حين سُئِل المبعوث الأميركي توم برّاك عن وجود مهلة زمنية لحصر السلاح بيد الدولة اللبنانية، قال أن هناك مهلاً، وأن المهلة الأولى تنتهي في الأول من آب!.. السيد برّاك على سجيّته اللبنانية وألغازه الترامبية لم يترك فرصة لمحاوريه من السياسيين والصحافيين من أجل طمأنة حقيقية لجميع اللبنانيين من عدم تجدّد الحرب الإسرائيلية على لبنان بالرغم من أن الأعمال الحربية والقصف والإغتيالات لم تتوقف أصلاً من الجانب الإسرائيلي.
يُفهم من ذلك أن الإدارة الأميركية ترغب في مواصلة الضغط على السلطات اللبنانية لدفعها إلى مبادرة في تسريع عملية حصر السلاح بيد الدولة، وإلّا فإن أميركا كما قال لا يمكنها أن تضمن أفعال إسرائيل أو تمنع عدواناً واسعاً جديداً طالما أن الدولة اللبنانية عاجزة عن تطبيق موجبات القرار الدولي ١٧٠١ وحصرية السلاح بيد الجيش والقوات الأمنية الشرعية وفقاً لاتفاق وقف إطلاق النار. فلا واشنطن قادرة أو راغبة بمنع تل أبيب من تحقيق أهدافها القادمة بأي شكل تريده حكومة نتنياهو، ولا الترويكا اللبنانية التي باتت في مرمى الانتقادات الداخلية والخارجية قادرة أو راغبة بالدخول في صراع داخلي مع حزب الله، وتكون نتيجته الحتمية تهديد الأمن والسلم الأهلي في لبنان.
المعلوم الأكيد أن قرار حزب الله في موضوع السلاح، والجدول الزمني المطلوب لتسليمه، موجود في طهران وليس في الضاحية الجنوبية. ولذلك فالجدل (البيزنطي السيادي الفارسي) حول وجوب تسليم السلاح أو نزعه في مقابل إعلان قادة حزب الله عن تمسّكهم بالسلاح تحت عناوين المقاومة والدفاع عن لبنان لن يصل إلى أي نتيجة في مثلث (بعبدا – السراي – عين التينة) تنقذ لبنان من السقوط مجدّداً في الهاوية والجحيم. وفي عيد الجيش الثمانين في ١ آب ٢٠٢٥، سيكون على اللبنانيين أن يجدوا طريقهم المختلف عن كل مسارات الصراعات الداخلية المحكومة بالتبعية للخارج، سواء على شكل انتماء عقائدي وعسكري كما هو شأن حزب الله، أو على شكل سيادي ضعيف وخاضع لإملاءات القوة والغطرسة الإسرائيلية تحت مظلّة هجينة من المصالح والقرارات الدولية. وهذه المسألة بحد ذاتها معضلة وطنية تحتاج إلى رؤى مغايرة للعصف الفكري الرتيب بين أنصار الغلبة على الآخر من كل جانب، والتاريخ اللبناني يشهد أن الجميع خاسر، ولبنان الخاسر الأكبر في منطق الغالب والمغلوب.
