في العام 2022 صادر وزير المال يوسف خليل مرسوم التشكيلات القضائية الجزئية لرؤساء محاكم التمييز.
يومها تعذّر اتّخاذ ما يَلزم من تدابير بحّق الوزير المذكور، كون الحكومة كانت بحُكم المُستقيلة، عملاً بأحكام المادة 69 من الدستور.
تشكّلت لدى الطبقة السياسية خشيةً، من أن يتكرّر المشهد في الحكومة المُنتظرة.
لكّن الأمر مُختلِف هذه المرّة.
نصّت الفقرة 2 من المادة 69 من الدستور، على إمكانية إقالة أي وزير بمرسوم يوقّعه رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، بعد موافقة ثُلثيّ أعضاء الحكومة.
علماً، أنّه قبل العام 1990 كانت إقالة الوزير تحصل من رئيس الجمهورية مُنفرداً، كما فعل الرئيس فرنجية تجاه الوزير “هنري إدّه” بتاريخ 2 10 1972. وأيضاً العام 1976 مع الوزير “فيليب تقلا” حيث أقاله الرئيس فرنجية وعيّن مكانه الرئيس شمعون.
بالتالي، موافقة ثُلثيّ أعضاء الحكومة على مرسوم الإقالة، قلّص مِن قدرة رئيس الجمهورية على إقالة أي وزير بقرار مُنفرد، كما كان عليه الأمر قبل 1990.
مِن هُنا، ضرورة تعديل أحكام الفقرة 2 من المادة 69 من الدستور، لجهة إسقاط شرط “موافقة ثُلثيّ أعضاء الحكومة” واستبداله بعبارة “بعد اطّلاع مجلس الوزراء” لأن حقّ الإقالة هو حق دستوري مُكرّس لرئيس الجمهورية بالتوافق مع رئيس الحكومة حصراً. ولا يجب أن يكون للحكومة دور مُطلق، كَون ذلك يتناقض مع الصلاحية الدستورية المحفوظة لرئيسيّ الجمهورية والحكومة بتشكيل الحكومة واختيار الوزراء، المنصوص عنها في الفقرة الرابعة من المادة 53 من الدستور.
مع الإشارة، إلى أنّ الرئيس الهراوي أدرك صعوبة إقالة أي وزير مع اشتراط موافقة ثُلثيّ أعضاء الحكومة. لذلك لجأ إلى وسيلة بديلة عبر “تعديل الحقيبة الوزارية للوزير” بمرسوم يوقّعه بالاتفاق مع رئيس الحكومة، دون اللجوء إلى إقالته، كما حصل مع الوزير “جورج افرام” و”بشاره مرهج” تحت عنوان “مَنْ يؤلّف يُعدّل”.
مع التأكيد، أن عملية تبديل الحقائب وتعديلها، لا تستوجب موافقة المجلس النيابي، لأن الحكومة تنال الثقة على أساس بيانها الوزاري.
انطلاقاً من كامل ما تقدّم، إن الخشية من أن يُصادر أي وزير مال أي مرسوم يصدر عن مجلس الوزراء، وعدم توقيعه بحجّة مُعارضته له، لا تستقيم، لأنه في الأنظمة البرلمانية لا توجد مُعارضة داخل الحكومة، كون ذلك يُشكّل خرقاً لمبدأ التضامن الوزاري. بحيث يقتضي على الأقلّية المُعارِضة الرّضوخ إلى الأكثرية مُصدِّرة القرار، وهذا ما أورده الفقية الدستوري الفرنسي جورج فيدل:
“Les délibérations ne se concrétisent pas nécessairement dans un vote, si un vote a lieu, la minorité est censée se rallier à l’avis de la majorité. Il n’ya pas “d’opposition” dans le cabinet. Ce n’est qu’en démissionnant que les dissidents peuvent retrouver leur liberté d’action et de critique”.
فالقرارت التي يتّخذها مجلس الوزارء تُصبِح مُلزِمة لجميع الوزراء دون استثناء. وكل مرسوم يصدر إنفاذاً لهذه المُقرّرات، فالوزير مُلزَم بتوقيعه وإلاّ الاستقالة، فمُصادرة أي مرسوم لم يعُد جائزاً. وتجربة العام 2022 مع الوزير “يوسف خليل” لن تتكرّر.
فأمام رئيس الجمهورية كما رئيس الحكومة صلاحية مُطالبة هذا الوزير المُتخلّف عن التوقيع بالاستقالة الطوعية. وإلاّ إقالته بمرسوم بعد موافقة ثُلثيّ أعضاء الحكومة. وإلاّ تبديل حقيبته بأُخرى بمرسوم يوقّعه رئيس الدولة ورئيس الحكومة.
دون أن ننسى دور المجلس النيابي في المحاسبة عبر طرح الثقة به (المادة 37 و 68 من الدستور) توجيه عريضة اتّهام بحقّه وطلب مُحاكمته أمام المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء (المادة 70 من الدستور).
بالختام، قال ونستون تشرشل: “كلّ شعب في العالم ينال الحكومة التي يستحقّها”. فالشعب اللبناني يستحقّ حكومة فاعلة عادلة، وليس حكومة مارقة فاسقة. بانتظار تشكيل هذه الحكومة، حتى نحكم عليها. والغد لناظره قريب.
