Site icon IMLebanon

مواجهة غامضة مع «المشاهير المجهولين»!

 

 

لم يكن اللبنانيون ينتظرون إفادة من أحد، أياً كان موقعه في الداخل كما في الخارج، يُنبئهم بإمكان دخول البلاد حال الشلل التام. فكل ما يحوط بيومياتهم يؤرقهم حتى العظم. وعدا ما يوحي بهذا التوجّه فإنّ المخاوف لها ما يبررها عند استشراف ما ينتظرهم من مظاهر تَحلّل الدولة ومؤسساتها وفقدان الحد الادنى من حضورها. وعليه، ما الذي عكسته التوقعات السلبية الغربية والخليجية كما الاممية على الساحة الداخلية؟

مهما تعددت وتكثّفت التحذيرات الدولية والأممية مما ينتظره لبنان عقب التوجّه الذي انحدرت إليه البلاد نحو مزيد من الانهيارات على اكثر من مستوى، فإنها لم تغير شيئاً حتى اليوم من أداء المسؤولين الذين يلتزمون حتى اليوم دوام العمل الرسمي من دون الإعلان عن شيء يوحي بضرورة إعلان حال طوارئ بدلاً من استمرارهم في المواجهات الهمايونية المفتوحة على كل أشكال المناكفات السياسية، والتسابق مع ضحاياهم من المواطنين في التعبير عن الشكوى والتذمّر مما بلغته التطورات المأسوية والحال المذرية التي بلغت دركاً لم يكن متوقعاً من قبل. والأخطر في مسلسل التوقعات القول انّ ما يعيشه لبنان اليوم لم يبلغ بعد حد «الارتطام الكبير» الذي تحدث عنه البعض منذ أشهر عدة قبل ان تتوسّع مساحة الشلل الى مختلف القطاعات الحيوية.

على هذه الخلفيات، يتطلّع المراقبون الديبلوماسيون والسياسيون بقلق شديد الى مجموعة من المؤشرات الخطيرة التي بدأت تطفو علناً على سطح الأحداث في ظل فقدان اي وسيلة من وسائل المواجهة. فالمُمسكون بمقدرات الدولة ومؤسساتها ومعهم من يديرون اللعبة المالية والنقدية سواء كانوا من خارج تركيبة اهل السلطة او من داخلها، لا يُجمعون في مواقفهم سوى على معادلة واحدة تضع المتلاعبين بالعملة الوطنية على لائحة أصحاب الهوية الضائعة والمفقودة في دلالة واضحة الى فقدان الشفافية في التعاطي مع القضايا الحساسة والقدرة على تجديد المسؤوليات على اكثر من مستوى.

ومن هذه الملاحظات ينطلق المراقبون في تقييمهم لأداء اهل السلطة وما كشفوا عنه من فشل ذريع في ادارة شؤون البلاد والعباد والعجز الكلي من قياس حجم التلاعب بالعملة الوطنية الذي شكّل المؤشر الأكثر تأثيراً وخطورة في ما يحصل. في وقت يتلهّى المسؤولون الكبار بالمناكفات السياسية التي تواكب سلسلة الإستحقاقات الدستورية والمعابر الاجبارية التي تقود إليها على المستوى النيابي اولاً، قبل ولوج ملف تسمية من يكلّف تشكيل الحكومة على الطريق الى بلوغ محطة انتخاب الرئيس الجديد للجمهورية منعاً من تَجدد السيناريو الذي قاد قبل سنوات العهد السِت الى مرحلة الشغور الرئاسي التي دامت 29 شهراً.

وإن دخل المراقبون في تفاصيل المرحلة وما هو متوقّع قريباً يتوقفون بشعور ممزوج بالالم والقلق امام التحذيرات الماراتونية التي اطلقها قبل ايام المسؤول الاميركي الاسبق ديفيد شينكر بما يعرفه عن التركيبة اللبنانية، قبل ان يطلق وزير الخارجية السعودية الامير فيصل بن فرحان تحذيره المُشابه له من منبر «مؤتمر دافوس الإقتصادي» ومعه مضمون البيان الذي صدر عن وزارة الخارجية الاردنية في مسلسل انتهت فصوله امس بالتوقعات التفصيلية التي أطلقها وكيل وزارة الخارجية الأميركية للشؤون السياسية ديفيد هيل وصولاً الى اعتقاده بـ»احتمال استمرار الشلل السياسي في لبنان الى فترة كبيرة وقد تمتد لسنوات طويلة».

