Site icon IMLebanon

رفض «قواتي» للإتهام بالتناقض

 

لا يمكن أن يمرّ استحقاق من دون أن يُطعَّم بسجال بين حزب «القوات اللبنانية» و»التيار الوطني الحر». وكأنه «فرض واجب». رَفْضُ «القوات» مشروع الموازنة الذي تناقشه الهيئة العامة لمجلس النواب أشعَل، أمس، سجالاً إعلامياً وتويترياً ووصل إلى مجلس النواب. فـ»التيار» وجِهات أخرى يعتبرون أنّ «القوات» تناقض نفسها، إذ إنها ترفض مشروع موازنة أقرّته حكومة تشارك فيها. حتى رئيس الحكومة سعد الحريري أعرب عن انزعاجه من بعض طروحات نواب «القوات» خلال جلسات مناقشة الموازنة. لكنّ «القوات» ترفض اتهامها بالتناقض فـ»هذا هو النظام» و»هذا ما تمنّاه الحريري».

 

منذ تأليف حكومة «إلى العمل» في كانون الثاني الماضي يشذّ وزراء «القوات» بمواقفهم عن قرارات الحكومة في ملفات عدة. فلا تعتبر «القوات» أنّ مشاركتها في الحكومة تعني أنّ موافقتها على قراراتها «تحصيل حاصل». فشعار «القوات» في هذه الحكومة: «العمل الجدي والعملي لتغييرٍ جدّي».

 

وبدأ مسار «القوات» الوزاري هذا مع مناقشة البيان الوزاري للحكومة، وصولاً إلى إقرار مشروع الموازنة في 27 أيار الفائت، والذي تحفّظ عنه وزراء «القوات» من دون أن يعمدوا إلى «عرقلة بَتّ الموازنة تداركاً للوقت وعدم إطالة النقاش». وبما أنّ مشروع الموازنة لم يكن نهائياً، إذ إنه سيُدرس في لجنة المال والموازنة حيث قد تسقط منه بنود وتُدخل عليه أخرى، اكتفَت «القوات» بالتحفّظ في انتظار ما سيؤول إليه المشروع في مجلس النواب، لكي تتخذ قرارها بالموافقة النهائية عليه أو رفضه.

 

إلّا أنّ جهات عدة، أبرزها «التيار الوطني الحر» لم تستسغ موقف «القوات» الرافض لمشروع الموازنة بعد تعديله من لجنة المال والموازنة. وعبّر نواب تكتل «لبنان القوي» عن اعتراضهم على موقف «القوات» في تصريحات وتغريدات عدة، اعتبروا فيها أنّ هناك ازدواجية في موقف «القوات» وأنها تريد «السلطة والمعارضة الشعبوية في الوقت نفسه».

 

لكن كلّ ما يُحكى على أنّ «القوات اللبنانية» وافقت على الموازنة في الحكومة ورفضتها في مجلس النواب هو «كلام مضلّل وتزويري وكاذب»، حسب مصادر «القوات»، التي أوضحت لـ«الجمهورية» المسار الذي اعتمدته في درس الموازنة وإقرارها. وقالت إنّ «القوات» تحفظت عن مشروع الموازنة المُحال من الحكومة إلى مجلس النواب، وربطت هذا التحفظ في تعامل مجلس النواب مع ملاحظاتها، فإذا أخذ بها ترفع التحفّظ إلى الموافقة، وإذا لم يأخذ بها ترفع التحفظ الى الرفض. فالتحفظ كان هدفه ربط نزاع سياسي بغية الضغط على البرلمان وعلى الكتل النيابية لكي تنتزع تغييراً في البنود وإقراراً للبنود الإصلاحية التي طرحتها».

 

وذكّرت أن «القوات» قدّمت «أوراقها وملاحظاتها منذ جلسة مجلس الوزراء الأولى لمناقشة الموازنة، وليس كما فعل الوزير جبران باسيل الذي قدّم ملاحظاته في جلسة درس الموازنة الـ12 على طريقة «كسر مزراب العين».