السؤال الآن: ما هو الدور الذي يمكن أن يلعبه لبنان وسياسته الخارجية للتأثير على التماهي الأميركي – الإسرائيلي، وعدم تسخير قدرات واشنطن الدبلوماسية والعسكرية بشكل انقيادي لجموح حكومة نتنياهو؟ التماهي موجود فعلاً، لكن ضمن حديقة الفيل الجمهوري، ولبنان أشبه ببركة ماء صغيرة في حديقة الرئيس الأميركي دونالد ترامب. فهل من رؤية حكيمة، وهل من طريق يجنّب الوطن مزيداً من الكوارث والنكبات؟ ما هي الخيارات أمام الدولة اللبنانية لتأمين الحماية لشعبها ومؤسساتها، ولإنقاذ الوطن في هذه المرحلة العصيبة التي يتشكّل فيها الشرق الأوسط على وقع الحرب الوحشية في غزة، حرب التجويع والإبادة الجماعية بحق الشعب الفلسطيني؟
إلى فلسطين لا سفينة «ضمير» تصل ولا «حنظلة»، وفي لبنان ما هو مصير البلد الناس في حال تجدّد الحرب وإطباق الحصار على الشعب اللبناني براً وبحراً وجواً؟ العالم بات لا ضمير له، ولا إنسانية فيه. يؤكد ذلك تصريح أمين عام المتحدة أنطونيو غوتيريش: لا أستطيع تفسير مدى اللامبالاة والتقاعس وانعدام الإنسانية الذي نراه تجاه ما يحدث في غزة. فالأزمة في غزة ليست إنسانية فقط، بل تشكّل تحدّياً أخلاقياً للضمير العالمي، وسنواصل رفع الصوت عالياً في كل فرصة. لكن سيد غوتيريش: مع احترامنا لمشاعرك النبيلة، هل يكفي رفع الصوت عالياً عندما يكون العالم بأكمله جباناً ضعيفاً متخاذلاً، بل وجزء كبير منه متآمر ومتواطئ وشريك في الجرائم البربرية بحق الشيوخ والنساء والأطفال؟ ونحن في لبنان، هل ندرك هذه المخاطر التي تداهمنا من جديد في الجنوب المنكوب والبقاع وبيروت والضاحية وباقي المناطق؟ وهل أن لحكومتنا اللبنانية رؤية وخطة دبلوماسية واضحة في ظل استبعاد خيار نزع السلاح بالقوة، أم أنها باقية في منطقة الراحة القاتلة وفي انعدام الرؤية حتى تقع الكارثة الكبرى؟
أولاً- هناك حكمة في موقف الرئيس جوزاف عون من تطبيق خطاب القسم. نعم لمبدأ حصرية السلاح بيد الدولة اللبنانية، لكن لا لمشاريع الفتنة ولا لنزع السلاح بالقوة لعدم ضرب السلم الأهلي. فالسلاح موضوع إقليمي ودولي يحل بالدبلوماسية الذكية، ولا يحل بالصراع والإقتتال الداخلي. لكن ما هي أدوات الدبلوماسية الذكية، وما هي عناصر القوة التي تستند إليها هذه الدبلوماسية لبلوغ أهدافها؟ هذا السؤال يجب أن تجيب عليه الحكومة اللبنانية عبر قرارات يتخذها مجلس الوزراء ويعلنها أمام الرأي العام الداخلي والدولي.
ثانياً- ما هي نتائج القول بأن قرار تسليم السلاح ليس عند حزب الله وإنما هو عند إيران؟ النتيجة الأولى هي ضرورة أن تتحرك الدبلوماسية اللبنانية في هذا الإتجاه، وليس في اتجاه طلب الضمانات الأميركية فقط. بمعنى أنه على الدولة اللبنانية أن تشرع في سياسة خارجية نديّة مع نظيرتها الإيرانية، وذلك للدفع الفعّال باتجاه حماية لبنان وتجنيبه الوقوع مجدداً في فخ الصراعات الإقليمية وسياسات المحاور. وسيكون هذا التحدي أساسياً وكبيراً وصعباً، ومن خلاله فقط يمكن التأثير إيجاباً على مسألة الضمانات الأميركية والدولية لحماية لبنان.
ثالثاً- الجيش اللبناني وحده حامي الوطن والشعب والمؤسسات. وما يتعرّض له الجيش من بروباغاندا إعلامية لتشويه صورته أو ضرب معنوياته بالقول أنه غير قادر على مواجهة العدو الإسرائيلي وأن سلاح المقاومة وحده يحمي لبنان، هو كلام ساقط نظرياً وواقعياً في ظل اختلال كبير في موازين القوى أثبتته الحرب الأخيرة التي ألحقت خسائر فادحة بلبنان.
في عيدك الثمانين، ما زلت الضمانة الباقية لوحدة لبنان، ولبسط سيادة الدولة على كامل أراضيها. تحية وفاء إلى الجيش اللبناني، إلى قائد الجيش العماد رودولف هيكل، إلى الضباط والرتباء والأفراد. حمى الله الجيش، وحمى لبنان.
