مرتكب “الجرم” مؤسسات من كل “حدب وصوب” و”الخير لقدّام”
أجّجت كلمة رئيس الجمهورية ميشال عون مساء أمس الأول نيران الشارع المشتعلة، وأقفل الثوّار مجدداً كل الطرقات، وتفاقم الوضع عمّا كان عليه في أول ايام الثورة. وبدلاً من أن يتّجه السياسيون الى حلحلة الوضع والبدء بمشاورات التكليف لتشكيل الحكومة للحدّ من الإتجاه الإنحداري بقوّة والذي يُنذر بالإفلاس اذا لم يتمّ وضع حد له، ها هي البلاد تتّجه نحو مزيد من التأزّم ما يعني المزيد من عمليات الـ haircut على رواتب العمال وتفاقم عدد العاطلين من العمل تزامناًً مع سياسة المؤسسات وحتى المصارف التقشّفية، ما يرفع نسبة البطالة الى عتبة الـ 50% وفق أقلّ تقدير.
لا يسعنا سوى القول إن الوضع قابل للتعافي، اذا ما تمّ “ترسيم الحدود السياسية” وفقاً لتوجّهات الثوّار. الأمور اليوم نحو المزيد من التفاقم، ما لم يَحصل خرق سياسي، والذي يبدأ بالإستشارات وتوفير الأمن كي تبادر الدولة ومعها المصارف الى استعادة الثقة في الداخل والخارج من خلال إجراءات قصيرة ومتوسطة الأمد أعدّها مصرف لبنان.
من هنا، الأزمة وفقاً للمصرفيين ليست أزمة إفلاس بنوك بل أزمة تخويف من الوضع النقدي، مع التذكير هنا أن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة صوّب على الدولة اذ اعتبر أنها هي من “تجاوزت الإنفاق وليست المصارف”، بما معناه أنها أخفقت في ايراداتها والسبب الأساسي هو عدم الالتزام بمفهوم الدولة الصحيحة.
الخلل في المالية العامة الذي أثقل بدوره كاهل الإقتصاد ودفع بالمؤسسات والشركات الخاصة الى اعتماد الـPlan B في عملها وحتى الـC في زمن الأزمات والذي يقضي بالحدّ من نفقاتها عبر التقشّف بهدف الصمود وتفادي الإقفال، وانتشرت هذه الظاهرة في جسم الإقتصاد في الأسبوع الثاني من بدء الثورة.
التدابير التقشّفية
تدابير اصحاب المؤسسات الخاصة انقسمت الى ثلاثة أقسام:
– منهم من عمد الى الصرف الجماعي من العمل على خلفية أن قانون العمل يقف في صفّ ربّ العمل في المادة 50 منه، اذ أجاز لربّ العمل الصرف لأسباب إقتصادية.
– آخرون عمدوا الى إجبار الموظفين على الحصول على إجازاتهم السنوية مع تسديد نصف معاش هكذا يسددون نصف راتب تمهيداً للصرف في مرحلة لاحقة اذا طالت الأحداث ولم يتم تشكيل الحكومة….
– قام قسم من أرباب العمل بخفض ساعات العمل ومعه الراتب الشهري، في حين تحججّ عدد منهم بتلكؤ العمال عن أداء وظيفتهم خلال مرحلة إقفال الطرقات، فبادروا الى حسم تلك الأيام من رواتبهم الشهرية (الأمر المسموح قانوناً) أو الصرف (خلافاً لقانون العمل) من دون أي مراعاة لحق العامل في التعبير عن توجهاته وخياراته.
أكثر من 20 مؤسسة تمّ التداول بها صرفت تعسّفياً موظفين، أولاها مؤسسة L’ abeille d’or، مصرف BLC، ومؤسسات مقاولات وأخرى صناعية وتجارية… كما تمّ تسديد نصف معاش لأهم المطاعم مثل Paul والفنادق مثل فينيسيا ومؤسسات تلفزيونية لا سيما الـLBC و”الجديد”…
أصحاب تلك المؤسسات كانوا يئنّون قبل 17 تشرين الأول فكيف بالحري بعد هذا التاريخ؟ فهل يترتب على ربّ العمل تسديد تعويضات في ظلّ الظروف الإقتصادية التي تثقل كاهله، وما هي الموجبات المترتبة عليه؟
موجبات ربّ العمل
يوضح القاضي الياس ناصيف، وهو مستشار في “جوستيسيا” للمحاماة، أن “قانون العمل اللبناني أوجب على ربّ العمل أن يسدّد تعويض صرف تعسّفي يقدّر من راتب شهرين الى إثني عشر شهراً وفقاً لما يقرّره مجلس العمل التحكيمي الذي يأخذ في الإعتبار نوع العمل وسنّ العامل ومدّة خدمته ووضعه العائلي والصحّي ومقدار الضرر ومدى الإساءة في استعمال الحق”. هذا طبعاً عدا أشهر الإنذار التي تصل الى أربعة إسوة بسنوات العمل.
ويضيف: “لكن التذرّع بالظروف الإقتصادية الصعبة يدفع بصاحب المؤسسة والعامل الى التوافق والتوصّل الى حلّ حبّي ولو جاء ظالماً للعامل، طالما أن رفع دعوى امام مجلس العمل التحكيمي يستغرق وقتاً طويلاً قبل البتّ به”.
وبذلك إن وزارة العمل التي تلعب دور الوسيط غير قادرة على القيام بدورها بشكل فعّال والوقوف الى جانب العامل طالما أن القانون لا ينصفه، من دون أن ننسى أن الشركة التي هي في ظرف صعب اقتصادياً، قد تقدم بعد حين من خفض النفقات والصرف على الإفلاس ويكون فعلياً “اللي ضرب ضرب واللي هرب هرب”، و”عصفور باليد ولا عشرة على الشجرة”. هذه الصورة تطرح تساؤلات حول نسب البطالة التي ستسجّل في صفوف الشباب، اذ بلغت قبل بدء الثورة نسبة 35% في جيل الشباب الخرّيجين!!!!
تدهور الإقتصاد
عن ذلك قال الخبير الاقتصادي وخبير تنمية الموارد البشرية فادي جواد لـ”نداء الوطن” إن “ما شهده لبنان خلال السنوات الثلاث الماضية يمثّل تدهوراً للوضع المالي والاقتصادي في البلاد وخصوصا على مستوى القطاع الخاص، واعتماد الاقتصاد الريعي وعدم تحويله الى منتج أدى الى عجز في الميزان التجاري بلغ نحو 17 مليار دولار، وفاقم البطالة الى نسبة 40% منذ أشهر”.
أضاف: “في الاسبوعين الأوّلين من التظاهرات، لامست البطالة نسبة 50% من القوى العاملة اللبنانية خصوصا بعد عمليات الصرف الضخمة التي سارعت كبرى المؤسسات الى الشروع بها”. وشبّه القطاع الخاص في لبنان “بمريض السرطان في مراحله الاخيرة، ويحتاج الى معجزة كي يتعافى”.
بانتظار حصول تلك المعجزة من خلال تشكيل الحكومة وضبط الشارع والدعم الدولي، يرى جواد أن “الحلّ لمشكلة البطالة هو “وضع خطة وطنية شاملة لتوجيه ومساعدة الشباب اللبناني وتعريفه على وظائف المستقبل عبر وزارات العمل والاقتصاد والشباب والرياضة ومن ثم المدارس، والجامعات عبر تقديم تخصصات المستقبل”.