في جلسة ودّية جديدة جمَعت فيها إعلاميّين من مختلف التوجّهات، بَعثت «القوات اللبنانية» رسائلَ عدّة إلى مختلف الأطياف، فوصَفت رؤيتَها المستقبلية للمستجدّات السياسية، موضحةً أهدافَ مبادرتها مع «التيار الوطني الحر»، مبديةً استعدادها لمتابعة الخطوات المماثلة. ونفَت وجود «قطيعة مع تيار «المستقبل»، وأحاديثَ الجفاء التي تناوَلها الخبَثاء والتي قطعَت الوصال بين «القوات» و«المملكة».
تولّى النائب الشمالي أنطوان زهرا مهمّة إيضاح الصورة، وأوصَل الرسائل القواتية بأمانة وحنكة سياسية لطالما تميَّز بها، في جلسة لم تخلُ من الفكاهة والنِكات.
إعتراض على مشهدية قدّاس العيد
بدأ زهرا حديثه معترضاً على مشهدية القداس الاحتفالي بعيد مار مارون الذي أقيم في غياب رأس الدولة، كاشفاً في السياق أنّه طلبَ من البطريرك مار بشارة بطرس الراعي في زيارته إلى بكركي أمس الأول إلغاءَ تقليد إقامة قدّاس احتفالي في الجمّيزة والاكتفاء بقدّاس احتفالي في بكركي، ولا سيّما أنّ المشهد في رأي زهرا كان نافراً بغياب الرئيس الماروني وتصدّر رئيس الحكومة وممثل عن رئيس مجلس النواب القدّاس، فيما يجلس الرؤساء الموارنة السابقون خلفَهم.
وتمنّى زهرا لو استغلّ البطريرك فرصةَ غياب الرئيس لكسر هذا التقليد، خصوصاً أنْ لا رئيس للجمهورية، ولأنّ الاحتفال رئاسيّ يشارك فيه رئيسا الحكومة ومجلس النواب ليس من أجل مار مارون بل لأنّ رئيس الجمهورية يتقدّم الحضور وتضرب له البارازان أثناء وصوله وعند الكلام الجوهري.
وبَعد الإسهاب في الحديث عن مار مارون واحتفالات السنوات الماضية، انتقل زهرا إلى أجواء معراب «التي أضحكَت كثيرين وأبكَت كثيرين» على حدّ قوله، ولدى تعليق بعض الإعلاميين بأنّها أبكَت اهالي الشهداء، أوضَح زهرا أنّه على صعيد «القوات»، فإنّ الأكثر تفهُّماً هم أهالي الشهداء، على عكس ما يُشاع، لأنّهم يفهَمون أنّ قيمة الشهادة ليست العداوة.
خلوة بكركي
زهرا كشفَ أنّ الراعي لم يقُل في السرّ غيرَ ما قاله في العَلن، لجهة وجوب اجتماع المرشحين والأقطاب ليتّفقوا جميعاً على حلّ موحَّد، وقد سأله عن جدوى اجتماع الأربعة، «فليجتمع الاثنان فقط أي العماد ميشال عون والنائب سليمان فرنجية».
وأكّد زهرا عدمَ وجود عقبات تمنَع اللقاء بين الدكتور سمير جعجع وفرنجية «في ظلّ تقدّم إيجابيات عمل اللجنة المشتركة، لكنْ لا ضرورة لهذا الاجتماع اليوم، فيما اللقاء بين الجنرال وفرنجية مطلوب في هذا الوقت»، مشيراً إلى أنّه «عندما يقتنع الجنرال بأنّ زيارته الى بنشعي ستؤدي الى انسحاب فرنجية من الحلبة الرئاسية، فـ«القوات» ستكون مستعدّة لمرافقته إلى بنشعي، إذ يجب ان تكون الخطوة مدروسة وتؤدّي الى نتيجة»، مضيفاً: «لو كان الجنرال يَعلم أنّ زيارته الى بنشعي ستردَع فرنجية عن ترشيحه للرئاسة لَما تردّد».
