Site icon IMLebanon

لبنان بعد غارة الجولان: مستقبل الكيان وواقع سيطرة «حزب الله»

تصعب مقاربة الحدث اللبناني في المرحلة الراهنة من دون الأخذ في الاعتبار تداعيات الغارة الإسرائيلية على موكب «حزب الله» في القنيطرة، والتي أدت الى سقوط ستة قتلى في صفوف الحزب، إضافة الى ضابط برتبة عميد من الحرس الثوري الإيراني.

لن ادخل في مسببات الحدث والنتائج التي سوف تترتب عليه، لأن الغوص في هذا الموضوع يحتاج الى مداخلة مستقلة، بينما الغاية من هذه السطور هي الإضاءة على الوضع في لبنان وتداعيات الغارة الإسرائيلية عليه.

اللافت في هذا السياق أكثر من محطة لا بد من التوقف عندها:

1- هبط على الأطراف السياسية المتناحرة، ما يشبه الوحي لفتح باب الحوار والتفاوض، ما جعل العنوان الرئيس للمشهد السياسي منذ فترة هو الحوار، الحوار بين تيار «المستقبل» و «حزب الله»، الحوار بين «القوات اللبنانية» و «التيار الوطني الحر»، وحوار آخر بين «الكتائب اللبنانية» و «حزب الله»، معتبرين بذلك أن الأزمة في لبنان هي شأن داخلي، ومتناسين أنها أزمة مستمرة منذ الستينات إنما بأشكال متعددة ولاعبين في الداخل والخارج غـــاب بعضهم واستمر بعضهم الآخر.

2- يتأكد شيئاً فشيئاً أن اللبنانيين عموماً وغالبية السياسيين يتميزون بالقدرة على النسيان أو التناسي وحتى النكران، وإذا أردنا مقاربة إيجابية نقول إن لديهم القدرة على التأقلم أو التعايش وتجاهل الأزمات والمشاكل والتغافل عنها ووضعها في أدراج مقفلة.

ولعل هذه مشكلة قد تكون من أسباب استمرار حال الحرب الأهلية الدائرة في لبنان منذ أكثر من 40 سنة، لكن البعض يذهب إلى أن نكران المشاكل وإغفالها وإكمال شؤون الحياة والسياسة هي نوع من أعجوبة لبنانية سمحت للبنان بتجاوز الحروب والأزمات، وهو ما يدفع إلى القول إن لبنان اليوم أفضل من كل الدول العربية المحيطة على رغم من كل المشاكل التي يتخبط فيها.

3- تأسيساً على المحطتين الأولي والثانية أعلاه بدأ يتكوّن لدى فئة كبيرة من المتابعين انطباع بأن تطبيعاً لافتاً أخذ في التشكل بين عمل المؤسسات السياسية وحتى الحياة السياسية وبين الأوضاع السياسية والأمنية المتغيرة باستمرار. وأبرز مظاهر التطبيع هو أداء الحكومة ومقاربتها القضايا التي تعالجها، سواء أكانت حياتية تتناول شؤون المواطن في الداخل أم سياسية في الداخل والخارج معاً.

ويؤشر العمل الحكومي إلى أن هناك اتجاهاً للتدرب على إدارة جماعية للشؤون السياسية والأمنية والاقتصادية عبر مجلس الوزراء الذي بات بمثابة مجلس رئاسي يدير شؤون البلاد بالإجماع.

وفي هذا الإطار، تجدر الإشارة إلى أمرين:

الأول، هو أن هذه الإدارة الجماعية أعطت بعض القوى السياسية القدرة على المشاركة في صناعة القرار، ما جعلها أكثر انخراطاً في العملية السياسية وتشجيعاً على الاستمرار وتثبيت الوضع القائم.

الثاني، هو أن الشؤون المتعلقة بقضايا الدفاع والخارجية والأمن بصورة عامة لا تزال تحت هيمنة «حزب الله» وسطوته، على رغم كل المظاهر الجانبية الأخرى.

أن الانطباع السائد جراء هذا التطبيع والتدريب على الإدارة الجماعية هو خفوت هواجس انتخاب رئيس للجمهورية، بعدما بات عمل المؤسسات الدستورية وفق الآليات المعتادة والقانونية أقل أهمية مقابل استمرار حال الاستقرار النسبي الذي تؤمنه هذه الخطوة في تعامل الحكومة مع شؤون الداخل والخارج.

المشكلة

ما هي العلاقة بين النقاط الأربع أعلاه والغارة الإسرائيلية على موكب «حزب الله» في الجولان والتي ذكرتها في مقدمة هذه السطور؟

جاء الحدث في الجولان ليشرح المشروح مرة جديدة بعدما كان لب الأزمة في لبنان هو «حزب الله». بالطبع بعضهم لن يرضى باختصار أزمات لبنان بـ «حزب الله». قد يكون ذلك صحيحاً إنما أيضاً يصعب حل بقية الأزمات إذا لم نبدأ بحل مشكلة اسمها «حزب الله» في لبنان.

