قوميون اجتماعيون أطلقوا يوم أمس «حركة 8 تموز» رفضاً للتعديل الدستوري الأخير الذي أدى إلى انتخاب أسعد حردان رئيساً للحزب لمرة ثالثة. الحركة وعدت باستمرار الخطوات الاحتجاجية والتنسيق مع «أنصارها» في خطط المستقبل. إلا أنّ الوقفة لم تنتهِ من دون عراك قومي ــ قومي فوق ضريح المؤسس أنطون سعاده
أُعدم أنطون سعاده وهو يؤكد: «أنا أموت أما حزبي فباق». لم يزل الحزب، ولكنه انقسم إلى أجنحة عدّة، يُحاول كلّ منها الاستئثار بـ«فكر سعاده». يجمعها الموقف السياسي، ولا يفصل بينها سوى النزاع على السلطة الحزبية.
محاولات الوحدة الحزبية فشلت، ورئيس الحزب المُنتخب بتعديل دستوري، أسعد حردان، لم يتمكن من «استيعاب» المعارضين لخطّه (بينهم شركاء له في الانتخابات الحزبية الداخلية، كعضوي المجلس الأعلى للحزب، الرئيس السابق لـ»القومي» جبران عريجي وأنطون خليل). آخر «الموجات» الاعتراضية كانت «حركة 8 تموز» التي كشفت النقاب عن نفسها أمس، من أمام ضريح سعاده في مدافن مار الياس بطينا في بيروت. «الحركة» تقوم بشكل أساسي على رُكام مجموعة «قَسَم» (قوميون سوريون موحدون) التي أعلنت حلّ نفسها، «بعدما فشلت في المهمة التوحيدية التي انتدبت نفسها لها»، كما يقول أحد الناشطين السابقين فيها إيلي غصان. أول نشاطات «8 تموز» كان تنظيم وقفة «لمناسبة ذكرى اغتيال سعاده ورفضاً لاغتيال الدستور» (الذي عُدّل للسماح لحردان بالترشح لولاية ثالثة). حاول المنظمون حشد القوميين «فتمكنا من جمع قرابة 400 شخص من كلّ المناطق. قمنا بتعدادهم وهم يدخلون ويخرجون»، استناداً إلى المهندس تموز قنيزح. ما حصل أمس هو «انطلاقة مشروع نهضوي جديد. سنسعى خلال أسابيع إلى استكمال الخطوات العملية».
ينتقد غصان عريجي وخليل: ينتظران قرار المحكمة الحزبية وموقفهما رمادي
القوميون «التصحيحيون» لم يكونوا وحدهم أمس. فأمام ضريح سعاده وقف ثلاثة شبان يرتدون لباساً موحداً، يحرسون ثلاثة أكاليل وُضعت، في ذكرى إعدام سعاده في الثامن من تموز، باسم حردان، رئيس وأعضاء المجلس الأعلى ومجلس العُمد في الحزب. إلى جانب هؤلاء كان زميلان لهما يُراقبان الحضور، وأحدهما يُصور المشاركين بهاتفه. أما «المُشرف» على عملهم، فقد اتخذ من قبالة الضريح مركزاً له. هؤلاء هم «شباب أسعد (حردان)»، كما زعم الحاضرون. في البداية، لم يُثر وجودهم أي قلق: «ما بيسترجوا يعملوا شي. في إعلام عم بيصوّر». «حراس الأكاليل» لم يقوموا بأي عمل استفزازي، فلم يُمانعوا مثلاً أن يتم تصويرهم، وحين تسألهم عن سبب وجودهم، يردّون: «نحن نُنفّذ الأوامر. تكلمي مع المسؤول عنا». أوحوا كأنهم جُزء من التحرك: ساعدوا في إيصال مذاييع وسائل الإعلام إلى عريف الاحتفال، وشاركوا في تأدية التحية لـ«الزعيم» بصوت بدا خارجاً من أعماق صدورهم. إلا أنّ وجودهم أثار «امتعاض» بعض المشاركين الذين وجدوا فيه محاولة لـ«تنفيس» تحركهم، فدعوا إلى نقل إلقاء الكلمة إلى مكان بعيد عن الضريح. «الكلمة تُلقى أمام الضريح وكُلنا رفاق»، حُسم النقاش.
