالفيتو على أي تحرك خليجي في لبنان، بل لتمهيد الأرضية أمام دور للرياض لتسوية.. بعيدة زمنياً.

في كل الأحوال تشير هذه القراءة المقرّبة من «التيار الوطني الحر» الى ان الفراغ أو الشغور الحالي لن يكون على شاكلة سابقه قبل وصول العماد عون الى الرئاسة. فالوضع في لبنان لا يتحمّل ترف مرور الوقت وسيضغط الغرب المعني مباشرة بلبنان لتنصيب رئيس للجمهورية، ونتكلم هنا خاصة عن فرنسا التي يحتفظ عون وباسيل بعلاقة ممتازة معها، وعن الفاتيكان بدفع كبير من الكنيسة اللبنانية، ونوعا ما عن الولايات المتحدة الأميركية. علما أن واشنطن وباريس تتريثان بالحل أو التسوية اللبنانية حتى انقشاع ضباب العلاقة مع طهران.

في هذه الأثناء سيكون على «حزب الله» مراعاة خاطر باسيل وعون في هوية الرئيس المقبل وسط إحراج الحزب وأمينه العام تجاه فرنجية، وكان هذا سبب عدم استحصال الأخير على وعد نهائي بترشيحه للرئاسة.

أما لناحية باسيل، فبحديثه المسرّب الأخير يكون تخلّص من ترشيح فرنجية. وحسب مقرّبين منه فإن ترشيح قائد الجيش لهو أهون عليه من ترشيح فرنجية للرئاسة لا بل ان ترشيح ميشال معوض هو حتى أسهل على رئيس التيار الحر من تزكية مرشح المنظومة التي أفشلت حكم الرئيس ميشال عون.

بهجومه المضاد هذا يطرح باسيل نفسه من جديد لاعباً لا غنى عنه في اللعبة السياسية الداخلية بعد أن استوعب الضربات التي وُجهت إليه منذ 17 تشرين. وإذ لم ينتقد قائد الجيش شخصياً كما فعل مع فرنجية الذي عايره باسيل بتقلص حجمه الشعبي، قد يكون جوزف عون مرشح التسوية صاحب الغطاء المسيحي لكن بعد أن يستنفذ باسيل أوراقه الرئاسية الأخرى التي تشمل أسماء يتقاطع الاحترام عليها بين أركان السلطة وهي عديدة.