الأضواء مسلّطة على معركة القلمون، الاستعدادات على قدم وساق، وأخبار الحشود تكاد تكون بالصوت والصورة، وساعة الصفر بين عشيّة وضحاها.
ولا صوت يعلو فوق صوت المعركة، لا نصيحة ولا وساطة، بل تحشدات وتعزيزات، بعضها له ما يبرره، كالانتشار الدفاعي للجيش، حماية للقرى البقاعية المتاخمة لخط النار القلموني، وبعضها الآخر يصبّ كنهر العاصي، بعيداً عن منابعه اللبنانية.
بعض ذوي النوايا الوطنية الطيّبة، يتحرّكون عبر وسائل الاعلام، بأمل استبدال وحشيّة القتال بوحشيّة مقارعة الحجة بالحجة، وهذه الوصفة تصلح لأمراض الاقتتال المتفشية في العالم العربي اليوم، ولكن على من يقرأ مزاميره داوود، فالحرب هي الطبيعة البشرية في أقصى شراستها، والانسان من الوجهة البيولوجية من أكثر حيوانات الافتراس دموية، وهو الوحيد الذي يهاجم فريسته التي هي من جنسه، بطريقة منتظمة.
ومشكلة المشاكل عندنا اننا في بيئة تعيش الماضي بأفراحه وأتراحه، بعسره ويسره، ومن ينظر الى الماضي دائماً، لا يتقدم.
والذين يتداولون بساعة صفر معركة القلمون اليوم، بأهدافها السورية وارتداداتها اللبنانية يوحون للناس بأنها معركة الحزم أو آخر المعارك، وهذا يرضي الناس الباحثين عن مهرب من هذه الدوامة الدامية، بعدما أدخل في روع البعض منهم انها خاتمة الأثافي، هؤلاء ليسوا من أنصار الحرب، ولا ما تخلّفه الحرب، انما هم من أنصار الحل، وان راهنوا على المعركة القلمونية، فانما من قبيل الاعتقاد بأنها باتت السبيل الوحيد الى الحل؟..
بيد أن هؤلاء لا يتساءلون كم معركة قلمون خاض النظام السوري وحلفاؤه في لبنان، حتى الآن؟
واللافت فيما يجري على حدود لبنان الشرقية، هو غياب الدولة اللبنانية، التي تلعب دور الشاهد اللي ما شافش حاجة… لا وساطة، لا تدخّل، لا نصيحة، ولا حتى كلمة سواء، تبعد اللبنانيين عن سفح البركان السوري المتفجّر…
على العكس فان بعض وسائل الاعلام وبالتحديد اعلام التيار الوطني الحر، قال ان ما يجري في القلمون انما يتم وفق خطة تنسيق بين الجيش اللبناني والجيش السوري وحزب الله…
وهذا القول مرّ في اذاعة صوت المدى مرور الكرام، ولم يقابله تصحيح أو توضيح، خدمة لسياسة النأي بالنفس، على الأقل…
بعض الأوساط المتابعة استبعدت الأمر، ورجحت ان يكون الغرض من الاضاءة عليه مقاربة ملف قيادة الجيش العالق بين التعيين الذي يصرّ عليه العماد عون والتمديد للقيادة الحالية، كما تحبّذ بعض القوى، ومنها حزب الله، حال تعذر التعيين لسبب من الأسباب.
حديث التنسيق بين الجيشين، طرح موضوع الاستراتيجية الدفاعية، التي كان يمكن ان يكون التنسيق جزءاً منها، لكن قبل أن ينعيها وزير العدل اللواء أشرف ريفي باعتبارها جزءا من أدبيات الماضي، معتبراً ان السلاح غير الشرعي، لا يمكن أن يشرّع أبداً، أما الاستراتيجية الدفاعية فهي شأن الجيش اللبناني وحده.
الاستراتيجية الوطنية الصحيحة من وجهة نظر وزير العدل أساسها خروج حزب الله من المحرقة السورية، مع الاعتذار من الشعب السوري وترك الجيش اللبناني يتحمّل مسؤولياته، قبل أن تقع الواقعة، التي تبدو واقعة لا محالة.
ومن مكوّنات وقوعها، ما يجري داخل المحكمة الدولية، وما يترتب على ما يقال أمام قوس هذه المحكمة، من ارتدادات قاتلة لرجال المرحلة السورية في لبنان، المشتبه بأدوارهم في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري وصحبه.
وما قيل أمام هذه المحكمة حتى الآن، لن يقارن بما سيقوله النائب وليد جنبلاط اليوم وغداً وبعد غد وبعده، وفي رأي الأوساط المتابعة أن شهادات جنبلاط أمام هذه المحكمة الدولية، لا يمكن التغطية عليها، حتى ولو بفتح معركة القلمون الآن…
وثمة مثل هندي يقول: مطاحن الله تطحن ببطء، لكن بشكل جيّد…