وأعلنَ زهرا أنّ «القوات وصَلت الى مكان متقدّم مع «المردة»، ولا عودة الى الوراء لجهة التطبيع والمساكنة، ومع العماد عون تَقدّمنا أيضاً خطوات الى الامام في تطبيع الوضع المسيحي والمصالحة المسيحية الشاملة التي نأمل أن تصبح مصالحة وطنية.
وشهد زهرا أمام الإعلاميين بالقول: «والله لا عودةَ إلى التقوقع، وعون أثبتَ ذلك أيضاً، ومنذ إعلان معراب حتى اليوم لم يشنّ هجوماً تقليدياً على السنّة كما كان يحصل سابقاً»، مشيراً إلى أنّ «كلّ شيء يبدأ بخطوة صغيرة بَعدها يصبح مساراً». وأعلنَ في هذا الإطار «أنّنا بدأنا العمل سويّاً تحضيراً للانتخابات البلدية».
مهرجان 14 شباط
وعمّا إذا كانت «القوات» ستشارك في احتفال 14 شباط، أكّد زهرا أنّه سيحضر، معلّقاً: «هل تُسأل «القوات» إذا كانت ستشارك في هذا الاحتفال؟». وأضاف: «باستثناء حضور جعجع، إذ إنّنا لا نَعلم حتى الساعة إذا كان سيحضر شخصياً، فإنّ جميع المدعوّين من فريقنا سيَحضرون».
التخوين
لم يوافق زهرا الصحافيين الذين أشاروا إلى أنّ تيار «المستقبل» يخونهم، فأوضَح أنّه «انفعال وليس جدّية»، مشدّداً على أنّ «العلاقة مع «المستقبل» دقيقة جدّاً ووثيقة واستراتيجية، والأهمّ أنّ الموضوع روّج بأنّ العلاقة السيئة مع «المستقبل» «ضربَت علاقة «القوات» مع المملكة»، ولذلك نقول: «من 18 كانون الثاني، أي منذ إعلان معراب حتى اليوم، زار موفدون من «القوات» المملكة ولم ينقطع التواصل أبداً، خلافاً لِما يروّج له الخبثاء». وكشف أنّ «المملكة فوجئت للوهلة الأولى، لأنّهم كانوا يظنّون أنّ ترشيح فرنجية كان بمعرفة الجميع، في حين لم يكن هذا الأمر صحيحاً».
وكشف زهرا أنّه في غالبية الاجتماعات كان الرئيس سعد الحريري يقول لجعجع «يا حكيم يلّي بدّك تمشي في أنا بمشي… سليمان، ميشال عون المهم أن لا نبقى في الفراغ»، موضحاً أنّ هذا الأمر ليس طرحاً جدّياً «ولذلك كان يطلب الحكيم من الحريري التريّث بالقول له أصمد وإنّ الوقت لم يحِن بعد، وإنّه ليس ملائماً».
وأضاف: «لم يُبحث هذا الطرح أو ذاك ولا مرّة بجدّية أو بعمق، بل كان الحكيم يقول للحريري طوِّل بالك هُم 8 ونحن 14 ولدينا مرشّح في 14 وإذا فاوَضنا نفاوض على رئيس وسَطي وليس على رئيس من 8 آذار».
وتابَع: «إذا كان تيار «المستقبل» يَعتبر أنّ هذه الجملة التي مرّرها الحريري نيّةً بتبني ترشيح عون أو فرنجية، فهذه ليست سياسة، لأنّ العمل السياسي يَلزمه وضوح أكثر».
وردّاً على «الخبثاء» الذين يقولون إنّ «القوات وعندما تأكّدت أنّ عون لن يصل إلى الرئاسة رشّحته»، أجاب زهرا: «باستثناء حِرصنا على «14 آذار» ومشروعها السياسي، نحن مغامرون لإيصال ميشال عون ولا نلعَب، بالعكس لو علمنا أنّه لن يصل لَما سألنا المسؤولين عن إيصاله لماذا لا يزالون يتلكّؤون».
