Site icon IMLebanon

خطة الجيش اللبنانية.. خطوة نحو إستعادة السيادة أم بداية تصعيد محتمل؟

 

 

في خطوة وصفت بأنها مفصلية في تاريخ لبنان الحديث، أقرّت الحكومة اللبنانية مؤخراً خطة الجيش لحصر السلاح بيد الدولة، في قرار يعكس رغبة الدولة في استعادة هيبتها وسلطتها على كامل أراضيها. هذه المبادرة تأتي في وقت تتقاطع فيه أزمات داخلية متعددة مع ضغوط إقليمية ودولية، ما يجعل تنفيذ الخطة اختباراً حقيقياً لقدرة الدولة على فرض سيادتها وإعادة بناء مؤسساتها.

حصر السلاح بيد الجيش اللبناني لا يمكن اعتباره مجرد إجراء أمني. بل هو رسالة سياسية واضحة مفادها أن الدولة اللبنانية عازمة على استعادة سلطتها على الأرض. مناطق الجنوب والبقاع تمثل التحدّي الأكبر، إذ تتداخل فيها مصالح محلية وإقليمية، وتنتشر الفصائل المسلحة التي ترى في أي محاولة لفرض الدولة تهديداً مباشراً لمصالحها. هذا الواقع يجعل أي تحرك عسكري أو أمني مرتبطاً بالقدرة السياسية على إدارة التوازنات الداخلية، بحيث لا يتحوّل التنفيذ إلى مواجهة شاملة تهدّد الاستقرار المحلي.

 

• الأبعاد السياسية الداخلية

 

الموافقة على خطة الجيش لم تمنح المؤسسة العسكرية غطاءً سياسياً فحسب، بل كشفت أيضاً عن تصدّع واضح في التوازنات السياسية التقليدية في لبنان. انسحاب وزراء حزب الله وحركة أمل من جلسة الحكومة، على سبيل المثال، أرسل رسائل مزدوجة. داخلياً، يشير إلى أن أي قرارا مصيريا لا يُتخذ من دون موافقة الثنائي الشيعي، ما يعكس مدى تأثيره في المشهد السياسي. وخارجياً، يؤكد أن السلاح بالنسبة للحزب يشكّل خطاً أحمر لا يمكن تجاوزه بقرار حكومي، في رسالة مباشرة للجهات الدولية والإقليمية حول حدود ما يمكن تجاوزه.

في مواجهة هذا التطور، تبنّى حزب الله أسلوباً مختلفاً عن الرفض المباشر. فقد وصفت وسائل الإعلام موقف الحزب بأنه «مراوغة بلغة الحكمة»، أي محاولة لإظهار الحزب كطرف عقلاني يدعو إلى الحوار والتريث، بينما يرفض أي مسعى لتجريد المقاومة من سلاحها. هذه الإزدواجية تمنحه هامشاً واسعاً للمناورة: فهو يطمئن جمهوره محلياً، وفي الوقت نفسه يرسل رسائل شكلية للجانب الدولي عن مرونته وواقعيته.

 

• الأبعاد الإقليمية والدولية

 

لا يمكن فهم هذه التحركات بمعزل عن السياق الإقليمي والدولي. فالولايات المتحدة تعتبر خطة الجيش مدخلاً لإعادة بناء مؤسسات الدولة اللبنانية، وترتبط المساعدات الاقتصادية والتعاون المالي الدولي بمدى التزام لبنان بتنفيذها. إيران، في المقابل، ترى أن أي مساسا بسلاح الحزب يمثل تهديداً مباشراً لاستراتيجيتها الإقليمية، ما يجعلها تحرك أوراقها الدبلوماسية والسياسية لمواجهة أي محاولة لتغيير الوضع القائم. أما إسرائيل، فتراقب بحذر أي خطوة قد تضعف قدرة الحزب على الردع، خصوصاً في ظل العلاقات المتوترة والمواجهة المستمرة في محيط الحدود الجنوبية للبنان.