 

وأشارت المصادر إلى أنّ «القوات» أدخلت ملاحظات أساسية على الموازنة التي تعتبرها مسألة أساسية لا تفصيلية. ولكنها تعتبر أنّ البلد يمرّ في مرحلة مفصلية تتطلّب مقاربات وحلولاً استثنائية وليس شكلية»، مشيرةً إلى أنّ «الجميع يتحدثون عن أزمة مالية واقتصادية، وفي الوقت نفسه يتعاملون مع الوضع وكأنّ البلد بألف خير». وقالت: «هذا هو التناقض الفعلي».

 

ترفض «القوات» أن «تكون الموازنة مثل البيان الوزاري «حبراً على ورق» والمشاركة في الفولكلور السياسي، حيث يتحدث الجميع عن معابر غير شرعية والتهرب الضريبي ووضع الجمارك، ولكن لا تُقفل هذه المعابر ولا يوضع حد للتهرب». وتعتبر أن «هناك أموراً تُحلّ بقرار فقط. لكن يتعاملون مع الوضع وكأننا نعيش في سويسرا، وبغياب المعالجات الجدية يدفعون البلد نحو الانهيار».

 

إلى جانب المسار الحكومي والنقاش الذي خاضته «القوات» في لجنة المال والموازنة، اعتمدت مساراً نقاشياً موازياً مع رئيس الحكومة للوصول إلى الموازنة الأفضل. واتّفق رئيس «القوات اللبنانية» سمير جعجع مع الحريري على أن يلتقي فريقا عمل متخصصان من الجهتين لبحث طروحات «القوات».

 

وتُرجم هذا الإتفاق في ثلاثة اجتماعات عقدها الفريقان، أمل في نهايتها الحريري من «القوات» التصويت على الموازنة. فكان الرد القواتي: «سنمتنع عن التصويت على موازنة لا تحقق الرؤية الوطنية المطلوبة». عندئذ، تمنى الحريري على «القوات» أن تصوّت على بعض البنود الإصلاحية التي ساهمت في إقرارها، فنُقل هذا التمني إلى جعجع، وعلى هذا الأساس عقد مؤتمراً صحافياً أعلن فيه رفضه مشروع الموازنة على ما هو عليه، كاشفاً أنّ نواب «القوات» سيكتفون بالتصويت على البنود التي يعتبرونها إصلاحية.

 

لكنّ الحريري امتعض من مداخلات بعض نواب «القوات» في جلسة مناقشة الموازنة، أمس الأول، خصوصاً من مداخلة النائب جورج عدوان. وتمنى «عند التحدث عن الاستقرار المالي أن نتكلم بمسؤولية».

 

رَدُّ الحريري هذا تعتبره «القوات» «أمراً عادياً وطبيعياً، فهذا نقاش سياسي وليس سجالاً أو انتقاداً، وهو نقاش صحيح تحت سقف المؤسسات». لكنّ مسار «القوات» مع الموازنة لن يقف عند هذا الحد، فقد طوّرت تحفظها عن مشروع موازنة 2019 في اتجاه الرفض، لربط النزاع بعدم قبول موازنة في 2020 مثل سابقتها».

 

أمّا اعتبار البعض أنّ «القوات» لا يُمكنها أن تعارض في البرلمان قرارات الحكومة، إذ إنها تشارك فيها، فهو طرح غير واقعي بالنسبة إلى مصادر «القوات». وشرحت مصادرها «أننا لسنا في نظام سياسي قائم على معارضة وموالاة، أي أنّ من يوالي يُشارك في الحكومة ومن يعارض يكتفي بالمشاركة في البرلمان، بل إنّ الحكومات تؤلّف على أساس حكومات وفاق وطني، وبالتالي يحقّ لكل طرف سياسي أن يتخذ الموقف الذي يريده من دون أن يهدّد وحدة الحكومة ومن دون أن يتخلّى عن خلفياته وقناعاته في الوقت نفسه. لذلك القول إنّ من يكون ضد الموازنة عليه أن يكون في المعارضة هو قول ساقط، فهذه الحكومة تألفت على أساس الأحجام التي أفرزتها الانتخابات النيابية الأخيرة وعلى قاعدة الوفاق الوطني، حيث لا يمكن الحديث عن موالاة ومعارضة».

 

وإذ لفتت مصادر «القوات» إلى أنّ «هذه القواعد معتمدة في تأليف الحكومات منذ التسعين إلى اليوم»، اعتبرت أنّ «من يطرح خلاف ذلك يريد تطوير النظام. ولا بأس بذلك. فلنناقش الموضوع».