Site icon IMLebanon

ثقة… لم تجد لها محلاًّ

 

تمّت الدعوة في الأسبوع الفائت، إلى غضبٍ كامل شامل فيما أُسمي «بيوم الغضب»، على أن تتلوه أيام لاحقة، مستفحلة الغضب، مشفوعة بقطع الطرق وإقفال المحلات والمؤسسات التجارية. هو الغضب الساطع، دعا إليه مسؤولو النقل في شتى أنحاء البلاد، وظاهر النتائج التي كانت متوقعة، أعطت الإنطباع بأن «القيامة ستقوم» وأن الغضب سيطلق زئيرا شاملا للجميع، ولكل الأماكن والمواقع. ولكن… ما إن حلّ الغضب في ذلك اليوم الغاضب، حتى تبين للجميع أنه اقتصر على بضع مئات من المشاركين، توزعوا وجودا انحصرت عواصفه بتجمعات «ميكانيكية» حلّت بوجودها في بعض الأماكن والشوارع الحساسة، مع استغراب لأصحاب الدعوة، كيف أن الاستجابة كانت خجولة، بل خجولة جدا، إلى أن عُرِف السبب وزال العجب، ذلك أن رؤوس الدعوة إلى مسلسل متلاحق من الغضب الشعبي الحافل قد تمثلوا بغالبيتهم الكاسحة بمسؤولين بارزين لدى أحزاب فاعلة ولكنهم أخطأوا الظن بأن نداءاتهم للناس، الناس العاديين ممن طاولتهم مساويء هذه الأيام الزاخرة بالبطالة والجوع والمرض والإفتقار إلى الدواء والإستشفاء والقدرة على تحمل أعباء الحياة التي دخلت إلى غياهب الأخطار المستفحلة، مغمورة «بفضائل» السرقة والنهب وتهريب الأموال وتواطؤ بعض المسؤولين في مراكزهم الفاعلة، وكان التساؤل: لم اعتكف الناس في بيوتهم ولم يظهر منهم رغم كل ما ذكر، أي مَعلَمٍ من معالم الغضب يدفع بهم إلى الشارع وإلى التظاهر ولا بأس لو تطور بعض منه دافعا بهم إلى الشارع وإلى التظاهر ولا بأس لو تطور بعضٌ من هذا الغضب المنشود إلى بعض من المخالفات الأمنية؟ لعل السبب الذي شدّ المواطنين إلى البقاء في بيوتهم بدلا من تلبية مطالب قادة الغاضبين، قد تمثل بشكل خاص في افتقار الناس بغالبيتهم الساحقة، إلى الثقة بالدعوة والداعين، فقد صنفهم الممتنعون رؤوساً منتمية إلى مراكز حزبية وفئوية معروفة بمواقفها القديمة ومواقعها الحالية وتوقعات تصرفاتها اللاحقة. لقد أغفل هؤلاء غياب هذا الدافع الأساسي إلى المشاركة في الاحتجاج والتظاهر والتجاوب مع دعوات الغضب، ذلك العنصر الأساسي الذي لا بد منه في كل المواقع والحالات، لاقتحام الطرقات والمشاركة في الاحتجاجات ألا وهو القناعة بالجهات الداعية وإلى المباديء التي تدعو لاحتضانها والسير بها قضية سليمة الشكل معافاة الثقة، وبعد أن هيأ الداعون أنفسهم لأيام حافلة بالغضب وإقفال الطرقات والمواقع والمحلات والمؤسسات، سريعا ما وجدوا أنفسهم خلال يوم واحد، يتراجعون عن تحركاتهم، ويتركون الطرقات خالية من الناس، حافلة بغضب دفين، بات ينتظر الفرصة للإنطلاق القديم والسليم، دون أن نغفل في مطلق الأحوال، سيلا من الروادع الأخرى متمثلة بالإرتقاء الطائفي والمذهبي والمناطقي متعدد الأوجه والتوتر والتحسب البعيد عن الروح الوطنية الصادقة التي دون أن تحقق سلامتها ووحدتها وتصميمها الثابت والأكيد على إيمان لا يتزعزع ولا يهتز، ولا تصلح له أية حلول مختلقة ومبتكرة تؤدي بالنتيجة إلى تشقيفه قطعا صغيرة غير قابلة للحياة والإستمرار والتّفنن في ابتكار الحكم الذي قد يستقيم كما لو كان بلدا شاسعا واسع الإمكانات والمطامح دون أية قدرة معقولة ومقبولة للرسوخ والديمومة والعيش الكريم بعيدا عن أي شكل من أشكال الإضطراب والتذبذب، وبالنتيجة ، السقوط والعودة إلى منطق الأحوال القابلة للحياة. ولمن المستغرب حقا، تلك الدعوات الخبيثة إلى تلك الوسائل الملتوية والآيلة إلى ابتداع صيغ للعيش وللحكم والتحكم، كتلك التي تدعو إلى تقزيم البلاد إلى مناطق إدارية ومالية بينما واقع الأمر يؤكد لنا مرور هذه البلاد العصية على التفلسف في العثور على الحلول التي تخفى أكثر مما تظهر، بجملة من التجارب التي انتهت إلى مؤتمرات ومقررات معروفة ومدروسة كمؤتمر الطائف والدوحة، لنلحظ أنها قد تحققت وأمنت للبلاد والعباد، مراحل من القبول المتبادل، الذي لقي اجماعا عربيا وإقليميا ودوليا أدى إلى ثباته واستمراريته في الوقت نفسه الذي لقي فيه مواجهة ومجابهة من بعض الدول العربية والإقلمية التي شوهت معالمه واختصرت في أهدافه ووسائل تحقيقها، وصولا في ذلك إلى تقليم أظافره طويلة بمناهج العنف المختلفة التي أدت إلى قلب أوضاع البلاد راسا على عقب. ومع كل الاساليب المبتدعة والمهتزة التي تحول هذه الأيام دون استمرارية الحكومة بما لها من حقوق وعليها من واجبات، والحكم بما يفرضه من مناهج معينة تحظى بالسلامة والدستورية والقانونية فأننا نلحظ في هذه الايام حركة وطنية عارمة تسعى إلى تصحيح الأمور وتقويمها، مع تأكيد مبدئي لا بد من الإشارة إليه حيث لا يدوم إلاّ الدائم، ذلك هو منطق الزمان والأيام ومراحل الحياة المختلفة.