 

• آليات التنفيذ

 

تعتمد خطة الجيش على أسلوب متدرج يجمع بين ضبط السلاح، تفتيش المناطق، والتفاوض مع الفصائل المسلحة لضمان استسلام طوعي، مع تعزيز دور المخابرات العسكرية والمراقبة الميدانية لضمان نجاح كل مرحلة. التركيز على التدرج والتفاوض يظهر وعي الدولة بصعوبة فرض السيطرة المطلقة في آن واحد، ويعكس الحرص على تجنب مواجهة مباشرة قد تتسبب بخسائر بشرية وسياسية كبيرة.

 

• التحدّيات

 

رغم الطموح الكبير، تواجه خطة الجيش اللبناني تحدّيات متعددة:

– الموارد المحدودة: الانتشار الكامل للجيش في مختلف المناطق يتطلب دعماً لوجستياً ومادياً مستمراً، وهو أمر صعب في ظل أزمة مالية خانقة تعانيها الدولة اللبنانية.

 

– الانقسامات الطائفية والسياسية: أي تحرك ضد فصائل مسلحة قد يؤدي إلى تصعيد داخلي في ظل الانقسامات القائمة، ما يجعل التوقيت والتنفيذ عاملين حاسمين في نجاح الخطة.

 

– المواجهة مع حزب الله: يجب تحقيق توازن دقيق بين فرض القانون وتجنّب المواجهات المباشرة التي قد تؤدي إلى خسائر كبيرة على صعيدين; سياسي وأمني.

– الضغوط الإقليمية والدولية: وضع لبنان تحت رقابة دولية وإقليمية يزيد من صعوبة اتخاذ قرارات مستقلة، ويجعل أي خطوة عسكرية أو سياسية مرتبطة بتوازنات خارجية معقّدة.

نجاح الخطة يعتمد على مجموعة من العوامل الأساسية:

– التوافق الداخلي: خطوات مستقبلية يجب أن تحظى بدعم سياسي داخلي لتجنّب تصعيد الأزمات. أي تجاهل للتوازنات الداخلية قد يؤدي إلى إفشال المبادرة.

– إدارة الموارد: تجهيز الجيش بالمعدات اللازمة والتخطيط اللوجستي السليم لضمان فعالية التنفيذ.

– اعتماد نهج تفاوضي: يتيح تحقيق أهداف الخطة دون خلق أزمات أمنية جديدة، ويحد من احتمالية وقوع مواجهات دامية.

– الدعم الدولي: الحفاظ على علاقات متوازنة مع القوى الدولية لضمان الاستقرار المالي والسياسي، بما يسمح بتوفير المساعدات الضرورية للجيش والدولة.

 

• السيناريوهات المحتملة

 

– النجاح التدريجي: تنفيذ الخطة بشكل تدريجي وتحقيق نتائج ملموسة يعزز سلطة الدولة ويعيد بناء الثقة بين المواطن والمؤسسات.

– التصعيد الجزئي: رفض حزب الله أو بعض الفصائل الفلسطينية التعاون قد يؤدي إلى مواجهات محدودة تؤثر على الاستقرار المحلي، لكنها لن تصل إلى مستوى المواجهة الشاملة.

– المواجهة الشاملة (المستبعدة): أسوأ السيناريوهات تتمثل في مواجهة واسعة النطاق مع فصائل مسلحة، ما قد يؤدي إلى أزمات أمنية وسياسية كبيرة، ويضع لبنان أمام اختبارات خطيرة لقدرة الدولة على فرض سيادتها.

في النهاية، تظل خطة الجيش اللبناني اختباراً استراتيجياً لدولة لطالما واجهت تحدّيات داخلية وخارجية، ومقياساً لقدرة المؤسسات على تجاوز الانقسامات السياسية والطائفية، وإعادة صياغة مفهوم الدولة كحارس وحيد للأمن والسيادة على كامل الأراضي اللبنانية.