مع اشتداد الأزمة الاقتصادية والتّخلف عن تسديد مستحقّات المجالس البلدية السابقة، الممدّد لها مرَّتين، من الصندوق البلدي المستقل، عدا عن انهيار قيمتها، انطلق البحث عن مخارج إنقاذية تساعد البلديات على تسيير أعمالها، ولو بالحدّ الأدنى.
ليأتي اقتراح قانون «تفعيل البلديات» الذي تقدّم به عدد من النواب في حزيران 2024، تحت الخوف من تمديد جديد. فصِيغ مقترح قانون، هو «ابن اللحظة»، من ستّ مواد بعنوانين أساسيين هما: تمكين البلديات المُنحلّة والقائمة من إعادة تكوين نفسها وتأمين مداخيل جديدة لها أو إطلاق يدها في تعديل قيمة عدد من الرسوم القائمة حالياً.
منتصف حزيران 2024، أُحيل مشروع القانون إلى اللجان النيابية المشتركة التي انبثقت عنها لجنة فرعية لدراسته. استلزم الأمر أربع جلسات متتالية، خرج منها مقترح القانون بصيغة جديدة مغايرة تماماً لما كانت عليه، حتى إنّ القول يصحُّ إن مقترحاً آخر أكثر واقعية نتج عنه، وهو الذي أُقرَّ أخيراً في المجلس النيابي تحت عنوان «تفعيل البلديات»، باستثناء تعديل طفيف قضى بشطب كلمة واحدة من الفقرة الرابعة.
في التقرير المُفصَّل الذي أوردته اللجنة الفرعية، أُلغيت المادتان الأولى والثانية المتعلقتان بـ«إعطاء أعضاء البلديات المستقيلين من البلديات القائمة أو المُنحلّة مهلة 15 يوماً للعودة عن استقالتهم (…) وإعادة إحياء هذه المجالس بإعادة انتخاب رئيس ونائب رئيس»، وكذلك الحال بالنسبة إلى المجالس القائمة والمُمدّد لها، لناحية «إعادة انتخاب رئيس البلدية ونائب الرئيس للمدة المتبقية من الولاية بطلب من رئيس البلدية أو أكثرية الأعضاء».
نُسفت هاتان المادتان بالاستناد إلى جملة أسباب، أهمّها أنها لزوم ما لا يلزم. ففي ما يتعلّق بالمادة الأولى، لا فائدة تُرجى من إعادة إحياء هذه المجالس في ظلّ وجود قانونٍ (قانون البلديات) يُنظِّم عمل المجالس المُنحلّة، والتي يتسلّمها بموجبه القائمقامون لتصريف أعمالها.
كما أن إعطاء الأعضاء المستقيلين مهلة للعودة عن استقالتهم «عمل غير مبرّر قانونياً بالشكل المطروح»، باعتبار أن العودة عن الاستقالة فعل شخصي وليس فعلاً عاماً، وبالتالي هو أمر غير ديمقراطي ومناقض للتمثيل الشعبي. وانطلاقاً من ذلك، إضافةً إلى أن المدّة التي كانت متبقّية من ولاية البلديات لا تتعدّى بضعة أشهر، استقرَّ النقاش على إلغاء هاتين المادتين كونه «لا داعي للدخول في هكذا تجربة».
أما بالنسبة إلى المادة الثالثة، والتي تعطي صلاحية للمجلس البلدي في «تعديل بعض الرسوم لتحقيق التوازن المالي للبلدية»، فقد تمّ إلغاؤها، انطلاقاً من مُبرِّرين، أولهما أنّ هناك قانوناً للرسوم والعلاوات البلدية وقد أُجريت تعديلات عليه، في إطار قانون موازنة العام 2024. إضافةً إلى ذلك، فإنّ سقف الزيادة المقترحة والتي تضعها في خانة الـ 25 ضعفاً عن الرسوم المستوفاة في عام 2022، فات عليها الزمن، بعدما باتت هذه الزيادات مضروبة بـ 46 و60 ضعفاً في موازنة العام 2024، ولذلك استبدلت هذه المادة بأخرى تستعيد قانون الرسوم والعلاوات البلدية، إذ تنصّ على «تضاعف الرسوم المقطوعة المنصوص عنها في قانون الرسوم والعلاوات البلدية من المادة 19 لغاية المادة 85».