لماذا؟

لان حادث الجولان يشير إلى الآتي:

1- الحزب ماض سياسياً وأمنياً في النهج الذي نشأ عليه منذ بداية الثمانينات ولم ولن يغيّر حرفاً واحداً من كتابه. أداؤه في الداخل وتجاه إسرائيل وتدخّله في سورية وما قد تستدعيه المتغيرات السياسية والأمنية في الإقليم من أدوار ومستجدات على مستوى المنطقة في لبنان، كلها تؤكد ثباته في نهجه منذ الثمانينات.

2- كل ذلك يقود الى السؤال القديم الجديد: ما جدوى الحوار مع الحزب في ظل هذا الواقع؟

الجواب لدى البعض هو هل عدم الحوار أجدى وأكثر فائدة للاستقرار في لبنان؟ ما هي النتائج التي قد تترتب إذا لم تنخرط الأطراف المتنازعة مع الحزب في حوار قد يساعد أقله على الحد من الاحتقان؟

طبعا الكل يجمع على أن الحوار هو الخيار الأنسب. إنما السؤال هو ماذا ينبغي أن يكون موضوع هذا الحوار وسط الأوضاع الإقليمية والمحلية؟

أثبتت غارة الجولان أن مقاربة الأوضاع في لبنان وفق آليات قديمة باتت غير صالحة. ومن السذاجة الاعتقاد أن انتخاب رئيس أو إجراء انتخابات نيابية وعقد تسويات أو تفاهمات على الطريقة اللبنانية لا تزال صالحة للخروج من أزماتنا، وإن تكن صالحة لاستمرار تجميد الأوضاع بواسطة المسكنات.

بكلام مباشر، تقضي مقاربة الأزمة الاعتراف بأن قوة إقليمية بحجم «حزب الله» تسيطر على مكون أساسي ومهم من المكونات اللبنانية. وبمعزل عن طبيعة هذه السيطرة ومسبباتها، فإن الأمر يجب أخذه على محمل الجد والتعامل معه بواقعية ورؤية بعيدة لمستقبل الكيان اللبناني.

إن المتغيّر الإقليمي بات يؤشر وفي أكثر من منطقة إلى سقوط الحدود، أولاً بين العراق وسورية وثانياً بين سورية ولبنان كما تدل عليه المعارك في القلمون وعلى الحدود الشرقية وأيضاً تمركز «حزب الله» في جبهة الجولان.

وهناك مؤشر آخر يلوح في الأفق وهو الدور الإيراني المتمدد والفاعل في سورية بخاصة في مناطق سيطرة النظام الذي بات ينحسر دوره على حساب تنامي العامل الإيراني العسكري والأمني وبالتالي السياسي في سورية (النظام).

وسيستتبع العامل الإيراني في الداخل اللبناني، كما في سورية والمناطق التي تشهد تمدداً إيرانياً عبر البيئات الشيعية في العراق واليمن والبحرين وربما غيرها في المستقبل، نتائج عميقة ومؤثرة توصلت إيران إلى اتفاق على ملفها النووي أو لم تتوصل.

ففي الحالة الأولى، إيران متحررة من العقوبات الأميركية والدولية ومتفاهمة مع واشنطن، من دون لجمها عن التدخل في الشؤون العربية، إنها وصفة كاملة لحروب ونزاعات طائفية ومذهبية قد نعرف كيف تبدأ ولا نعرف متى تنتهي وكيف.

أما الحالة الثانية، أي عدم التوصل إلى تسوية للملف النووي، فتعني أيضاً المزيد من القلاقل والتدخلات والنزاعات والحروب المستمرة، أقله حتى نهاية عهد الإدارة الأميركية الحالية وتسلّم إدارة جديدة زمام الأمور وأيضاً معرفة شخص الرئيس الأميركي الجديد، علما أنه ليس من السهولة والسرعة محو آثار سياسة إدارة أوباما في المنطقة كما قد يخيل لكثيرين.

إيران موجودة في الداخل اللبناني وعلى الحدود وفي مناطق كثيرة في الإقليم أقربها إلى لبنان سورية والعراق. ماذا يعني ذلك بالنسبة الى أحوالنا في لبنان لا سيما الداخل وبالنسـبة الى موضوع الحوار مع «حزب الله»؟

من دون أدنى تردد، الحوار ضروري إنما قبل هذا الحوار الضرورة هو الحوار بين الحلفاء إذا صحت تسمية «حلفاء».

الحوار حول رؤية موحدة لمواجهة نتائج الوجود الإيراني في الداخل والإقليم سواء قدر لاتفاق إيراني- أميركي أن يحصل أو لا، والحوار بين الحلفاء حول مواضيع الحوار مع «حزب الله» كقوة إقليمية حاضرة عسكرياً وسياسياً وشعبياً على هذه البقعة التي اسمها لبنان.