Site icon IMLebanon

لبنان والمجهول

 

المجهول هو المعلوم الوحيد في لبنان بعد أن أصبح القادة والنخب السياسية والإعلامية مجرد منجمين أو مبصرين، كل يتحدث حسب رغباته وأهوائه مع تداعي الوقائع والطموحات وتورط القادة والحكام في الرهانات على محاصيل ومغانم أشواك الفوضى الخلاقة وعمليات القتل والدمار والانهيار والنزوح التي تجتاح دول الجوار العربي، بعد أن كان لبنان يعتمد عليها في تحقيق استقراره السياسي والأمني والاقتصادي وقادة لبنان الأذكياء منشغلون في أوهام المغانم والمكتسبات متجاهلين حقيقة أن كل انهيار في الدول العربية هو انهيار في لبنان.

 

المجهول هو المعلوم الوحيد في لبنان بعد أن أقفلت المصارف أبوابها على المدخرات وتوقفت المؤسسات عن دفع الرواتب وعلقت المدارس والجامعات واشتعل سعر صرف الدولار وتعاظمت أسعار المواد الغذائية، ولا يزال السياسيون منشغلين بالتصريحات والتغريدات والإطلالات والمؤتمرات الصحافية وبالخطب الصماء عن النجاحات والإنجازات رغم العطالة السياسية والاقتصادية والعطالة الاجتماعية الوبائية ومكونات العملية الإنتاجية تتفكك وفي طريقها إلى الزوال، وهناك من يعتقد بأن إثارة العصبيات الطائفية والمذهبية ستبعث على الأمل والرجاء بعد أن تبددت كل الإنجازات التي حققها اللبنانيون في سنوات سلمهم الأهلي بعد النزاع وانتظام الحياة السياسية والانتخابية وإعادة الإعمار وعودة المهجرين والخلاص من مرارة الاحتلال، ومن ثم ضاعت كل  تلك الإنجازات نتيجة خوف مكونات التسلط الطائفي من عدم قدرتها على تجديد ذاتها ورفضها الانصهار في دولة المواطنة ومع العودة إلى العنف المسلح وسياسة القهر والاغتيالات، انهارت عملية النهوض والاستقرار والازدهار.

 

المجهول هو المعلوم الوحيد في لبنان حيث تتحول الأرقام إلى أوهام والخطط الاقتصادية إلى روايات وأفلام وأصبح الكذب والرياء واستحمار الناس معيار التفوق والنجاح، ويتشارك اللبنانيون في صناعة المجهول والضياع  مع دول صديقة وشقيقة تحاول حل أزماتها الكبرى باستخدام لبنان في أسواق رهاناتها عبر عمليات شراء الوقت الموجعة والمكلفة ومن خلال فوضى خلط أوراق النقاش حول مستقبل لبنان من صندوق النقد الدولي إلى سيدر إلى ماكينزي والتشريعات الفولكلورية وصحوة الاستراتيجية الدفاعية مع ما يرافق ذلك من مظاهر الهشاشة والتفكك اللبناني في بنية الدولة والنظام والتباين بالأرقام والوقائع بين أدوات السلطة والقطاع الخاص والخبراء وبعيدا عن الانهيار النفسي والصحي والاجتماعي والمعيشي لدى عموم الناس.

 

المجهول هو المعلوم الوحيد في لبنان بعد الشروع في الحديث عن المواجهة الأميركية الإيرانية في لبنان، وتحميل الخارج أسباب الانهيار الداخلي وإحياء بدعة حرب الآخرين على أرضنا، وعودة خطوط تماس الفضائح والاتهامات على محاور الفساد والإهمال والصفقات والتفرد والقهر والاستقواء والتغول على الدولة والمؤسسات والمال العام والحديث عن مخاطر النزاعات العسكرية المحتملة في الجنوب السوري وعن المغامرات الإسرائيلية الغير محسوبة وتأثيرها على لبنان في ظل غموض إقليمي ودولي كبير ومريب.

 

المجهول هو المعلوم الوحيد بالنسبة للدولار والبنوك والأعمال والحكومة والبرلمان والجيوش والمليشيات والانتخابات الرئاسية  والنيابية والتشكيلات الحكومية والقضائية والمحاكمات الكيدية الانتقائية، والمفاوضات المالية والحدودية البرية والمائية والنفطية وتطورات الساحة السورية والفوضى الخلاقة العراقية والقضية الفلسطينية والمقدسات المسيحية والإسلامية وضم الأراضي العربية ومصير الخطط السلمية والحربية، والمواجهات الصينية الأميركية والطموحات الروسية والتحولات الأوروبية والتمايزات الفرنسية والألمانية والبريطانية والاستطلاعات الانتخابية الأميركية والرهانات الجمهورية والديموقراطية والمنظمات والقرارات والقوات الدولية والتموضعات والتناقضات والمصالح العربية ومع تعاظم الطموحات الفردية الرئاسية والعقوبات القيصرية والتوقعات السوداوية يبقى المجهول هو المعلوم الوحيد في لبنان.