وبذلك خرجت هذه الزيادة من استنسابية المجالس البلدية، إذ أُرفق بمقترح القانون الرسوم المنصوص عليها ضمن القانون الأساسي مع احتساب «التعديلات بشكل متناسب لا ترهق المواطن وتعزّز صناديقها، أضف إلى كونها تقرّ بالنسبة والتناسب وبحسب كل بلدية إن كانت كبرى أو صغرى أو مركزية أو في الأطراف»، وفق ما يقول النائب إيهاب حمادة، أحد أعضاء اللجنة الفرعية.
أمّا الأكثر فداحة في مقترح القانون السابق، فكان فرضه رسماً شهرياً لصالح البلدية عن كل مُقيم ضمن نطاقها من الأجانب، بذريعة أعدادهم والأعباء التي تتكبّدها البلديات، وهو ما رُفض في اللجنة انطلاقاً من أنّ الضريبة تُفرض على الخدمات والأعمال وليس «على الرأس». كذلك، ابتكر مُعدّو المقترح مادة رسوم للنفايات، ليتمّ إخراجها من دائرة النقاش كيلا تتضارب مع مقترح القانون الذي يُعمل عليه اليوم، والمتعلّق بإدارة ومعالجة النفايات الصلبة. واستُبدلت هذه الرسوم برفع نسبة رسم صيانة المجارير والأرصفة في قانون الرسوم والعلاوات، الواردة في المادة 79 منه، إلى ما بين 1.5% و3%.
المادة الوحيدة التي لم تُعدّل، هي تلك المتعلّقة بقيمة عقد النفقة المسموح بها لـ«رئيس البلدية أو لرئيس السلطة التنفيذية لتصبح 100 مليون ليرة وللمجلس البلدي مليار ليرة كحدّ أقصى». وفي مقابل الإلغاءات، أُضيفت ثلاث مواد أخرى، أهمّها ما يتعلّق بالحظر على «جميع الدوائر العقارية والإدارات والمؤسسات العامة والمصالح المستقلّة إجراء أي معاملات ترتبط بالعقار من أي جهة كانت قبل إبراز صورة عن الإيصال المتعلّق بتسديد الرسم السنوي المتوجّب عليه لجهة إشغاله (…) كما على البلدية التي تمتنع عن إعطاء صاحب العلاقة هذه الإفادة أو الإيصال»، لتحلّ المادة بذلك مكان براءة الذمّة البلدية التي أُلغيت سابقاً.
وأُضيفت فقرة على المادة الثالثة في شقّ الرسوم على القيمة التأجيرية تقضي بزيادة على «الأراضي المستغلة للسكن عبر مساكن غير إسمنتية»، في إشارة واضحة إلى سكن النازحين في بيوت غير إسمنتية كالخيم أو ما شابه.
هكذا، خرج القانون مختلفاً عن صيغته الأولى التي نُسفت بمجملها، بعدما تضمّن مواد منها ما هو ظرفي وآني وأخرى غير منطقية كتلك التي تفرض رسوماً على النازحين. لكن، بغضّ النظر عن التحسينات، إلّا أنّ جزءاً وافراً من القانون لا لزوم له، وخصوصاً في الشق المتعلّق بالرسوم، إذ يمكن العودة إلى الموازنة وقانون الرسوم والعلاوات البلدية. مع ذلك، ثمة نقطة إيجابية يمكن استغلالها لتحسين ظروف البلديات والتنظيم تالياً وتتعلّق بعدم إجراء أي معاملة في الدوائر الرسمية دون إيصالات تسديد الرسوم، شرط تطبيقها، وألّا تبقى حبراً على ورق.