«القوات» والمملكة
وأكّد زهرا «أنّنا لا نبحث عمّن يتبنّى سياساتنا، أكان السعودية أو قطر أو آخرون، فنظرتُنا إلى العالم العربي لا تنطلق من منطلق قوّتهم أو ضعفهم، بل من إيماننا بالشراكة بالتوازن وبـ«الطائف» وببُعده العربي، لذلك إنْ خسروا أو ربحوا ليس في حساباتنا، بل كيف نحافظ على التركيبة اللبنانية ونروّج لـ«اتفاق الطائف» كحلّ لكل مشكلات المنطقة.
لذلك نسعى إلى أفضل العلاقات مع كلّ دوَل الخليج العربي، ولا نسعى لاسترضاء أحد، والذين لم يتعرّفوا بعد على سمير جعجع فقد آن الأوان ليفعلوا»، موضحاً: «لم يقُل أحد يوماً لجعجع ماذا يجب أن يفعل، لا الأميركان ولا السعودية ولا أيّ بلد آخر».
وفنّد زهرا خلاصة الموقف السعودي بالآتي:
– إحترام خصوصية كلّ بلد وعدم التدخّل في الشؤون الداخلية.
– السعودية ضد الفراغ ومع انتخاب رئيس للجمهورية في أسرع وقت ممكن.
– لا فيتو من المملكة على أيّ مرشّح بمن فيهم العماد ميشال عون.
– لا تصَدّقوا أنّ السعودية ستدفَع أو ستساهم في انتخاب من يناقض التوجّه العام المسيحي كائناً من كان، ولن نسعى سياسياً إلى إيصال رئيس يناقض الضمير المسيحي العام». وأضاف: «هذه خلاصة الموقف السعودي الذي تبلّغَته «القوات»، وهم ليسوا في وارد الضغط الديبلوماسي ولا السياسي».
«القوات» و«حزب الله»
وهل التفاهم مع «التيار» سيَفتح أبواب التفاهم مع «حزب الله»، أكّد زهرا: «لم نستغلّ يوماً علاقاتنا للتواصل مع أيّ طرف ولن نفعلها، فنحن توجّهنا إلى الحزب عبر أبلغِ وأهمّ خطاب وجّهَته ستريدا جعجع بالمباشَر في المجلس النيابي».
ورأى أنّ «ما يفعله الحزب اليوم سلبيّ جداً، ونحن مصرّون على بناء الدولة معه حتى لا نضطرّ إلى الوقوف ولو وحدَنا في وجهه»، مضيفاً: «حزب الله يعرف رأيَنا فيه، ونحن نمثّل شرائح مجتمعية متشابهة ونلتقي ونختلف في مواقع عدة. لدينا الصلابة والصدق، وقلتُها للنائب حسن فضل الله الذي قال لي إنّه تكلّم مع علي فياض الذي أبلغَه أنّ «كلامَنا لم يؤذِ الحزب في شيء، بعكس الذين يزورون الحزب فيقولون شيئاً في وجهه ويُخبرون العكس في الخارج، ولن أسَمّيهم».
على مَن يتشاطر عون؟
ولدى سؤاله على مَن يتشاطر عون: على «حزب الله» أو على «القوات»؟ أجاب زهرا: «نحن جدّيون مخلِصون ومبادِرون، وأعتقد أنّ حزب الله كذلك، إنّما لا أعرف كيف سيخرج عون من هذا المأزق، هو دخَله وهو يعرف كيف سيخرج منه أو كيف سيوفّق بيننا. أمّا بالنسبة إلى «القوات» فقد لعبَت ورقتَها «صولد» في اللعبة السياسية وعن اقتناع.
ووفقَ المثل اللبناني القائل: «كِل مصيبة بتبلّش صغيرة وبتِكبر، إلّا الموت ببَلّش كبير وبيِصغَر»، وهذا تماماً هو وضعي»، أضاف زهرا بضحكة. وعمّا سيَشعر به إذا كتب اسم عون على ورقة الاقتراع، قال: «سأشعر بتجلّي حالة وعي الضمير في الالتزام».
وكشف زهرا «أنّنا ننصَح عون باستكمال الحديث مع «المستقبل»، إنّما العائق ليس في موقف «المستقبل» بل في عدم حسمِ «8 آذار» مجتمعةً مرشّحَها الأساس، ونحن اكتشَفنا أنّهم لا يريدون رئيساً، فمن سيجدون أفضلَ مِن عون؟».