وهي مواقف سمعها اللبنانيون من دون أن تثير فيهم اي شعور إضافي بالمخاوف قياساً على حجم معاناتهم اليومية. بمقدار ما تلمّسوا من حجم فهم هؤلاء المسؤولين العميق للظروف التي يعيشها اللبنانيون الذين وصلوا الى درجة باتوا يطالبون بمساواتهم بالنازحين السوريين والفلسطينيين المنتشرين على الاراضي اللبنانية الذين يتلقّون مساعدات مالية مباشرة من المؤسسات الاقليمية والدولية والأممية إذ يصطفون بداية كل شهر في طوابير طويلة أمام اجهزة الصرّاف الآلي لمجموعة كبيرة من المصارف اللبنانية.

والملاحظ انّ كل ذلك يجري تزامناً مع صمت رسمي رهيب ومريب في آن، فمسلسل المواقف الدولية التي رافَقها اللبنانيون بردّ فعل بارد لم يهتزّوا لها، انتظروا موقفا رسميا لم يصدر بعد، وهم يطالبون بردّ رسمي لبناني واضح وصريح يشكّل جواباً على مجموعة الشروط التي توحّدت على مستوى المراجع الدولية العربية المهتمة بالقضية اللبنانية ويسعون الى المشاركة في التخفيف من مخاطرها. فقد ربطت هذه المراجع اي مساعدة محتملة (غير المساعدات الصحية والامنية بعيداً من مهمات اي من مؤسسات الدولة)، سواء كانت من برامج الهبات او القروض، ببرامج الاصلاحات التي مَلّوا من تعدادها. فما أفضى اليه الاتفاق الذي تمّ توقيعه على «مستوى الموظفين» مع صندوق النقد الدولي والذي قال بضرورة البَت بملف قطاع الطاقة الكهربائية والمياه وقطاع الخدمات الحيوية، كما بالنسبة الى إصدار قانون «الكابيتال كونترول» والبَت بخطة النهوض للتعافي والانقاذ المالي والنقدي.

وقياساً على ما تقدّم من معطيات لا يمكن لأي من المراقبين تبرير اي من سلوكيات المسؤولين المُمعنين بكل ما يؤدي الى الشرذمة وتفتيت اللبنانيين وتأليبهم بعضهم على بعض تحت شعارات باتت أكبر من قدرات أيّ منهم عندما تلامس الرغبات الخارجية في موازاة الكباش الكبير بين القوى الاقليمية والدولية الكبرى، والذي اجتاح بتردداته ساحة لبنانية ضعيفة ومفككة لا تتحمّل اقل ردات الفعل السلبية المقدرة لها.

وتبقى الاشارة واضحة وواجِبة الى انّ المواجهة التي يخوضها اهل السلطة فيما بينهم، بما يشبه «حرب بقاء»، ليست سوى للحفاظ على «عروشهم المتهاوية» كلّ من موقعه الدستوري والإداري. وهي سياسة باتت تهدد وحدة البلاد ومؤسساتها التي خرجت عن القدرة على الحضور وتقديم الحد الادنى من واجباتها للمواطنين على حساب توسّع مساحة النفوذ التي يتمتعون بها تاركين اللبنانيين لقدرهم في مواجهة مجموعة غامضة قد تكون من اشخاص ومسؤولين يديرون البلاد من بُعد ولا يمكن الاشارة اليهم لا بالاسم ولا بالصفة، فاستحقّوا ان يكونوا اشباحاً على لائحة «المشاهير المجهولين» الذين يديرون البلاد من بُعد ويتحكمون بتصرفات المسؤولين في غياب الحكمة والعقل لمصلحة العواطف والغرائز التي لا تؤتَمن على بلد وسلطات ومؤسسات.