بعضُ الذين سمعوا النائب وليد جنبلاط يقول: «شو صاير عليه» السيّد حسن نصرالله ليعلن المواقف العالية السقف ضد السعودية، قالوا أيضاً: «شو صاير عليه» وليد بيك لينتقد نصرالله على خطابه «المَوْتور» ويهدِّد الهدنة القائمة بينهما!
جنبلاط يخشى تداعيات خطِرة في الأسابيع المقبلة، على اللبنانيين في الخليج يَسأل كثيرون: هل إنّ جنبلاط مضطرّ، مِن وراء مواقفه الداعمة للسعودية في اليمن، إلى فتح جرحٍ كان نجَح في إقفاله مع «حزب الله»؟ وهل يتحمَّل جنبلاط أن يعكِّر صفوَ علاقاته مع «الحزب» حاليّاً، فيما هو «يُقَطِّع المرحلة» بالحدّ الأدنى من الأضرار؟
في الأيام الأخيرة، وجَد زعماء لبنانيّون، سُنّة وشيعة في الدرجة الأولى، ثمّ دروز فمسيحيّون، أنّهم مجبَرون على خوض معركة اليمن، ولو على مسافة 2000 كلم من أرض المعركة الأصلية. لماذا؟
– أوّلاً، لأنّ كلّاً من إيران والسعودية تريد أن تبرز قوّتها، الواحدة في وجه الأخرى، في لبنان وسوريا والعراق وسائر الشرق الأوسط.
– ثانياً، لأنّ البعض في لبنان مضطرّ إلى تجديد أوراق اعتماده أو ولائه إلى القوّة الإقليمية التي يتلقَّى منها الدعمَ السياسي أو العسكري والمالي.
ولذلك، لوحِظ أنّ سقف الخطاب السياسي والإعلامي الذي اختارَه المتصارعون في لبنان عالٍ جدّاً، وفيه جرى ابتداع أساليب الفصاحة والبلاغة. ومِن حظّ لبنان أنّ المطلوب من هؤلاء، حاليّاً، خوض المباراة على المنابر، لا في الشارع.
لكنّ جنبلاط، من خارج الاصطفاف المذهبي السُنّي- الشيعي، هاجَم الدورَ الإيراني في اليمن وأيَّد السعودية. واللافت أنّ هذا الموقف لم يتسَبّب باحتكاك مباشَر بينه وبين «حزب الله».
فقد أعلنَ جنبلاط تموضُعاً مخالِفاً لتموضع «الحزب» في اليمن، على غرار التموضع المخالف في سوريا. لكنّه لا يريد التسَبُّبَ بانهيار هدنتِه المعقودة مع «الحزب» في السنوات الأخيرة.
ويقول المتابعون إنّ حسابات عدّة يأخذها جنبلاط في الاعتبار:
1- حاوَل جنبلاط في بدايات الأزمة السورية أن يَطرح نفسَه وسيطاً في التسوية، لكنّه فشِل. وهو يطمح أيضاً إلى إنجاز التسوية في اليمن وقطفِ ثمارها. لكنّ التسوية هناك صعبة حاليّاً. ولذلك، هو يبحث عن التموضع الأفضل سياسياً خلال الأزمة، أو على الأقلّ تمريرها بأقلّ الأضرار.
2- يَخشى جنبلاط أن تتركَ الأزمة اليمنية تداعيات خطِرة، في الأيام أو الأسابيع المقبلة، على اللبنانيين العاملِين في الخليج. فمِن خلال الدور الانفتاحيّ الذي يتبنّاه الرئيس نبيه برّي، سيكون ممكناً إنقاذ العديد من المصالح الشيعية الحيوية هناك. وأمّا الدروز، فسيتكفَّل جنبلاط بحمايتهم، انطلاقاً من مقولة «عند تغيير الدوَل إحفَظ رأسَك»!
3- بذلَ جنبلاط في الأشهر الأخيرة جهوداً حثيثة لتطبيع العلاقات مع السعودية، ومَحْوِ السلبيات التي خلّفَها تسبُّبه بإسقاط حكومة الرئيس سعد الحريري قبل 4 سنوات. ومع العهد السعودي الجديد، تبدو الفرَص سانحةً لتصحيح الخللِ تماماً.
4- في مقلبٍ آخر، يلتزم جنبلاط منذ الصيف الفائت نهجاً حذِراً في سوريا، يُهادنُ فيه «جبهة النصرة»، لحماية الدروز هناك. وأيّ تأييد منه لإيران في اليمن كان سينعكس سلباً على دروز سوريا.
وهكذا يكرِّس جنبلاط تموضعَه في الملف اليمني، على غرار تموضعِه في الملف السوري. وهو يطمح إلى أن يربحَ شيئاً من السعودية، من دون أن يخسرَ شيئاً مع إيران. وفي الحالين، هو يتحسَّب للأسوأ في الملف اليمني ومستقبل الصراع في الخليج.
ويريد جنبلاط أن يبقى بيضةَ القبّان في الميزان المذهبي بين السُنّة والشيعة في لبنان. وفي تقديره أنّه سينجح. فـ»المستقبل» يَسهُل إقناعه عاطفياً، و«حزب الله» يَسهُل إقناعه براغماتياً. وعادةً، يبرَع جنبلاط في اللعب على الوترَين العاطفي والبراغماتي في آنٍ معاً.