Site icon IMLebanon

جنبلاط ومن معه فشلوا في تطويق وتطويع العهد

يمرّ النظام السياسي اللبناني بأزمة وجوديّة خانقة عنوانها قانون انتخابات. الجميع في سباق مع الوقت الذي أصبح داهمًا، ففي الرابع والعشرين من الشهر الجاري تنتهي مهلة الإقرار، ويدخل لبنان أمام مرحلتين، إمّا أن يتم الاعتماد على مشروع جديد وعد رئيس الجمهوريّة العماد ميشال عون اللبنانيين به، يتوّج به عهده، أو العودة إلى قانون الستين ويراهن النائب وليد جنبلاط على عامل الوقت للعودة إلى هذا القانون علماً انّ رئيس الجمهوريّة لن يوقّع عليه، فتدخل البلاد مرحلة فراغ دستوريّ كبير.

بعض الأوساط المسيحيّة استغربت التهويل المتعمّد من إمكانية حصول فتنة مسيحيّة – درزيّة على مستوى الجبل بحال لم يطبّق قانون الستين معدّلاً، وجاء هذا الكلام مترافقًا على ما ورد من جنبلاط نفسه، بأنّه لن يسمح لأحد بإدخال صناديق الانتخاب إلى «مناطقنا» إذا لم يعودوا إلى الستين معدّلاً. وتستنتج تلك الأوساط بأنّ وليد جنبلاط بهذا الكلام الصادر عنه أعلن العصيان على أي قانون يمكن إقراره خارج إطار ما يشاء أي قانون الستين.

وترى تلك الأوساط بأنّ هذه الفكرة لن تكون واردة ومطروحة لا من قريب أو بعيد. وتستند في ذلك على أصوات درزية وازنة أخرى بدأت تعلو بوجه جنبلاط تتهمه بالاستئثار بقرار الطائفة الدرزيّة كصوت فيصل الداوود وصوت وئام وهّاب، وقد لفتت النظر معارضة الأمير طلال أرسلان الصامتة. هذه الأصوات التي بدأت تعلو بوحه جنبلاط محملة إياه مسؤولية اخذ الطائفة الدرزية نحو المجهول بفعل رهاناته الخاسرة واندراجه في داخل الصراع السوريّ. وترى تلك الأصوات وهذا ما جاء على لسان فيصل الداوود وفادي الأعور من كتلة التغيير والإصلاح وقبلهما الوزير السابق وئام وهّاب بأنّ النسبيّة من شأنها أن تحمي الدروز ومعظم الأقليّات في لبنان وليس العكس إطلاقاً. وتؤكّد هذه المواقف بأنّ قانون الستين كرّس هيمنة آحاديّة على الجبل وعلى الطائفة، هذا لا يعني أنّ جنبلاط لا يتمتّع بحضوره ولكن في المقابل لا يستطيع التعامل مع الطائفة باستئثار قرارها وكأن الآخرين غير موجودين بحيثياتهم وحضورهم.

وفي المقابل أيضًا توقفت الأوساط عند عشاء «بيت الوسط» بين رئيس الحكومة سعد الحريري والدكتور سمير جعجع قبل وفاة والدته، بحضور وزير الإعلام ملحم رياشي ووزير الثقافة الدكتور غطاس خوري، وفي هذا العشاء تمّ البتّ بمسألة قانون الانتخابات بصورة مدقّقة واتفق الطرفان كما رشح من المصادر المشاركة في العشاء على دعم موقف رئيس الجمهوريّة العماد ميشال عون حتى الأخير معتبرين في الوقت عينه بأنّ الكلام في هواجس جنبلاط شرعيّ، ولا يمكن إبادة تلك الهواجس إلاّ بقانون واضح يؤكّد المناصفة والنسبيّة في آن واحد، وقد اتفق الطرفان على طرح القانون المختلط على دفعتين أو تبنّي ما سمي بمشروعي نجيب ميقاتي أو مروان شربل بحال وجد القانون المختلط معارضة شاملة بدءاً من التيار الوطنيّ الحرّ أو رئيس الجمهوريّة وهو غير متحمّس له. وغالباً وبحسب ما اتضح بأنّ مشروع نجيب ميقاتي أو مشروع مروان شربل يبدو الأوفر حظّاً بحسب مصادر رئيس الجمهوريّة والتيار الوطنيّ الحرّ.

