فارس بويز، وزير الخارجية الاسبق، طوال عهد الرئيس الراحل الياس الهراوي، يرى ان لبنان منذ اندلاع الحرب في سوريا، اصبح رهينة الصراع بين دولة ايران والمملكة العربية السعودية، والامل ضعيف جداً بامكان ايجاد حلول للمشاكل اللبنانية. ان لم يكن مستحيلاً. خصوصا في ما يتعلق بموضوعين اساسيين، الاول انتخاب رئيس للجمهورية، والثاني التوافق على قانون للانتخابات النيابية.
ان تعطيل السعي داخلياً لانتاج رئيس للجمهورية وقانون جديد للانتخابات، منذ ما يقارب السنتين ونصف السنة، يثبت صحة رأي الوزير بويز، لان مواقف الاطراف الداخلية الاكثر تأثيراً في هذين الاستحقاقين الهامين، مثل حزب الله وتيار المستقبل، لا يمكن ان تخرج او تتعارض مع مواقف ايران والسعودية، بسبب العلاقة العضوية القائمة بين هاتين القوتين وبين الدولتين الاكثر نفوذاً في لبنان، اضافة الى عامل الصراع المذهبي المسيطر على الاوضاع في لبنان وجميع الدول العربية والاسلامية، ولو ان هذه النظرية غير صحيحة وغير مبنية على معطيات وتحليل واقعي، كانت عملية انتخاب رئيس جديد مرت بسهولة مطلقة وفق تسويات داخلية ترضي جميع الافرقاء كالعديد من القضايا التي نال فيها كل فريق حصته. والمثال على ذلك حكومة الرئيس تمام سلام، ولكن الافرقاء الداخليين المرتبطين بمحاور الخارج، ملزمون بالصراع نيابة عن الخارج، ولذلك تراهم دائما في واجهة الصراع.
لتدعيم هذا الرأي، بالبراهين والمعطيات، لا بد من العودة قليلاً الى الوراء، الى اول جلسة لمجلس النواب عقدت لانتخاب رئيس خلفاً للرئيس العماد ميشال سليمان، حيث صبت اصوات اكثرية النواب في خانة العماد ميشال عون، وكان في مقدمها نواب حركة امل وتيار المردة والسوري القومي الاجتماعي والبعث وطلال ارسلان، بالاضافة طبعاً الى نواب حزب الله والتيار الوطني الحر وحزب الطاشناق في حين ان نواب تيار المستقبل، واحزاب وشخصيات 14 اذار ذهبوا الى تأييد الدكتور سمير جعجع، والسؤال، ماذا تغير في مواقف العماد عون، لحجب نواب 8 آذار، باستثناء حزب الله، تأييده للعماد عون، ولماذا يصر العماد عون وحزب الله، على انتزاع تأييد تيار المستقبل لرئيس تكتل التغيير والاصلاح. طالما انهم منذ البداية لم يتوقفوا عند هذا الامر، ولو ان التفاهم بين الدكتور سمير جعجع والعماد عون تم في تلك المرحلة او بعدها بقليل، كان عون انتخب رئيساً للجمهورية رغم عدم انتخابه من تيار المستقبل بما يعني ان ايران قادرة بمونتها على حلفائها في لبنان ان توصل عون الى الرئاسة الاولى، خصوصا بعد تحالف عون وجعجع، ولا ممانعة من النائب وليد جنبلاط بانتخاب عون، لكن عندما يكون الجمل بنية والجمال بنية اخرى، تتعقد الامور، وتنقلب المقاييس ويحتل الحكي الصدارة مكان الفعل.
***
المايسترو الذي يدير الدراما التي تمثل على الساحة اللبنانية، اضافة الى عوامل التعطيل، عاملاً جديداً بالغ الخطورة، يتمثل بخلق حالة من التوتر والعداء بين الاكثرية المسيحية وبين المعتدلين عند الشيعة، على خلفية قرارات ذات رائحة مذهبية اتخذها وزير المال علي حسن خليل، واصر على تنفيذها رغم انها وفق القانونيين، تخالف القانون، ووفق السياسيين، تخالف صيغة العيش المشترك، والرئيس بري حتى الساعة ساكت عن الحق، كما ان شيطنة تيار المستقبل من جهة، وشيطنة التيار الوطني الحر من جهة ثانية، خلقت بين المواطنين حذراً وارباكاً وتخوفاً من تصاعد لهجة المواجهة السياسية بين الافرقاء، وتحولها الى نزاع ومواجة في الشارع، واعلان الرئيس بري والمحيطين به ان الشارع ليس وقفاُ على احد، هو كلام تصعيدي، كنا بالغنى عنه، خصوصاً ان اللجوء الى الشارع في شكل حضاري وديموقراطي وسلمي هو حق صانه الدستور، وليس هناك من داع لصب الزيت على النار بل الحكمة تقضي بان يعرف كل فريق سبل الوعي لتلافي اي تصرف يعمق الشعور بالغبن عند فريق كبير من اللبنانيين، او يستفز فريقاً مقابلاً.
خافوا الله… لبنان على فوهة بركان.