«الاحتكاك» الأول حصل مع وصول إكليلَي «8 تموز». خاف «الحراس» من أن يكون وضعهما على حساب أكاليل «المركز». بعدما «طُمئنوا» إلى أنه ليس هذا الهدف، ساعدوا في وضعهما فوق الضريح. ولكن ما إن أنهى قنيزح إلقاء كلمة «8 تموز» وبدأ المشاركون يأفلون خارجين، حتى أزال «الحراس» الإكليلين، ما دفع ابنة الشهيد محمد سليم إلى الاعتراض، فكانت أولى «الضحايا». أما المُعتدى عليه الثاني فكان المُصوّر في قناة «أو تي في» إيلي الدكاش، فنال ضربة على رأسه ودُمّرت كاميرته لمُجرد أنه كان يُصوّر العراك القومي ـــ القومي. بعض «المصلحين» حاولوا إنهاء ما حصل بترداد «كلنا رفاق»، والطلب من الحاضرين مغادرة المكان. عدد من الشبان رفض «الانسحاب» قبل تأدية التحية للمدفن. أما «الحرُاس» فاستنكروا «تهديدنا وتدنيس قدسية الضريح».
هرج ومرجٌ ساد فوق ضريح «الزعيم»، من دون إقامة أي اعتبار للمكان. بعيداً عنهم، كانت سيدة سبعينية تسير مغادرةً. تحني رأسها وهي تُلقي هامتها الصغيرة على عصاها. أليسار أنطون سعاده أتت تُشارك في الاعتراض على تعديل الدستور. ترفض نقل أيّ كلام عنها، كونها لا تحمل مسؤوليات حزبية حالياً. ولكن جُلّ ما تُريده هو «الحفاظ على أمانة سعاده».
النفوس محتقنة بين القوميين. يقول إيلي غصان إن «ما حصل هو نتيجة تراكمات. أردنا أن يكون تشكيل السلطة فرصة لوجود رأيين في الحزب، ولكنهم أقفلوا كل المنافذ». ما يجمع القوميين هو «دعم المقاومة وقتال التكفيريين. لا منّة فيهما لأحد». ولكن هناك خلاف حول الأداء السياسي، «في لبنان عقيدتنا ترفض النظام الطائفي والمحاصصة، إلا أن إدارة الحزب التصقت بهذا النظام ولم تترك هامشاً للمعارضة». أما في الشام «فنحن معنيون بترسيخ وحدة المجتمع والبحث في مستقبل الشام ما بعد الحرب. نحنا مندفع شهداء، وبعدين؟». ماذا عن التنسيق مع عريجي وأنطون خليل الذي قدم طعناً ضد التعديل الدستوري؟ يجيب غصان: «هذا الفريق مُتحفّظ وينتظر قرار المحكمة الحزبية بالطعن. موقفه رمادي».
وكانت قيادة الحزب السوري القومي الاجتماعي قد أصدرت بياناً أكدت فيه أنّ «زيارة ضريح أنطون سعاده حق طبيعي لأيّ قومي أو مواطن في سياق توجيه التحية لفكره وعقيدته». وأوضحت أن «الإشكال الذي حصل أمام الضريح هو بسبب محاولة أشخاص نزع أكاليل زهر كانت قيادة الحزب وضعتها عليه بالمناسبة، وبسبب المس بقدسية الضريح، وهذا يعتبر عملاً شائناً ومداناً». واستنكرت الاعتداء على مصوّر قناة «أو تي في».