يتضح إذاً وبحسب المعطيات المتوافرة بأنّ محاولة تطويع عهد الرئيس قد باءت بالفشل الذريع، لينقلب السحر على الساحر. لقد حاول كثيرون وبحسب أوساط قريبة من رئيس الجمهوريّة تأليب الرأي العام على رئيس الجمهوريّة وعلى الحكومة بسلاح التهويل بأزمات اجتماعيّة وخضّات أمنيّة تصاحب الجدال في مسألة قانون الانتخابات، والأزمات الاجتماعيّة واضحة من حيث عناوينها كالنفايات والماء والكهرباء. ويعتقد كثيرون بأنّ هذا سلاح ذو حدّين بإمكان استهلاكه واستعماله أن يقود البلد إلى الانفجار، فيما رئيس الجمهوريّة صلب في مواجهته ولن يقبل على الإطلاق باستعمال حاجات الناس ولقمتهم في محاولة يائسة للتطويق والتطويع. وفي المحصلة رئيس الجمهوريّة صلب في رأيه وموقفه من قانون الانتخاب وموقفه مستند إلى المنطق بالدرجة الأولى ويطلّ به على عملية بناء الدولة والمؤسسات والنظام والكيان، ومعظم اللبنانيين داعمون لهذا التوجّه السليم والمنتظر منذ أزمنة طويلة وموقف الرئيس مستند بدوره على آراء واضحة من كلّ الطوائف وهي داعمة، وبخاصة من الطائفة الدرزيّة، لقد تحوّل وبحسب تلك الأوساط المطوِّق إلى مطوَّق داخل بيئته، وبينت وسائل التواصل الاجتماعيّ أيضًا مدى تململ الرأي العام المسيحيّ من مواقف جنبلاط.

على هذا أجرت أوساط أخرى تعتبر من الخطّ الوسطيّ جردة حساب حول مسألة الربح والخسارة على مستوى قانون انتخاب ليتضح ما يلي:

1-خسر وليد جنبلاط ومن سانده من قوى سياسيّة معركة تطويق العهد بموقفه المتعنّت والرافض للنسبيّة والمتشبّث بقانون الستين معدّلاً، فتم تطويقه في الوقت عينه بموقف الرئيس المصرّ على النسبيّة والأرجح وبحسب مصدر مقرّب من الرئيس أن يكون القانون المتبع قانون النسبيّة مع خمسة عشر دائرة.

2-خسر وليد جنبلاط معركة تطويع العهد، ليرى نفسه خالي الوفاض، فالرئيس الحالي معروف عنه عناده، ولن يجاري أحدًا على حساب عهده ورئاسته وعلى حساب لبنان ومحاربة الفساد.

3-لقد ظهر بأنّ اتكاله على وساطة يقوم بها حزب الله تجاه الرئيس والتيار الوطنيّ ضمن مبدأ محاكاة الهواجس المتصلة بالخصوصيات، بات صعبًا بل أجوف، فالحزب قال كلمته بشفافية مطلقة وهو مع النسبيّة بلا تراجع، وهذا الموقف ظهر خلال بيان كتلة الوفاء للمقاومة.

4-لقد ظهر تكتّل صلب ومتين مقابل وليد جنبلاط مؤلّف من التيار الوطنيّ الحرّ والقوات اللبنانيّة وتيار المستقبل مساند ومؤيّد لرئيس الجمهوريّة في معركة قانون الانتخابات مما يعزّز موقع الرئيس ويرسّخه أكثر، وفي كلّ الاتجاهات تمّ دفن قانون الستين بشكله الحاليّ أو معدّلاً.

5-كل من عارض مفهوم النسبية وعارض العهد بتوجّهه بات في موقع المطوّق، وليس في موقع المعزول، فالعهد لا يعزل أحداً ولكنه لا يُعزل من أحد وتلك مسلّمة استراتيجيّة ناجزة لا يسوغ الكلام فيها على الإطلاق.

6-لقد اتضح لتيار المستقبل وبخاصّة لرئيسه سعد الحريري بأن النسبية بإمكانها أن تكون ورقة رابحة لا سيما في طرابلس على وجه التحديد حيث يسهل بها إزاحة خصومه الجدد كاللواء أشرف ريفي وفي عكار كخالد الضاهر سيّما وانّ الناس مجّت كل خطاب متشنّج فيما المنطقة رست على واجهة تبدو فيه القوى المؤثرة في الداخل كإيران هي السائدة في المعادلات الجديدة.

وتساءلت أوساط مسيحيّة قريبة من التحالف القواتيّ-العونيّ، لماذا أصرّ وليد جنبلاط بالعودة إلى قانون الستين معدّلاً، وحين كان المسيحيون يطالبون بتطبيق الطائف كان مع أقطاب آخرين يستهزأون بهم بل يعمدون على اضطهادهم في حقبة التسعينات متكلين على الدعم السوريّ المقدّم لهم سواء من اللواء غازي كنعان أو فيما بعد من اللواء رستم عزالي، فتمّ سحقهم في الشوارع والأزقّة، وشبّه للناس بأنّ الأمور ستتغيّر فور مصالحة الجبل وبعد اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري وتنفيذ القرار 1559 الآيل بخروج سوريا من لبنان، فيما عمليّة تهميش المسيحيين وبعد خروج سوريا ظلّت مستمرّة وبوحشية مطلقة عبر أكل لحمهم كما قال إيلي الفرزلي نائب رئيس المجلس النيابيّ سابقًا في حديث تلفزيونيّ أمس الأوّل؟ وتكمل تلك الأوساط ردّها على النحو التالي: «لقد اتضح من خلال الوثائق الدامغة، بأنّ من انقلب على الطائف هم الذين أكلوا من حقوق المسيحيين في لبنان على كلّ المستويات، وجعلوا لبنان والنظام فيه «بيتًا بمنازل كثيرة»، لقد ولّى هذا الزمن إلى غير رجعة بوجود رئيس كالعماد ميشال عون على رأس السلطة العاكف على التعاون مع الجميع لإيجاد صيغة سياسيّة تحفظ التوازن في البلد وتبني المؤسسات وتكافح الفساد وتحمي لبنان من التسيّب الأمني. وتؤكّد تلك الأوساط بأن ما جاء على لسان نائب رئيس القوات اللبنانيّة النائب جورج عدوان بعيد جلسة الأسئلة الموجهة للحكومة انطلق من تلك الرؤى وصبّ في هذا الاتجاه».

ماذا بعد؟ تؤكّد معلومات بانّ لبنان متجه إلى معارك سياسيّة ضارية بين مفهومين متوازيين وغير متوازنين ولا متلاقيين سواء في الشكل أو في المضمون. في النتيجة لقد تم تطويق وليد جنبلاط على كلّ المستويات، والتطويق لم يتمّ بناء على رغبة الرئيس أو أحد، بل بناء على إصراره باستبقاء الجبل بمكوناته ضمن سيادته وتحت قبضته. وتتفرّد بعض الأوساط بالإشارة إلى قضيّة المطران الياس نصّار على اعتبارها إحدى الحلقات ضمن دائرة النزاع المفتوح بين الرئيس وجنبلاط على عناوين عدّة. فمسألة المطران نصّار ليست كنسيّة بحتة، وإثارتها في هذا الظرف بالذات ينتمي إلى هذا الصراع، ويؤكّد المؤكّد وهو أن وليد جنبلاط يريد قرار الجبل له، ويمنع من ترميم مطرانية بيت الدين وسكن المطران فيها. وعلى الرغم من ذلك ثمّة معارضة لرؤيته من قبل التحالف المسيحيّ والمستقبل وحزب الله ومن الدروز المعارضين له.

وإذا تم إقرار مشروع كمشروع الميقاتي أو شربل، أو أيّ مشروع يحقق صحّة التمثيل بأكثرية واضحة وقام جنبلاط بمعارضته وإعلان العصيان عليه، على حساب ما صدر عنه بأنّه سيمنع بالقوة إدخال صناديق الاقتراع فلن يكون بمقدوره الاتجاه نحو المنع، فقرارات الدولة تنفيذيّة والأمر في النهاية سيكون للدولة بسلطاتها وأجهزتها. فميشال عون الرئيس غير بقيّة الرؤساء ويملك الأوراق التي تخوّله بالتنفيذ والتجسيد. وحين يعد يفي. والخيار الأخير يبقى بين قانون يؤمّن عدالة التمثيل للجميع أو الفراغ، والفراغ سيكون  طريقًا نحو مؤتمر تأسيسيّ وتكوينيّ للنظام السياسيّ اللبنانيّ.